مغمورون ونجوم وكومبارس في موسوعة الممثل في السينما العربية

محمود قاسم يوثق لتاريخهم ويكشف عددا من المهمشين منهم

TT

تبدو كتب الموسوعات من الصناعات الثقيلة التي تحتاج إلى جهد سنوات طوال من البحث والتنقيب واعادة الكتابة، إضافة معلومات، واستبدال أخرى، كما أنها تحتاج إلى جهد فريق متكامل من المتخصصين.

ولكن يبدو ان الأمر مختلف قليلا بالنسبة للروائي والناقد السينمائي المصري محمود قاسم ، أو يبدو أن صناعة الموسوعات قد أصبحت هوايته المفضلة، والمحببة إلى نفسه. فبعد أن اصدر عددا من الموسوعات المتعلقة بالسينما والسينمائيين منها على سبيل المثال، «موسوعة الأفلام العربية» و«دليل الأفلام في القرن العشرين»، وصدر له حديثا «موسوعة الممثل في السينما العربية» عن مكتبة مدبولي بالقاهرة.

الموسوعة التي تقع في 639 تحتوي على معلومات كاملة عن ممثلين نجوم، ومغمورين وابطال الدور الثاني وكومبارس واخرين لا يعرفهم أحد. ولا تقتصر الموسوعة على ذكر الممثلين المصريين فقط ، بل تتجاوز ذلك لتذكر الممثلين العرب من البلاد المختلفة! العراق وسورية ولبنان وتونس والجزائر والمغرب وغيرها، الذين قدموا عشرات الأفلام والذين قدموا فيلما واحدا.

ويذكر قاسم في كتابه سيرة ذاتية لكل شخصية والأفلام التي شاركت فيها، أو قامت ببطولتها ، حسب الأعوام حتى نهاية حياتها ـ في حالة وفاتها ـ الموسوعة لا تحتوي على مقدمة مستفيضة، ويبرر المؤلف ذلك بالقول: «إذا كان لا بد من كتابة مقدمة للموسوعة فهي واجبة من اجل أن يسكب فيها المرء كل المجهود الخارق الذي استهلكه، وهو يلملم كل البيانات وتواريخها والتدقيق فيها قدر إمكان الأوراق والذاكرة والبحث عن كل ما هو مجهول، وعن كل ما يحاول الكثير من الفنانين إخفاءه مثل تواريخ الميلاد، وأماكن النشأة والشهادات الدراسية». ومن أهمية الموسوعة انها تعرضت إلى ممثلين شاركوا في تشكيل وجداننا الإنساني ونحن نشاهدهم في أعمال كثيرة عبر الأفلام من دون أن نعرف ربما أسماءهم، ورأيناهم في المسرحيات والمسلسلات التلفزيونية والإذاعية أيضا، ونعرف ملامحهم من دون أي معلومة عنهم.

حين سألت محمود قاسم عن سبب إعداده لهذه الموسوعة قال: إنه اكتشف أن هناك في تاريخ السينما العربية كما من الأفلام، وكما من الممثلين في السينما يمكن أن نصنع منهم وعنهم موسوعات حقيقية. فالسينما العربية تجاوزت الخامسة والسبعين من عمرها، وأنتجت قرابة 4000 فيلم، وهذه الأفلام لم يتوفر عنها كتاب واحد يسمى مرجعا، ومن هنا جاءت فكرة عمل موسوعة حول هذه الأفلام. وكانت موسوعة الأفلام العربية قد صدرت عام 1993 لكن بشكل بدائي لعدة أسباب. أولا عدم توفر المادة الكاملة وعدم وجود مراجع سابقة يمكن الرجوع إليها، وعدم وجود الناشر المتحمس. ويقول قاسم «ولأن الناشر قد خدعنا في المرة الأولى فقد قررنا عمل موسوعة اكثر تكاملا سنة 2000 ، وهي «دليل الأفلام في القرن العشرين في مصر والعالم العربي». أما أول موسوعة عن الممثل، التي صدرت عام 1997 فقد كانت أضحوكة حقيقية. وكان لزاماً علينا ان نعد طبعة جديدة من هذا العمل عام 1997 أي بعد عامين، وجاءت أفضل من السابق، لكن ما خفي كان الأعظم. ففكرت في العام الماضي بتقديم موسوعة شبه متكاملة عن اغلب، إن لم يكن كل من مروا من أمام الكاميرا. وجاء هذا العمل الذي لا أستطيع أن أقول انه مجهود مضن، لأن المتعة في إخراجه، والمتعة في رؤيته مطبوعا تلغيان تماما كل المعاناة التي عانيتها فيه. المهم في هذا الأمر انه عندما تنتهي منه تكتشف انه يحتاج إلى إضافات اكثر واكثر، فالتعامل مع الممثل أشبه بالتعامل مع البئر العميق من حيث المعلومات وخاصة المعلومات عن تاريخ ميلاده ونشأته وحياته الخاصة ومرحلة ما قبل الشهرة وحالات الصعود والهبوط التي يمر بها هي منطقة ألغام حقيقية ـ يضيف قاسم ـ فالممثل مثلا، لا يسمح لأحد أن يعرف تاريخ ميلاده لأن هذا قد يؤثر على حضوره مما يعكس الصعوبة في التعامل مع مثل ذلك النوع من الكتب. ومن الملاحظ في الموسوعة أن البطل فيها ليس هو النجم، فهناك ممثلون يعرفهم الناس ويحبونهم او يكرهونهم حسب أدوارهم، ولكن لا يعرفونهم بأسمائهم، مثل محسن حسنين الشرير الأبدي، الذي قدم منذ عام 1946 حتى عام 1966 حوالي 37 فيلما، اغلبها مع إسماعيل ياسين، مثل «البوليس السري» و«حماتي ملاك» و«إسماعيل ياسين في الطيران» و«العتبة الخضراء» وغيرها. وهناك أيضا علي عبد العال الذي لا نعرفه بالاسم ولكننا نعرفه بالشكل، فهو ممثل معوق وله شكل الأبله وأدى نفس الدور في السينما دائما، كما في أفلام «نور الدين والبحارة الثلاثة» و«احمر شفايف» و«بلبل أفندي» و«دهب» و«إنسان غلبان».

ومن الشخصيات المغمورة أيضا التي يقدمها الكاتب عبد المنعم اسماعيل (1907- 1970) وهو شقيق الممثل حسين إسماعيل. وقدم كلاهما أدواراً صغيرة في السينما. وبينما تخصص حسين في الأدوار الكوميدية، فان عبد المنعم جسد أدوار الشر. وهناك ممثلون أيضا اشتهروا بدور ما ولا يعرفهم احد ، مثل عبد المجيد شكري (1890- 1952)، وهو ممثل ترك وظيفته الحكومية وعمل في مسرحيات نجيب الريحاني، كما عمل في مسرح رمسيس واشتهر بدور البيه، قدم ما يزيد عن 18 فيلما. أيضا يؤرشف الكتاب للراقصات اللائى عبرن من أمام الكاميرا من دون أن يعرفهن أحد ، مثل سوزي خيري واسمها الحقيقي (خيرية محمد خيري)، ولدت في الإسكندرية عام 1945، ثم التحقت بكلية الأدب قسم الصحافة. هناك أيضا سعيدة جلال (1933) وهي ممثلة وراقصة عملت في الكثير من الأدوار القصيرة في السينما كراقصة ثم بدأت مساحة أدوارها تتسع، وهي شقيقة للفنان شفيق جلال واعتزلت السينما كي تتفرغ لحياتها الأسرية، ومن أفلامها «السجينات» و«جري الوحوش» و«قداره وعلاقات مشبوهة» و«امرأة تحت المراقبة» و«أمير الظلام». ومن النجوم ذوي الأصول غير المصرية، نقرأ في الموسوعة عن نجوم مثل نجيب الريحاني وفريد شوقي وناهد شريف وشادية ومحمود مرسي، إضافة إلى ممثلين وممثلات أقل شهرة مثل جلاديس أبو جودة اللبنانية وحسيبة رشدي الممثلة التونسية ومنى نور الدين التونسية أيضاً، ويوسف العاني العراقي، فضلا عن عشرات الفنانين من لبنان وسورية.