واضعو خطط التنمية في البلدان العربية لم يسلكوا نهج الوسطية

«حقوق الأسرة وتحرير المرأة» لعبد الهادي بوطالب

TT

المستشار الملكي السابق، الدكتور عبد الهادي بو طالب حاضر طويلاً، وجادل وكتب، مدافعا عن حقوق المرأة المقررة في الشريعة الاسلامية، ولكن حجبتها عن الابصار قرون التخلف الفكري والاجتماعي، التي تميزت بمعاداة التفكير السليم والاجتهاد الناضج، المتأقلم مع تطورات العصر ومستجداته.

واصدر بو طالب اخيرا، مؤلفا صغير الحجم اختار له عنوان: «حقوق الأسرة وتحرير المرأة»، وقسمه الى خمسة فصول هي بالترتيب: الاسرة في الديانات الموحدة، الاسرة في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، حقوق المرأة في الاسلام ومنهجية الاجتهاد، اصلاح تشريع الاسرة في مجالي الحضانة وتحديد سن الزواج، تحرير المرأة في نهاية القرن العشرين ـ الجدال وحتمية التغيير.

وكما هو جلي من استعراض محتويات الكتاب الواقع في 111 صفحة من الحجم المتوسط، فإن محرره عضو اكاديمية المملكة المغربية وصاحب التآليف الادبية والفكرية والسياسية العديدة، ينحو منحى أكاديميا متدرجا في مؤلفه، ليسهل عليه اقناع القارئ بالأفكار التي يعرضها ويدافع عنها بخصوص موضوع حقوق الاسرة وتحرير المرأة الذي تحول الى راهن اجتماعي وسياسي وفكري في المغرب منذ ان فتح ابواب اوراش الاصلاح على مصراعيها.

وبعد ان يتتبع المؤلف تطور مفهوم الاسرة في الديانات التوحيدية الثلاث، يخلص في نهاية الفصل الى ان وضع الاسرة في الاسلام يخضع لتنظيم محكم ودقيق، بدءا من اصول هذه الاحكام التي جاء بها القرآن وبينتها اقوال النبي (ص)، وأعماله، وتقريراته المختصرة في لفظ السنة، الى ما حفل به الفقه من احكام قابلة للمراجعة، باعتبارها اجتهادا بشريا يمكن تغييره وتعديله واكماله باجتهاد مماثل شرط تعرض المجتهدين على قدرة الاجتهاد الذي له ضوابطه واحكامه (ص26/27).

ويلقي المؤلف نظرة على الاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية باحثا عن موقع وصورة الاسرة فيها، ملاحظا ان بعض الدول تحفظت على ما اعتبرته، فيها تناقضا مع معتقداتها الدينية، داعيا (المؤلف) المغاربة الى مراجعة النصوص القانونية المغربية التي تنزل الحيف بالاسرة ومكوناتها لا سيما المرأة، لأن ذلك يتنافى مع ما في الدين الاسلامي من سماحة وتسامح ويسر وتعاشر كريم (ص 39 ـ 40)، ويعتقد، بوطالب، ان النص الجديد لمدونة الاسرة في المغرب حفل بمقتضيات جديدة انصفت الاسرة وردت لها الاعتبار.

وفي الفصل الثالث يناقش المفاهيم الخاطئة عن حقوق المرأة في الاسلام، متعرضا لما يجب ان تبنى عليه منهجية الاجتهاد في هذا الشأن، ليخلص بعد عرض واضح الى ان الدين ليس عدوا ولا خصما في معركة الاصلاح، بشرط الا يطالب الاصلاحيون بتغيير ما ورد في القرآن والسنة والنبوية الثابتة من احكام، علما بأن الاجتهاد يسمح بفهم النصوص فهما جديدا، وبذلك يمكن تجنب الصراع بين الدين واللادين، ليصبح حوارا بين افكار، اي بين الجمود والتقليد، والاصلاح والتجديد (ص 72/71).

ويجمل المؤلف رأيه في هذه المسألة بتأكيد حقيقة بديهية مفادها ان ادماج المرأة في التنمية حق مشروع، فلا طائر يطير بجناح واحد.

ويدعو المؤلف سيرا على نفس النهج الاجتهادي، اثناء مناقشة اشكالية سن الزواج، الى أعمال الفكر والعقل ردا على القائلين بإباحة الزواج في أي سن اذا اتفق الزوجان، ويذكر بمقترحه الداعي الى الاحتكام الى القاضي للموافقة على الزواج دون 18 سنة، اعتمادا على المرجعية الدينية الاسلامية القائمة على المساواة بين الذكور والاناث في الاحكام، إلا ما استثناه الشرع بنص قطعي ثابت.

وأفرد المؤلف الفصل الأخير لمحور تحرير المرأة في نهاية القرن 20 الذي يعتبره قرن التحرير الشامل، علت فيه قوة الدساتير القانونية فوق القوانين العادية، وسمت قوة القانون على تسلط الطغيان والقهر، وعلى حكم الهوى والمزاج (ص 96)، ملاحظا، أنه في القرن الماضي، طرحت مسألة تحرير المرأة على العرب والمسلمين من دون ان ينتهوا الى حسم الموضوع، ما احدث شرخا بين فصائل المجتمع، مشيرا الا ان الجدال بشأن تحرير المرأة يكتسي في الساحة العربية الاسلامية صورة حوار الصم، خاصة عندما يتدخل فيها الفقهاء الذين تختلف بينهم الاجتهادات، متأثرين بالتقاليد التي كرستها المذاهب الفقهية والتي هي من صنع البشر، اضافة الى ادخال عنصر السياسة في هذا النقاش وتسييسه.

وبعد ان يستعرض بو طالب، بإيجاز حالة وأمثلة بعض الدول العربية، يقف عند المغرب، موجها انتقادات الى واضعي خطة ادماج المرأة في التنمية، التي قسمت المجتمع الى معسكرين: مؤيدين ومعارضين، فوقع التخلي عنها، ذلك ان واضعيها لم يسلكوا في نظره نهج «الوسطية» في اصلاح اوضاع المرأة، خاصة ما يتعلق بمراجعة مدونة الاحوال الشخصية، فلو انهم التزموا بتلك الوسطية ازاء احكام المدونة، لما وجد خصوم الخطة منفذا للنيل منها (ص 105).

يختم بو طالب كتابه بالتأكيد على انخراطه في الحداثة المبنية على المعرفة والدراية وأعمال العقل والاجتهاد المتنور، ففي عصر ثورة الاتصال المعلوماتية، اخترق التنظير التحرري الثوري العالمي كل مجتمع ونفذ الى كل بيت، يشد اليه الانسان ذكرا وأنثى، مما لا يسع الباحث في ظاهرة التغيير الا ان يؤكد ان المرأة اصبحت اليوم على اطلاع ووعي بما تنظر لها الثورة التحريرية العالمية من وجوب تغيير وضعها، وضرورة ادماجها في المجتمع بجانب أخيها الرجل (ص 109).

* «حقوق الأسرة وتحرير المرأة»

* المؤلف: عبد الهادي بو طالب

* الناشر: دار الثقافة ـ الدار البيضاء 2005