كتاب ينتقد الهيكلية ويطالب بمواجهة ما بعد 11 سبتمبر

دراسة إعلامية سعودية عن الإعلام الخارجي الرسمي

TT

اوصت دراسة اعلامية سعودية محكمة صادرة حديثا اجراء تغييرات جذرية تطال كافة جوانب الاعلام الخارجي التابع حاليا لوزارة الاعلام السعودية وتشمل تلك التغييرات تغيير للمسمى والطبيعة المؤسسية والارتباط الاداري والتركيب الهيكلي ونوعية المهام وايضا تحسين القوى البشرية ودعم الموارد المالية، وكان ابرز تلك التوصيات ان تنفصل مهام هذه الادارة في منظمة مستقلة بعيدة عن وزارة الاعلام وبيئة عملها الادارية التي ترتبط بيروقراطيا وماليا بنظم الخدمة المدنية والذي لا يتيح لها المرونة الادارية والمالية اللازمتان للتعامل مع الاحداث والحملات الدولية ويقترح ان تتخذ المنظمة الجديدة شكل شركة حكومية كما هو الوضع في ارامكو السعودية وغيرها من الشركات المثيلة.

وأشارت الدراسة التي تحمل عنوان «ممارسة العلاقات العامة الحكومية الدولية في المملكة العربية السعودية، دراسة وصفية للاعلام الخارجي بوزارة الثقافة والاعلام» وهي من اعداد الدكتور عثمان بن محمد العربي، استاذ مشارك بقسم الاعلام بجامعة الملك سعود بالرياض، ان لا تتبع المنظمة المقترحة بعد تغيير مسماها ليكون عاكسا لعمل الجهاز المقترح والذي يمارس الاتصال الدولي او العلاقات العامة الدولية بوزير الاعلام وان تكون تابعة بشكل مباشر لرئاسة مجلس الوزراء.

كما تقترح الدراسة ادخال تغييرات على التركيبة الادارية باعتماد التركيبة الادارية الجديدة على تقليص الهرمية الموجودة مع توزيع مهام توطيد العلاقات مع الرأي العام في الدول المستهدفة، وذلك من خلال المكاتب الاعلامية والتي يفضل اعادة تسميتها ايضا الى مكاتب اتصال او علاقات عامة، على ان يعطى لمديري هذه المكاتب التمويل والصلاحيات الادارية الكافية للتعامل مع متطلبات عمل حملات العلاقات العامة في تلك الدول، ويفترض التشكيل وجود عدد محدود من الوحدات الادارية والقوى البشرية في الرياض، المقر الرئيسي للشركة، وان تتولى المكاتب المتخصصة المتوزعة في العالم اداء معظم المهام وان يكون دور المقر الرئيسي دورا داعما وتنسيقيا للمهام والمخططات، وأن يرأس المكاتب نائبا للرئيس التنفيذي في منطقته التي يغطيها.

كما تقترح الدراسة تغيير طبيعة مهام المكاتب من مجرد انشاء رسائل الاتصال وإرسالها الى الجماهير الى اهداف تتعلق بادارة العلاقة مع الجماهير المستهدفة وان يتم وضع خطط العلاقات العامة باسلوب علمي ومهني للسعى لتحقيق اهداف توطيد العلاقة مع قادة الرأي ووسائل الاعلام والنخب السياسية والاقتصادية المختلفة، اضافة الى عموم الرأي العام وذلك من خلال وضع خطط متوسطة وطويلة المدى للتواصل مع هذه الجماهير مبنية على دراسات وابحاث حول تصورات الجماهير وايضا تنفيذ وتقويم الخطط الاتصالية.

وتوصي الدراسة بالإستفادة من القوى البشرية الموجودة في وزارة الاعلام وان يبدأ في توظيف كفاءات جديدة، وايضا تزويد كل المكاتب بالميزانية الكافية والمتطلبات الفنية التي تضمن قيامها بحملات علاقات عامة على المستوى الدولي.

وهدفت الدراسة الى تقديم صورة وصفية تعكس واقع تطور الاعلام الخارجي لوزارة الثقافية والاعلام بالسعودية، فوصفت البنية التنظيمية للوحدة الادارية الممارسة للاعلام الخارجي وطبيعة الاهداف والمهام الموكلة للوحدة والقوى البشرية للجهاز والتغيرات الرئيسية التي طرأت على كل من هذه الجوانب منذ نشأة الجهاز في العام 1961 وحتى يومنا هذا. واعتمد المؤلف على العديد من المصادر والادلة تناول البيئة التنظيمية للاعلام الخارجي ووسائل الاعلام الرئيسية بما فيها نشاط البث التلفزيوني والاذاعي ونشاط وكالة الانباء السعودية والصحف السعودية الناطقة باللغات الاجنبية، كما تناولت الدراسة واقع الاجهزة الداعمة للاعلام الخارجي سواء في بعض الوزارات او الهيئات الحكومية وشبه الحكومية في السعودية. وأشار العربي الى ان الاعلام الخارجي مر بمراحل متعددة، اختلف فيها مستوى ادائه والتركيبة الهيكلية والقوى البشرية المكونة للجهاز، وان هذا الجهاز كغيره من باقي الاجهزة الحكومية السعودية تعرض لكثير من التطور في النصف الثاني من عقد السبعينات وذلك بعد توفر الموارد المالية الناتجة عن زيادة دخل الدولة من مبيعات النفط.

ووجهت الدراسة، التي تقع في 108 صفحات، نقدا لاداء جهاز الاعلام الخارجي سواء في مرحلته الاولى التي تقع بين عامي 1977 ـ 1996 والتي بدأت بتحويل الوحدة الادارية الصغيرة الى ادارة عامة سميت بالمديرية العامة للاعلام الخارجي، والمرحلة الثانية التي بدأت في العام 1996 التي تم فيه تحويل الجهاز الى وكالة وزارة مستقلة ترتبط مباشرة بوزير الاعلام. ففي المرحلة الاولى التي استمرت 20 عاما، وبرغم ارتفاع عدد الموظفين من حوالي 50 موظفا الى 155 بنهاية الفترة، الا ان التركيز استمر على استقبال الوفود الزائرة ومتابعة ما تنشره وسائل الاعلام الاجنبية. واستشهد العربي بدراسة متخصصة صادرة في العام 1983 أشار فيها إلى وجود فهم خاطئ وقاصر لمفهوم العلاقات العامة لدى موظفي هذا الجهاز، وان الهيكل الاداري نفسه في الاعلام الخارجي يعزز هذا الفهم الخاطئ لمفهوم العلاقات العامة.

اما بالنسبة للمرحلة الثانية التي واجهت السعودية فيها حملة شعواء من وسائل الاعلام الاميركية بشكل خاص ووسائل الاعلام الغربية عموما بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، فان الفراغ الذي تركه الاعلام الخارجي كان كبيرا وكان موقف الاعلام السعودي مترددا ومذهولا الى حد كبير حسب تعبير الدراسة. وجوهر المشكلة في اداء الاعلام الخارجي السعودي ليس نابعا من قصور عددي في القوى البشرية بقدر ما هو نابع من سوء فهم لماهية العلاقات العامة الحديثة، لان التركيبة الهيكلية للقطاع بنيت على مفهوم ضيق للعلاقات العامة يسطح العلاقات العامة ويجعلها عرضة للتهميش، كما ان البيروقراطية الحكومية نفسها بما تفرضه من تقيدات مالية وادارية لا تتناسب ابدا مع طبيعة المهام الاتصالية التي يفترض ان يقوم بها ممارسوا العلاقات العامة على نطاق دولي.

واشارت الدراسة الى الادوار التي قامت بها الجهات الداعمة للاعلام الخارجي مثل سفارتي السعودية في لندن وواشنطن بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر، واصفا المهمات التي نفذتها هاتين السفارتين بانه تم الاعداد والتخطيط لها بمعرفة ومهنية عالية.