تظاهرات ومعارض وقراءات في كتاب ألف ليلة وليلة

تطوان المغربية تحتفل باليوم العالمي للكتاب

TT

لم تظهر في المغرب اجواء ممهدة للاحتفال بالعيد او اليوم العالمي للكتاب وحقوق المؤلف، ذلك ان الوسط الثقافي يتعامل مع هذا الموعد كسائر المواعيد الكونية الاخرى، مثل الايام العالمية للمسرح والموسيقى ومحاربة الامية الخ... تقام حفلات رمزية هنا او هناك بمبادرة من فعاليات جمعوية، كما تأتي اخرى من وزارة الثقافة. اما القطاعات غير الحكومية المسؤولة عن انعاش السوق الثقافية وتزويدها بالمنتوج الثقافي المطلوب، فانها لا تغير عاداتها التي درجت عليها، إلا من رحم ربك. لا تلام تلك الجهات على تقصيرها اذا صحت هذه العبارة، فما دامت القراءة في تراجع، وما دامت المطبوعات تظل معروضة فوق الارصفة وعلى واجهات المكتبات، فان تصديق الاحتفال بعيد الكتاب يكون من باب القفز على الحقائق المرة. دعنا نقول ان المغرب لا ينفرد بالوضعية الموما اليها، بل هو في درجة متقدمة اذا قورن بأوضاع دول مماثلة. وفي هذا الصدد يجب تسجيل ان وزارة الثقافة تعمل في عدة اتجاهات في عهد الوزير الشاعر محمد الاشعري، لتحفيز الجمهور على القراءة ومصاحبة الكتاب، وحتى لا يكون الاحتفال بيوم او عيد الكتاب لحظة طافحة بالرسميات. وهكذا فان الوزارة حسب مصدر منها، تركت حرية المبادرة للمندوبيات التابعة لها والموزعة على اهم المدن والمحافظات، بحيث تهيئ برامجها الاحتفالية الخاصة بشراكة مع الفعاليات والهيئت الناشطة في الحقل الثقافي، لكن الدعم الكبير الذي وفرته الوزارة لهذا الحدث، يتمثل في رعايتها المادية للانشطة التي ستقام في مدينة تطوان (شمال المغرب)، التي كانت السباقة الى احياء واعادة الاعتبار لهذه المناسبة.

ولذلك قصة، فكما هو معلوم، كانت تطوان إبان احتلال المغرب من طرف فرنسا واسبانيا، عاصمة المنطقة الخليفية (نسبة الى خليفة السلطان الشرعي المقيم في الرباط)، وكان الاسبان يشجعون النهضة الثقافية التي عرفتها المدينة التي وفد عليها صحافيون وكتاب ومترجمون من الشرق، خاصة من لبنان، كما عادت البعثات التعليمية التي قصدت المشرق لاكمال تعليمها في فلسطين (جامعة النجاح)، ومصر. ولما التقى المغاربة والمشارقة وتكاتفت جهودهما، انعكس ذلك التلاحم واصبحت المدينة خلية ثقافية واعلامية وشهدت نهضة حقيقية ما تزال بعض اثارها ناطقة حتى ايامنا هذه.

في هذا الخضم، اختير يوم 24 ابريل (نيسان)، ليكون عيدا للكتاب في المنطقة التي كانت خاضعة للاحتلال الاسباني، تقام فيه التظاهرات المحتفية بالكتاب ومؤلفيه ومستهلكيه، لحثهم على الاستزادة من المعرفة، كما نظمت المسابقات والمباريات بين الناشئين والضالعين في حرفة الكتابة من اجل نيل الجوائز المادية المشجعة على المضي في امتهان تلك الصنعة الراقية. كان الاحتفال مقصورا في بدايته خلال الاربعينات على الكتاب الاسباني، لكن الحركة الوطنية في شمال المغرب طالبت بان يخص الكتاب باللغة العربية بعناية مماثلة او اكثر، فاستجابت سلطات الحماية لذلك المطلب، ضمن تعايشها مع الحركة الوطنية.

لكن هذا الموعد الرمزي، وقع نسيانه في المغرب المستقل، وتلك لعمري مفارقة صارخة، واستمر حال الاهمال كذلك الى ان تحركت همم هيئات وافراد في المدينة ذات المجد الثقافي الغابر، فقرروا احياء ما اندثر، واستعادت تطوان وجهها الثقافي الباسم من دون سلطة احتلال استعماري، والتفت الارادات الغيورة على الثقافة والكتابة وتظافرت الجهود لإنجاح واستمرار الموعد وانتظامه، ويبدو ان الطموح والرهان في محله، اذ ستحتفل تطوان بالدورة الثامنة اثر النجاح المتدرج الذي عرفته التظاهرة، اذ تستمر الاحتفالات ذات الطابع الثقافي الصرف، وليس المناسباتي، الى غاية 30 من الشهر الجاري.

يشتمل البرنامج على عدة محاور او مفاصل بتعبير احد المنظمين، من بينها توقيع وتقديم 30 كتابا لمؤلفين مغاربة، تمثل منشورات وزارة الثقافة نصفها، الى جانب اربع ندوات، اولها عن تجربة الشاعر العراقي سعدي يوسف، الذي تم اختيار اسمه اعترافا بموهبته الشعرية.

وتدور الندوة الثانية عن الادب المغربي المكتوب بالاسبانية، في ما سيناقش موضوع العدالة الانتقائية والانتقال الديمقراطي، (الدورة الثالثة) على اعتبار انه موضوع سياسي ثقافي راهن في المغرب، اما الندوة الرابعة فستخوض في اشكاليات الترجمة الادبية.

غير ان اهم تجديد اضافه المنظمون (فرع اتحاد الكتاب ومندوبية وزارة الثقافة) الى بهجة العيد، هو ادراج انشطة في معرض الكتاب المقام في اهم ساحات المدينة (الفدان)، حيث ستنظم قراءات جماعية في امهات المصادر الثقافية الانسانية، ووقع الاختيار في هذه الدورة على كتاب الف ليلة وليلة، الذي سيوضع رهن اشارة الزوار ليقرأوا بعضا من صفحاته. ويقام حفل مماثل في مدينة مرتيل الشاطئية (تبعد عن تطوان حوالي 10 كلم)، لكن الرواد سيستمعون الى فقرات من السفر الخالد رواية الاديب الاسباني ميغل دي ثرفانتس دون كيخوت دي لامانشا، فيما تتخذ انشطة اخرى شكل عروض مسرحية، ومحترفات للاطفال تحت شعار الحكي والتشكيل، يلتقي فيها التلاميذ بالفنانين التشكيليين، مثلما يلتقي شعراء بتلاميذ المدارس التطوانية.

ويخامر الساهرون على هذه التظاهرة الفريدة، شعور بالاطمئنان والامل في المستقبل، وهم ممتنون لكون وزارة الثقافة المغربية، دعمت ماديا وادبيا هذا الحدث، ويتوقعون له الامتداد والانفتاح على صيغ جديدة وافاق رحبة.