لايبزغ تقرأ.. بصوت عال

مؤلف «عالم صوفي» يقدم رواية جديدة للأطفال

TT

كان أينشتين يلتقي تلاميذه مرة كل أسبوع في مقره بإحدى ضواحي لايبزج. وكان تقليده عند نهاية كل لفاء أن يعطي كلاً منهم ورقة بيضاء عليها سؤال موحد ويطلب منهم التفكير فيه ثم تدوين الإجابة عليه في الورقة. وفي احد اللقاءات انبرت واحدة من هؤلاء التلاميذ قائلة: «أظن أنك أخطأت يا سيدي هذه المرة، فأنت تكرر علينا اليوم ذات السؤال الذي طرحته في الأسبوع الماضي»! لكن أينشتين بادرها قائلاَ: «بل أنت التي أخطأتِ يا عزيزتي، فالسؤال ـ نعم ـ هو ذاته، وإنما له في لقاء اليوم جواب جديد»! الحكاية رواها فولفجانج تيفنزي عمدة مدينة لايبزج في خطبة ارتجلها في احتفالية افتتاح معرض لايبزج الدولي للكتاب 2005، الذي أقامته هيئة المعارض الدولية هناك أخيراً بالاشتراك مع اتحاد الناشرين وبائعي الكتب الألمان. وقد ساق تيفنزي هذه الحكاية لينفذ منها إلى مغزاها مباشرة قائلاً: يا ابناء لايبزج الأعزاء.. أترانا أقدر على هذه المهمة: الإنتاج الدؤوب لأجوبة جديدة عن أسئلة ما زال العالم يرددها ويعيشها؟

حفل الافتتاح

* أقيمت الاحتفالية في مسرح «جيفاند هاوس» التاريخي، الذي يعد أحد مرتكزات النشاط الموسيقي الرفيع في لايبزج. وهذا هو التقليد السنوي لمعرض لايبزج الدولي للكتاب: أن يقام حفل الافتتاح الرسمي في موقع بارز خارج مقره في مركز المعارض، وقبل فتح أبواب المعرض للجمهور بليلة واحدة*وكان من بين الحضور والمتحدثين الرئيسيين في تلك الأمسية، إلى جانب عمدة لايبزج، كل من ديتر شورمان رئيس اتحاد الناشرين وبائعي الكتب الألمان، البروفيسور جورج ميلبرات الوزير الرئيس في مقاطعة سكسونيا الحرة، د. هانز كوشنيك عمدة مدينة بريمين السابق وغيرهم. وتناثرت بين خطابات المتحدثين فقرتان من التراث الموسيقي الألماني قدمهما أوركسترا جبفاند هاوس بقيادة البروفيسور هربرت بلومشتيد، وهما الحركة الثانية «سكرتسو» من السيمفونية التاسعة لبيتهوفن، والحركتان الثالثة والرابعة من السيمفونية الثالثة «الاسكتلندية» لماندلسون. وكانت «تروكاتا وفوجه» من أعمال يوهان سيباستيان باخ، قد استهلت برنامج الأمسية، حيث قدمها مايكل شونهايت على الأورغن، بينما كانت ترتفع من فوقه لوحة تاريخية ثابتة في أعالي المسرح كتبت عليها بحروف بارزة العبارة القديمة: «السعادة مسألة جادّة».

أرقام ومؤشرات

* اصطفت الطوابير الطويلة كل يوم من الساعة العاشرة صباحاً حتى السادسة مساء. وهذا العدد يتجاوز عدد الزوار في العام الماضي بنسبة قدرها (6%). واللافت في مؤشرات الأرقام أيضاً زيادة عدد الناشرين هذا العام (2142 ناشراً من 31 دولة) عن عدد الناشرين في العام الماضي بنسبة 3%، وزيادة المساحة الكلية للعرض إلى 49 ألف متر مربع، وكانت في العام الماضي 44 ألفا. وقال فولفجانج مارتسين رئيس هيئة المعارض الدولية في لايبزج: «لقد كان المعرض لحظة خاصة انخطفت فيها لايبزج إلى حمّى القراءة». وأضاف: «إن سعادتنا لما جرى في معرض الكتاب والنتائج التي حققها هذا العام ليست لها حدود، فقد تقدمت مسيرته بخطوات ثابتة نحو درجات أعلى، ما جعل الناشرين والجمهور يتطلعون باطمئنان إلى إنجازات أكبر في دورة المعرض في العام المقبل».

وأكد 90% من الناشرين في استطلاع رأي رسمي أن المعرض حقق ما كانوا يتوقعونه. وقالت روث جيجر المتحدثة الصحافية باسم «ديوجينيس للنشر»، إحدى كبريات دور النشر في ألمانيا: «إن التواصل الغزير والفعال الذي تحقق بين المؤلفين في أرجاء المعرض يكسب دورته الحالية أهمية خاصة». واعتبر أوليفر تسيلي مدير معرض لايبزج للكتاب أن التقدم المطّرد الذي أظهرته مسيرة السنوات الخمس الماضية يؤكد أن الاستثمار في الكتاب أصبح استحقاقاً أساسياً. وأضاف: «لقد أصبح من المستحيل تخيل صناعة النشر من دون معرض لايبزج للكتاب».

فعاليات متعانقة

* تربعت أروقة المعرض على الصالات الخمس الكبرى بمركز لايبزج للمعارض الذي يبلغ إجمالي مساحته 102 ألف متر مربع، وهو تحفة معمارية بالغة الروعة في التصميم والتوظيف والديكور وفي قيمة الجداريات والأعمال الفنية المنتشرة في ابهائه وأركانه، وفي ما يتوفر فيه من أحدث تقنيات العالم في مجالات العرض والاتصال. وقامت على تنظيم معرض الكتاب هيئة المعارض الدولية في لايبزج بالتعاون مع اتحاد الناشرين وبائعي الكتب الألمان. واحتضن المركز، إلى جانب معرض الكتاب، ثلاث فعاليات كبرى متوازية ومتعانقة مع الحدث الرئيسي، وهي: المؤتمر الدولي الأول حول برامج الكتابة الإبداعية، الذي نظمه معهد لايبزج الأدبي، ومعرض لايبزج الحادي عشر للكتب القديمة، ومؤتمر لايبزج التربوي.

وتوزعت الكتب المعروضة على مختلف فروع المعرفة من دون استثناء، فضلاً عن «الكتاب المسموع» الذي أطلقته لايبزج للمرة الأولى عام 2000 ومن يومها وهو يستقطب اهتماماً جماهيرياً وتخصصياً متزايداً عاماً بعد عام.

1500 حلقة نقاش

* على أن أكثر ما يميز معرض لايبزج للكتاب منذ 15 عاماً هي فعالية «لايبزج تقرأ»، تلك الفعالية الجوهرية الكبرى التي تلم شتات أبهائه وأجنحته وتحولها إلى خلايا رحبة للقراءة والحوار والتفكير «المسموع» بين المؤلف والقارئ والناشر. إنها مهرجان القراءة الحي والمفتوح، الأكبر من نوعه في أوروبا، والذي تقوم على تنظيمه هيئة لايبزج للمعارض بالمشاركة مع كل من مدينة لايبزج واتحاد الناشرين وبائعي الكتب الألمان ودار الكتب وغيرها.

تحت عنوان «لايبزج تقرأ» نظمت 1500 جلسة قراءة وحوار بين زوار المعرض وحوالي ألف مؤلف وناشر، وذلك في 240 حلقة نقاش مفتوح انتشرت في كافة أرجائه. وكان من بين المتحدثين في هذه الحلقات كتاب مشاهير أمثال كريستوف هاين، توماس بروسيج، هيلموت كاراسيك، وفالتر كمبوفسكي وغيرهم، كما ضمت قائمة المتحدثين عدداً كبيراً من نجوم السياسة والغناء والتمثيل أمثال أوسكار لافونتين، شارل أزنافور، هرمان فان فين وغيرهم، الذين جاؤوا ليقدموا لجمهور المعرض مؤلفاتهم عن سيرهم الذاتية والإبداعية. وفي الإطار ذاته، أفسح برنامج «لايبزج تقرأ» مجالاً لمؤلفين شبّان أو مبتدئين للظهور وتقديم أعمالهم الأولى، ومن هؤلاء روائيون جدد قدموا للقراء بواكير إنتاجهم وقرأوا منها فصولاً أو صفحات، أمثال شوير مان، بيرند لاختنبرج وشونجي ليفيوهان وغيرهم.