يوجد الآن 7.5 مليون طفل عربي خارج التعليم الاساسي واكثر من مليون طفل عامل، وحوالي 70 مليون أمي، كما ان هناك عددا كبيرا من المنازعات المسلحة طويلة الاجل يقع عبؤها على المدنيين، خاصة الاطفال. ما سبق من ارقام هي حقائق، وليست اوهاما، لكنها حقائق مفزعة هل تريدون المزيد منها؟! يذكر تقرير «عالم عربي جدير بالاطفال، دراسة حول واقع الطفولة في الدول العربية»، الذي اعده المكتب الاقليمي لليونيسيف في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بالتعاون مع الامانة العامة للجامعة العربية، وصدر الاسبوع الماضي عن دار الشروق بالقاهرة، العديد من هذه الارقام الموجعة بحق. ففي حين يتحدث العالم عن الغد، والمستقبل، يعاني العالم العربي من الامراض التي تملأ هذا المستقبل، ممثلة في اطفاله، من تسرب من التعليم الى ارغام على الاشتراك في النزاعات المسلحة الى عمالة الى اجبار على ممارسة افعال متوحشة.
علمتنا التجربة انه اذا اردنا القضاء على الفقر فلا بد من الاستثمار في الاطفال، ولا يستثنى من ذلك العالم العربي الذي يصل عدد الاطفال في كثير من دوله الى ما يقرب من نصف عدد السكان بينما ينمو عدد السكان بصورة عامة نموا سريعا. واذا استمرت معدلات الزيادة على ما هي عليه فإنه من المتوقع ان يصل تعداد العالم العربي الذي يبلغ الآن 285 مليون نسمة الى حوالي 650 مليون نسمة بحلول عام 2050، وتصل نسبة من هم دون سن الخامسة عشرة الى 34% من هذا العدد الاجمالي وهي نسبة لا تزيد عليها إلا نسبتهم في الدول الافريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى وهي 42%.
ما معنى هذا؟ يقول التقرير انه يعني انه سيكون على الدول العربية ان تنمو اسرع من المعدل الذي كانت تنمو به من قبل، حتى في سنوات الانتعاش النفطية، وكي يمكنها التعايش مع الأوضاع عندما يكبر هؤلاء الأطفال ويبدأون البحث عن عمل، وبما أن المعرفة ـ اكثر من الموارد الطبيعية او رأس المال ـ هي أساس ثروة الامم، فان الدول العربية عليها الاستثمار في تعليم الأطفال كي يمكنها المنافسة في الاقتصاد الكوني وإذا استمر معدل سرعة النمو، وانماطه الحالية مستقبلا، فمن الممكن أن نتخيل عالما من البطالة الضخمة، واحباط الشباب، والقمع، والفوضى، والعنف.
تحديات كثيرة خاصة بالأطفال يواجهها العالم العربي، يرصدها التقرير، ويحددها: ارتفاع نسبة وفيات الأطفال، انخفاض معدل الالتحاق بالتعليم في الدول ذات الدخل المنخفض، سوء التغذية، عدم كفاية المعلومات والمهارات والتدريب والخدمات اللازمة في مجال صحة اليافعين ومشاركتهم الفعالة في المجتمع، مشكلة البدانة الناشئة، انتهاك حقوق الفتيات في الحياة والصحة والتعليم والنمو، نتيجة لتشويه الأعضاء التناسلية للإناث في أربع دول عربية والزواج المبكر في كل الدول العربية، الأعداد الكبيرة من الأطفال الذي يعيشون في حرمان: عمل الأطفال، والأطفال غير المسجلين في سجلات المواليد والسجل المدني، وأطفال الشوارع، والأحداث، والأطفال المحرومين ممن يقدم لهم الرعاية الأساسية، تأثر الأطفال في نصف الدول العربية تقريبا بالنزاعات المسلحة، ارتفاع نسبة وفيات الأمهات، التهديد الخطير الذي تتعرض له التنمية القومية وحياة الأفراد وصحتهم بسبب مرض الإيدز، إلى جانب الأوبئة التي تهدد بالانتشار في بعض المناطق، واهمال قضية الإعاقة.
* هل سأعيش وانمو؟
* يرجع التقرير وفيات الأطفال دون سن الخامسة في العالم العربي إلى وجود نقص في التغذية والتحصين والمياه والمرافق الصحية، بالإضافة إلى عوامل أخرى، ومعظم الأطفال الذين يموتون دون سن الخامسة من الرضع (أي اصغر من عمر سنة) وحتى إذا بقي الأطفال على قيد الحياة فانهم قد يعانون من نقص النمو نتيجة لسوء التغذية ونقص العناصر المغذية الدقيقة، ليس في الدول العربية ذات الدخل المنخفض وحدها، بل كذلك في الدول ذات الدخل المرتفع وهو ما يؤكد الحاجة إلى قدر اكبر من التغذية واتباع أسلوب الحملات المكثفة مع تعزيز الخدمات الصحية.
وتشير الاحصائيات إلى أن معدلات وفيات الرضع والأطفال دون سن الخامسة انخفضت في معظم الدول العربية على امتداد الثلاثين سنة الماضية، إلا أنها ما زالت مرتفعة جدا في بعض الدول، بل إنها ارتفعت في دولة أو دولتين من الدول العربية (كالعراق) خلال الحقبة الماضية.
ومن بين أمراض الطفولة الشائعة في العالم العربي، ويمكن الوقاية منها الديفتريا، والسعال الديكي، والتيتانوس، والحصبة، وشلل الأطفال والدرن* وقد أظهرت الأبحاث التي أجريت في فلسطين ان 48% من النساء اللائي في سن الانجاب يعانين من الأنيميا، وان معدل استهلاك الفرد للطعام انخفض بنسبة 30% خلال الأعوام الثلاثة الماضية.
* حق التعليم
* مع وجود ما يزيد على سبعة ملايين طفل عربي خارج المدرسة، لا تزال هناك تحديات أساسية، سواء فيما يتعلق بعدد الملتحقين بالمدارس او بنوعية العملية التعليمية. ويورد التقرير انه في المنطقة العربية تقل معدلات الالتحاق بالمدارس عنها في مناطق العالم الإسلامي، إلا ان الاحصائيات تحدث لبسا لأنها ربما تتضمن سنوات متكررة وتستبعد أطفالا لم يتم تسجيلهم عند الولادة، فالأطفال غير المسجلين، ليست لديهم فرصة الحصول على التعليم والخدمات الصحية التي يحصل عليها الأطفال المسجلون، بل انه من الصعب تقدير ان كانت لهم أية فرصة على الاطلاق، وتتكرر دورة الحرمان لدى الأسرة الأمية لأنه يصعب عليها استيفاء المستندات المطلوبة لتسجيل أطفالها* وطبقا للاحصائيات، فان عشر دول عربية، الجزائر، البحرين، ومصر والعراق والأردن وليبيا وفلسطين (قبل الانتفاضة) وسورية وتونس هي فقط التي حققت معدلات صافية للالتحاق بالمدارس الابتدائية تزيد عن 95% في الفترة من 1997 حتى 2000، ويلاحظ تدهور الوضع في العراق منذ عام 2000، وفي الاختبارات الخاصة بمنجزات التعليم في الكثير من الدول العربية يتفوق أداء الفتيات على الفتيان في معرفة القراءة والكتابة والحساب والمهارات الحياتية، والملمح الآخر اللافت للانتباه هو ان الفتيان في كثير من الدول العربية يعيدون بعض الصفوف بشكل يزيد على الفتيات.
ورغم ذلك يورد التقرير ان 20% من الأطفال في سن المدرسة في العالم العربي باستثناء جزر القمر والصومال خارج المدرسة، وتصل نسبة الإناث من بين هؤلاء إلى 58.8% واعلى من النسبة المماثلة في الدول الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء وهي 52.2% وقد أظهرت البيانات ان مصر والعراق والمغرب والسعودية والسودان بها اكبر عدد من الأطفال خارج المدرسة وهي جميعها تزيد على المتوسط الإقليمي.
* سنوات الانتقال
* تظهر بعض الاستطلاعات التي يوردها التقرير أن دفء الروابط الأسرية وأمنها لا يزال ثابتا وقويا في المنطقة العربية، إلا أن بعض المراهقين لا يشعرون بالارتياح لمناقشة التغيرات الجسمية والفسيولوجية التي تحدث لهم مع أبويهم، وفي بعض المجتمعات والدول تواجه المراهقات مشكلات الزواج المبكر والولادة المبكرة، وفي الوقت نفسه تتحرك مجتمعات أخرى نحو صورة جديدة للشباب تتسم بمستويات اعلى من التعليم، الزواج المؤجل وانخفاض معدلات الخصوبة، ومع أن بعض الشباب يتمتع بامكانية غير مسبوقة للحصول على المعلومات والأفكار من مصادر خارجية إلا انهم يعانون من ضعف توفر برامج تعليمية في مجال مهارات الحياة والحياة الأسرية.
ومن القضايا الملحة الأخرى التي تواجه المراهقين: استعمال المخدرات والكحوليات والتدخين. ومن بين هذه القضايا الثلاث يبرز التدخين باعتباره مصدر القلق الرئيسي في هذا الجزء من العالم، وما يجعل هذه المشكلة اكثر تعقيدا هو ضعف التشريع والرخص النسبي لاسعار السجائر، كما يلاحظ تزايد أعداد المراهقين الذين يدخنون الشيشة.
ويقول التقرير ان سن الزواج انخفضت إلى حد كبير في كثير من الدول العربية، فنجد في نصف الدول العربية تقريبا أن السن القانونية للزواج اقل بالنسبة للفتيات عنها بالنسبة للذكور فهي في السودان عشر سنوات للفتيات والفتيان على حد سواء، واظهر مسح الصحة السكانية في مصر عام 2002 أن 6% من الفتيات فيما بين 15 ـ 19 سنة متزوجات وكان اكثر من ثلث عينة المتزوجات لم يلتحقن بالمدرسة أبدا، وكان متوسط الفترة بين زواج الفتاة وأول حمل لها هو أربعة اشهر كما وجدت معدلات عالية جدا لولادة الأطفال ميتين ووفيات الرضع.
* أطفال محاربون
* يتأثر 25 مليون طفل بالحروب والنزاعات المسلحة في المنطقة العربية، هكذا يورد التقرير، مضيفا أن محاصرة أوضاع النزاعات المسلحة للأطفال لها أثرها المدمر عليهم، فالأطفال يقتلون أو يعوقون أو يفقدون أبويهم واخوتهم، ويفضلون من يقدمون لهم الرعاية الأولية ويتعرضون لصدمات عاطفية ونفسية ويفقدون فرصة الحصول على الحقوق الرئيسية الأولية في المأوى والغذاء والتعليم، بل ان بعضهم يصابون أو يقتلون بالألغام الأرضية أو القنابل التي لم تنفجر بعد فترة طويلة من انتهاء النزاع، كذلك قد يرغم الأطفال على الخدمة في القوات الحكومية أو المتمردة ويصبحون معرضين للتهريب والاستغلال الجنسي ومن ثم يواجهون صعوبات بالغة في إعادة اندماجهم في المجتمع.
ومنذ بدء الانتفاضة في سبتمبر 2001 حتى بداية عام 2002، يقدر عدد الأطفال الفلسطينيين القتلى بـ688 اغلبهم من اليافعين، كما أصيب ما يزيد عن 12000. وتشير الاحصاءات في بداية عام 2005 لوفاة 244 امرأة بسبب الأعمال العسكرية الإسرائيلية منذ بدء الانتفاضة وحدوث 65 حالة ولادة عند الحواجز، توفي فيها 38 طفلا. ويقدر عدد الأطفال الذين تم احتجازهم في السجون الإسرائيلية بحوالي 3000 طفل منذ عام 2000، كما أن 22% من الأطفال الفلسطينيين من دون سن الخامسة يعانون من سوء التغذية الحاد، بينما يعاني 16% من فقر الدم (الأنيميا) الحاد وهو ما يمكن أن يؤدي إلى الإعاقة الدائمة للنمو الجسمي والعقلي ويعيش الآن 66% من الأسر الفلسطينية في فقر شديد معتمدين على المعونة الغذائية الدولية.
لماذا يقتل العرب أطفالهم؟ يبدو السؤال مريرا بلا إجابة خاصة مع ما يذكره التقرير من انه في إقليم دارفور غرب السودان تأثر حوالي 26 مليون شخص من آثار النزاعات بينهم 1.8 مليون نازح داخليا و200 ألف عبروا الحدود إلى تشاد، ومن هؤلاء 1.4 مليون طفل من دون سن الثامنة عشرة و600 ألف طفل تحت سن الخامسة.
أما اللاجئون فالتقرير يقول انهم يعيشون وأطفالهم في حالة من الإهمال القانوني، حيث ينضمون إلى الفقراء من سكان المناطق الحضرية في الحصول على الحد الأدنى من الخدمات وفي حالة النزاعات الممتدة، مثل تلك التي يعاني منها الأطفال الفلسطينيون والعراقيون والصوماليون والسودانيون ونشأت أجيال بإكملها وقد توقف نموهم، ويقدر عدد اللاجئين في اليمن بحوالي 60 ألفا بينهم اكثر من 22 ألف طفل معظمهم مشردون بسبب الحروب والنزاعات والكوارث الطبيعية في بلدانهم.
* الحرمان من الحقوق
* لماذا لا يمارس الأطفال العرب حياتهم مثل باقي الأطفال في العالم، لا يبدو السؤال صعبا، فعدم حصول الأطفال على حقوقهم يرجع، حسب التقرير، إلى الحرمان من طفولتهم، فهناك حوالي 13.5 مليون طفل يعملون في العالم العربي، وأكثرهم يعملون في أعمال لا تناسب أعمارهم وتمثل خطرا على صحتهم، كما يعيش الكثيرون منهم في الشوارع بسبب فقر الأسرة وعدم قدرتها علي إعالتهم وعندما يخالف أطفال الشوارع القانون فانهم غالبا ما يواجهون نظاما قانونيا ليس معدا للتعامل معهم.
ويقول التقرير ان الباحثين أجروا مقابلات مع 128 طفلا من الأطفال اللبنانيين العاملين في مزارع التبغ من 25 ألفا يقدر انهم يعملون في هذا المجال، وكانت أكثر مجموعة تتراوح أعمارها بين 12 و15 سنة يعقبها الأطفال من 9 إلى 12 سنة وجميعهم تقريبا عمالة أسرية بدون اجر وبعضهم يدخلون سوق العمل وهم في سن الثالثة* أما في المغرب فقد أظهرت دراسة أجريت على 2.162 طفلا يعملون في 72 مصنعا للسجاد وانهم جميعا من الفتيات اللائى تتراوح أعمارهن بين 5 سنوات و 18 عاما. وكان حوالي 70% منهن لم يذهبن إلى المدرسة مطلقا. اما من ذهبن فقد تسربن بعد سنة واحدة، وكانت أجورهن ما بين دولارين وثلاثة دولارات أميركية شهريا في المتوسط.
بعد كل ما مضى، يصبح الحديث عن أعياد الطفولة، وعن التغني بالطفولة، رفاهية تهكمية، فالأمر يحتاج إلى ابعد من مجرد الغناء أو مجرد حتى ذكر حقائق موجعة.
* عالم عربي جدير بالأطفال، دراسة حول واقع الطفولة في الدول العربية
* إعداد: المكتب الاقليمي لليونيسيف في الشرق الاوسط وشمال افريقيا، بالتعاون مع الامانة العامة للجامعة العربية
* الناشر: دار الشروق بالقاهرة