محمد عبده يواصل معركة التنوير

باحثون يتحدثون عن دوره بعد مائة عام من رحيله

TT

نظم المجلس الأعلي للثقافة بمصر أخيرا مؤتمرا بمناسبة مرور مائة عام على رحيل الإمام محمد عبده تحدث فيه مجموعة من المؤرخين والمثقفين المصريين حول دور محمد عبده في الاستنارة الدينية والثقافية، وموقفه المتحفظ من صراع الطبقات، في مقابل موقفه ـ الثوري المتمرد من شيوخ الأزهر في عصره.

وحول الروافد الثقافية التي نهل منها محمد عبده قالت الدكتورة لطيفة سالم: «إن الإمام الشيخ كان نتاجا للمؤثرات الثقافية التي أينعت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، وقد عاصر الأحداث التاريخية التي عاشتها مصر، ومن ثم فان بصماته واضحة عليها، وتعد الثورة العرابية من ابرزها».

واشارت سالم الي ان محمد عبده خاض الميدان الثقافي، واسهم بدور فعال منذ ان تتلمذ على يد الأفغاني واصبح لصيقا به، وفرض الاتجاه الإصلاحي نفسه عليه، والذي لم يقتصر على الازهر، وانما امتد الى خارج اسواره، وخاصة من خلال الصحافة. وقد تناول موضوعات تنم عن فكر سياسي واجتماعي متقدم، فتحدث عن الحرية والعدل والقانون والشورى. واعتمد مشروعه على التعليم، مبينا انه اذا اصبح المصريون يتمتعون بثروة العلم، فسوف يكونون جديرين بممارسة الحياة السياسية والتمتع بها. وهدف أيضا الي رفع مستوى الأمة في تدرج وتؤدة. وعندما بدأت الثورة العرابية بحادثة قصر النيل في اول فبراير (شباط) 1881، راح يحاور قادة الثورة العسكريين، محذراً إياهم ان ما يقدمون عليه عمل غير شرعي قد تكون نتيجته الاحتلال الأجنبي. وبعد 9 سبتمبر 1881 والتي ماجت بالنشاط الثوري الذي شمل قوي مصر المختلفة، وفرض التحول نفسه على محمد عبده الذي انضم الي قادة الثورة، وكرس صحيفته «الوقائع المصرية» لأهداف لثورة.

* بين عبده والأفغاني

* وقال الدكتور رفعت السعيد ان الأفغاني عندما غادر مصر منفيا ظل يردد عبارة واحدة اعتبرها الجميع وصية لهم «حسبكم محمد عبده، حسبكم محمد عبده من ولي أمين»، لكن محمد عبده لم يكن من ذات معدن أستاذه. كان اقل ثورية وان كان تأثيره في مصر والمصريين أكبر، وكانت مقدرته العلمية والتجديدية اكبر بما لا يمكن مقارنتها بكتابات الافغاني الحماسية. واشار السعيد الي ان اية دراسة متأنية لتراث وفكر الإمام محمد عبده تضع الباحث في حيرة، فهو تقدمي تنويري في مجال الدين والعقيدة واعمال العقل، وفي صراعه ضد شيوخ للازهر المتزمتين، لكنه يميني في موقفه من الثورة ومن الفوارق الاجتماعية. ولعل هذا الموقف، وان تبدى غير واضح التناقض في حياة الإمام، إلا أنه ما لبث ان تفجر بعد وفاته، فالكثيرون من تلاميذه لم يستطيعوا إتقان «ركوب الموجتين المتناقضتين»، حسب تعبير السعيد، فتمسكوا بالموقف اليميني في المجال الاجتماعي، ولم يحسنوا مواصلة طرق التجديد. ورويدا رويدا اصبح اليمين الاجتماعي هو الأساس، بحيث صبغ الموقف الفكري بصبغة تجديدية باهتة، ما لبثت ان تلاشت بل وتحولت الي النقيض. وأشار المحاضر الي ان محمد عبده كان كأستاذه يسعي للتغيير من اعلى، كان ابان الاحداث الجارفة التي تفجرت وانتهت بالثورة العرابية يمثل يمين الثورة بل ويمين يمينها. واشار السعيد الى ان بداية معركة التنوير التي خاضها محمد عبده قديمة تسبق حتى اشتغاله بالسياسة او لقاءه مع استاذه الافغاني. فقد كان ينشر عدة مقالات في «الاهرام» يبدو فيها نزوعه الحاسم نحو التنوير. والهدف من هذه المقالات كان بث الأفكار بين الناس لتكون سببا لتنوير البصيرة وتطهير السيرة وتحريك فيهم روح الغيرة، ثم كان لقاؤه بالافغاني فازداد قدرة على المواجهة وجرأة في التأويل ورفض الجمود.

* الفكر الإسلامي والإصلاح

* وقال الدكتور ايمن فؤاد إن تأثر عبده باستاذه جمال الدين الافغاني، غذى لديه «العلوم النقلية بفكر جديد وعرفه على المؤلفات الاوروبية، كما لفت انتباهه الى القضايا المصرية والإسلامية المعاصرة». وبالرغم من وحدة الهدف الأعلى لديهما، كما يضيف المحاضر، وهو تحرير الشعوب الاسلامية ونهوض الاسلام بوسائله الداخلية، فقد اختلف برنامج كل منهما عن الآخر. فقد كان الافغاني رجلا ثوريا لا يرى الخلاص إلا من خلال الثورة، بينما كان محمد عبده يري إمكانية تحقيق ذلك من خلال الاصلاحات التدريجية، ويرى ان أي انقلاب خارجي لا يمكن ان يحل محل التغييرات العميقة في الاصلاح، وان أي اصلاح للتعليم يجب ان يبدأ بالتعليم الاخلاق والديني الذي لاغني عنه لأي تطور. وتركز اهتمامه على شرح الإسلام ومكانته في العالم الحديث، وحدد برنامجه في ضرورة اصلاح الفكر الإسلامي والعودة إلى الدولة الاسلامية الاولى، وتجديد اللغة العربية، والاعتراف بحقوق الشعوب.

* موقفه من المرأة

* وقالت الدكتورة زبيدة عطا ان الامام محمد عبده كان رائدا للتنوير ونظر الي المرأة كعنصر فعال في لتكوين أي مجتمع، ورأى ان المرأة لن تكون هذا الكائن الفعال بدون أن يرقى المجتمع بمكانتها.

وحض عبده على تعليم الفتيات، ورفع مستواهن الثقافي والفكري، لان هذا سيؤدي الي نهضة البلاد الاسلامية ككل. واستشهد دائماً بالقرآن الكريم والسنة اللذين دعيا الى تعليم المرأة «لأن العلم محمود في حد ذاته». مشيرة الي ان دعوة الإمام لاقت استجابة كبيرة من الناس. وذكرت المحاضرة أن الامام محمد عبده كان يؤمن بحقوق المرأة في إطار الزواج، ويرفض وصفه بأنه عقد يملك به الرجل المرأة، وإنها أداة للمتعة. ودعا كذلك إلى ضرورة أن يكون هناك تعارف بين الاثنين، ومن حقهما أن يرى بعضهما الآخر حتى يتوافر الرضا والقبول. كذلك عالج مشكلة تعدد الزوجات، المرتبطة بتوافر شروط معينة، وان التعدد في الفترة الاسلامية كان له ما يبرره، وان الشريعة حددته وربطته بالعدل.