رئيس اتحاد الناشرين العرب: معظم الدول العربية تعتبر الرقابة على الكتب من أمور السيادة

إبراهيم المعلم لـ «الشرق الاوسط» :حجم القرصنة في العالم العربي شيء مشين

TT

إلى جانب كونه رئيس مجلس إدارة «دار الشروق»، للنشر، يشغل إبراهيم المعلم منصب رئيس اتحاد الناشرين العرب والمصريين التي فاز بها أخيرا، مجدداً. وفي هذا الحوار الذي اجرته «الشرق الأوسط» معه في القاهرة يتحدث المعلم عن الكثير من القضايا والإشكاليات التي يطرحها عالم النشر في مصر والعالم العربي، ابتداء من حقوق الملكية الفكرية إلى المشاركة العربية في معرض فرانكفورت، والنشر الإلكتروني، وأخيراً الهجوم الذي تعرض له اتحاد الناشرين بعد مشاركته في تنظيم معرض القاهرة للكتاب، كما يتحدث المعلم عن دار الشروق التي يرأس مجلس إدارتها وحقيقة احتكارها لمؤلفات الكاتب محمد حسنين هيكل، وغيره من الكتاب.

* تقف الآن في منحنى زمني خاص، بعد فوزك برئاسة اتحاد الناشرين المصريين مجدداً، كيف ترى ذلك؟

ـ اتحاد الناشرين المصريين أمامه مهام كثيرة جداً، ومن ضمنها أنه يريد تعديل قانون الاتحاد نفسه حتى يتواكب مع التطورات ومع مستجدات العصر، ومع الظروف العالمية، وحركة النشر في مصر والعالم لأن القانون الحالي أعد سنة 65 في ظروف مختلفة عالمياً وتقنياً وسياسياً. ونحن في سبيلنا إلى أن نحول مقرنا الجديد إلى مقر حي ناضج ضاج بالمؤتمرات، كما نسعى لاستكمال الدورات التدريبية للناشرين، كتدريب مهني، للارتقاء بمستويات الناشرين الجدد أو القدامى، وهي الخطوة التي بدأناها أيام معرض فرانكفورت. وقد قابلت وزير التعليم العالي لأننا نبحث أن تكون هناك دراسة أكاديمية إما في معهد مستقل، أو في إحدى الجامعات لدراسة النشر، وأن تكون هناك درجات علمية في النشر. ونحن على اتصال بالجامعات العالمية التي تعمل في هذا المجال لكي نستفيد منها، هناك أيضاً قضايا حرية النشر وحرية التعبير، وحرية تداول الكتب، وهي ما نسعى للتأكيد عليها وموقفنا وموقف الناشرين العرب واضح من هذه النقطة.

* كيف تنظر إلى قضية حرية النشر؟

ـ هذه مشكلة في العالم كله، بدليل أن جارودي قدم للمحاكمة على كتب وصدرت أحكام في ألمانيا وفرنسا، لكن الدستور هنا مختلف عن هناك. ولكن هل إذا كنا نريد أن نطور الدستور نخرج عليه؟ لا بالطبع. ثم اننا في عهد اتحاد الكتاب الجديد قررنا أن نتعاون في هذه المسألة، فنحن مع حرية النشر، وحرية التعبير، وحرية تداول الكتب، واحترام الدساتير، ونحن نريد من هذه الدساتير أن تتطور التطور اللازم. الرقابة الموجودة في العديد من الدول العربية فاتها العصر، فنحن في عصر التدفق المعرفي، والسموات المفتوحة، وعصر الإنترنت، وكل شيء ممنوع مرغوب، لدرجة أن هناك كتاباً يفتعلون المعارك ليقولوا إن كتبهم منعت لكي تشتهر الكتب.

* وبالنسبة لقضية احترام الملكية الفكرية؟

ـ نحن قطعنا شوطات في هذه القضية، والذي أخذ المبادرة في هذه المسألة هو اتحاد الناشرين العرب، والاتحادات المحلية، والمفروض أن اتحاد الكتاب يكون معنا في هذه القضية لأن القضية تهمه.

* يقال إن ثمة مشكلة بين الاتحادين؟

ـ لا توجد أية مشكلة، بالعكس، القضية تهمنا نحن الاثنين.

* لكن لا يوجد أي تنسيق؟

ـ نحن زرناهم من قبل، واتفقنا معهم، لكن كانت هناك مشاكل داخلية عندهم. كانوا مشغولين بالبناء الداخلي، ونحن كنا نطرح قضية عامة. نحن لا نريد معارك، بل نريد أن نحترم حقوق الملكية الفكرية، ونرسخ في ضمير المثقفين والمجتمعات العربية أن هذا حق بالغ الأهمية. إن أي اعتداء على حقوق الملكية الفكرية جريمة تفوق جرائم السرقات العادية، لأنها جريمة كبرى مع سبق الإصرار والترصد، جريمة لا تسرق مادياً فقط، وإنما تسرق روح إنسان وناشر ومبدع وتاريخ وثقافة أيضاً، ويجب أن نتعاون جميعاً للقضاء عليها، كذلك يجب على من يخرج عليها أياً كان أن يأخذ حقه من العقاب، لا أن ننتظر حتى يأتي الأميركان ليقولوا لنا إنه يجب أن نحترم حقوق الملكية الفكرية، شيء مشين أن يكون في العالم العربي هذا الحجم من القرصنة والاعتداء على الكتب.

* حسناً، ماذا فعل اتحاد الناشرين العرب للحد من هذه القرصنة؟

ـ نحن قطعنا خطوات عدة، وعقدنا مؤتمرات للتوعية، بالاشتراك مع وزارات الثقافة العربية. في مصر حضرت السيدة سوزان مبارك، وفي الإمارات حضر وزير الإعلام، وفي لبنان، وتونس، وبدأ هناك نوع من التوعية، واتخذت تشريعات في بعض الدول العربية. واتفقنا مع معارض الكتب العربية أن الأجنحة التي تمارس القرصنة تمنع من الاشتراك، ونغلقها. واستطعنا في مرات سابقة أن نعرف الشحنات المزورة المقبلة من الخارج، وأن نوقفها ونصادرها.

* لكن أمير السحار مدير مكتبة مصر قال لي إن مكتبة الأسرة ـ وهي هيئة حكومية ـ طبعت كتبه بدون أن يعرف؟

ـ ولماذا يوافق على ذلك؟ اتحاد الناشرين اتفق مع مكتبة الأسرة على أن يتصلوا بالناشرين ويستأذنوهم في النشر، وإذا حدث خطأ فعلى الناشر أن يتصل بمكتبة الأسرة أو يشتكي لاتحاد الناشرين. تيسير الكتاب للقارئ بسعر رخيص، يجب أن يترافق مع الحفاظ على حقوق المؤلف والناشر أيضاً، لأنه لا كتاب بدون المؤلف. هناك مثلث أساسي هو المؤلف والناشر والقارئ، يجب أن نحافظ على أضلاعه الثلاثة.

* لكن هذه السرقة الأدبية تتم غالباً بسبب ارتفاع سعر الكتاب، ما الذي يفعله الاتحاد للتغلب على هذا؟

ـ نحن مثل الذي يخبئ الشمس وراء إصبعه، لأن الحل يسير. إذا كانت هناك مشكلة في عدم الشراء فالحل العالمي القديم والحديث هو المكتبات العامة. الذي لا يستطيع أن يشتري كتاباً فليذهب لمكتبة عامة ليقرأه أو ليستعيره. هناك فرق بين الاطلاع والاقتناء والاستعارة، ومعظم كبار الكتاب كانوا يعتمدون على المكتبات العامة، لأنه لا يوجد إنسان يقتني كل الكتب، وكل حكومات العالم عليها مسؤولية توفير مكتبات عامة، حديثة بأمناء لديهم من المعرفة والعلم والموضوعية ما يمكنهم من اقتناء الكتب الجيدة الجديدة وعرضها عرضاً جيداً، بحيث تجذب القارئ. وهذه المكتبات لها وظيفة أخرى مهمة بح صوتنا من تكرارها، هي ترشيد حركة المجتمع في التأليف والنشر والتجويد بدون رقابة، إضافة إلى أنها ضمانة اقتصادية، كحد أدنى، للمؤلفين والناشرين والمبدعين.

وعموماً فالكتاب في العالم العربي أرخص من نظيره في العالم، وهو في مصر أرخص من العالم العربي، ونسبة الغلاء في سعر الكتاب أقل من نسبة الغلاء في سعر الطعام أو الملابس، أو السجائر، وتذاكر السينما والمسرح، ومكتبة الأسرة تطبع كتباً رخيصة لكنها لم تلق الرواج المطلوب.

* لأن المشكلة مشكلة قراءة بالأساس؟

ـ نعم، ومشكلة مناهج دراسية، ومشكلة كتاب مدرسي، ومشكلة وسائل تعليم. فالكتاب المدرسي في السنوات الأولى هو وسيلة لتعذيب الطالب وإرهاقه بالملل والتطويل، وبالإخراج الذي لا علاقة له بالعصر. ووزارات التعليم العربية وموظفوها أصبحوا هم المؤلفون والمبدعون، بينما الكتب المدرسية في العالم هي منافسة لكي يحشدوا طاقات الأمة من مؤلفين إلى ناشرين إلى شعراء، ورجال تربية وتعليم، لكي يخرج الأجمل والأحسن والأفضل.

* عشر سنوات مرت من عمر اتحاد الناشرين العرب منذ إنشائه، ما الذي لم يستطع أن يقدمه خلال هذه السنوات؟

ـ اتحاد الناشرين الدولي يجتمع منذ سنة 1896، فنحن بالنسبة له نحبو، ومؤتمره العام الذي يعقد كل أربع سنوات، لأول مرة يشترك فيه ناشر عربي كنت أنا سنة 2000، الآن نحن ندخل الساحات الدولية، ونحن أعضاء في مجلس اتحاد الناشرين الدولي، وضيوف شرف معرض فرانكفورت، ونجحنا نجاحاً عظيماً في فرانكفورت، ورئيسه قال إن هذه أنجح مشاركة لضيف شرف في الـ 30 عاماً الماضية. ووسائل الإعلام هناك قالت إن أكثر ضيف شرف غير الرأي العام وأثر فيه هو العالم العربي، وعدد المقالات التي كتبت في ألمانيا وحدها عن المشاركة العربية وعن الكتب التي عرضت في المعرض كانت أكثر من 4 آلاف مقالة.

* هل هذا يعني أن الناشرين نجحوا في فرانكفورت فيما فشل المثقفون؟

ـ هو معرض أساساً للناشرين ونحن لم نفشل. فلو أن هناك معرضاً للأطباء يجب ألا يشتكي علماء الجغرافيا من عدم الاهتمام بهم إذا ذهبوا، وقيمة المعرض أنه أكبر حدث دولي سنوي للناشرين، ومدته 4 أيام، ولا جمهور، فنحن لا نذهب كي نخطب، والندوات المتخصصة هناك يحضرها على الأكثر 40 أو 50 ناشراً، لأن الجميع من المتخصصين، وجامعة الدول ووزارات الثقافة وافقوا أن يكون اتحاد الناشرين العرب هو من يختار الكتب، واخترنا 10 آلاف كتاب من العالم العربي بحرية وديمقراطية ولم نستبعد إلا الكتب المترجمة عن اللغات الأجنبية. وذهلت وسائل الإعلام الأجنبية عندما فوجئت بكم الكتب. كان هناك 200 ناشر من الدول العربية، وحتى الدولتان اللتان قاطعتا شاركتا بكتب. نحن لم نذهب للدفاع عن حكوماتنا أو سياساتنا، لم نذهب إلى محكمة العدل الدولية، ولا الأمم المتحدة، بل ذهبنا لنعرض ثقافتنا. نحن بدأنا بداية صحيحة ومشرفة، ومؤثرة، لكنها ليست نهاية المطاف، يجب أن نستمر فيها، يجب على الجامعة العربية واتحاد الناشرين أن يستعدا من الآن لمعرض فرانكفورت سنة 2005، لا ان يظلا صامتين حتى يبنيا على ما حدث.

* شارك اتحاد الناشرين المصريين هذا العام في التحضير لمعرض القاهرة الدولي للكتاب وهوجم بشدة، لماذا في رأيك؟

ـ قبل المعرض بشهر كون وزير الثقافة لجنة عليا للمعرض من 9 أفراد وكان منها ناشران (أنا ومحمد رشاد)، وهذا يعني ان هذه الفترة غير كافية، وبصمات وأعمال اللجنة ستظهر في المعرض المقبل.

* لكن البعض اتهم الاتحاد بأنه يسعى لأن يكون المعرض لبيع الكتب فقط بلا نشاط ثقافي؟

ـ المعرض أساسه الكتب، فيجب ألا نقلل من شأن الكتب ولا من شأن بيع الكتب، ونجاح المعرض هو أن تباع الكتب وتصل إلى الناس. وبيع الكتب ليست عملية حقيرة، وإلا فليتوقف المؤلفون عن التأليف. يجب ألا نضحك على أنفسنا. إذا لم تبع الكتب فهناك فشل، فشل في المنظومة كلها. وفي سبيل هذا نحن نعقد الندوات ونعقد احتفالات تصب كلها في هذا الغرض.، هو معرض أساساً للكتب، وليس معرضا للرقص أو لبيع الملابس والأحذية والباعة الجائلين. اتحاد الناشرين مع الندوات، ومصر عليها، لكن يجب ترشيد هذه الندوات. نحن نريد ندوات على أعلى مستوى من العمق والتميز والتجديد ونريد ندوات تمثل فيها مصر والحرية والمعرفة، والديمقراطية أجمل تمثيل، ويوجد فيها كل رموز الفكر والتنوير في مصر والعالم العربي. لا نريد ندوات يكون فيها عدد الذين يتكلمون أكبر من عدد الحاضرين، لا نريد ندوات تنافق وزراء لا علاقة لهم بالموضوع، ويأتي موظفو الوزارة ليجلسوا في القاعة لملئها.

* عندما يسمع رئيس اتحاد الناشرين العرب أن هناك كتاباً قد صودر ماذا يفعل، وما الخطوة التي يتخذها؟

ـ نحزن (!)

* وبخلاف الحزن، ماذا تفعل؟

ـ نحاول في كل الاجتماعات مع وزراء الثقافة العرب أن نثير قضية الرقابة، ومعظم الدول العربية تعتبر الرقابة من أمور السيادة والأمن القومي وغير مطروحة للنقاش. وللأسف، الصحافة مهتمة اهتماماً جزئياً بهذا الأمر لأنها تركز على أشياء وتترك أشياء، بمعنى أنه يجب أن تكون ضد المصادرة عموماً لا أن تحزن لمصادرة نوع من الكتب، ولا تهتم بمصادرة نوع آخر. نحن الآن نبحث في اتحاد الناشرين العرب في إعداد قائمة فيها أسماء كل الكتب الممنوعة في العالم العربي.

* حتى يسمح بها أم ماذا؟

ـ على الأقل سنقول للناس إن هذه هي الكتب الممنوعة، هذه ليست قضية الناشرين فحسب، بل هي قضية المثقفين والصحافيين والسياسيين، وفي نفس الوقت هناك أناس تفتعل للمصادرة للأسف.

* هناك بعض الكتب السرية، وبعض دور النشر السرية التي نفاجأ بأسمائها، ماذا يفعل الاتحاد بصددها؟

ـ نحن لسنا سلطة قضائية ولا سلطة ضبط، وليست وظيفتنا المصادرة. هناك أجهزة مختصة بذلك. قانون الاتحاد الحالي يقول إن من حق المؤلف أن يطبع كتابه وينشره، إذا كانت هناك دار نشر غير مسجلة في اتحاد الناشرين وتصدر كتابا، فلا بد أن تصادر هذه الكتب. هذا هو القانون، لكن هناك دور نشر لا تريد أن تنضم إلى الاتحاد، وأنا ليست وظيفتي أن أعمل مخبراً لدى الشرطة.

* انتقل إلى دار الشروق التي ترأس مجلس إدارتها، هذه الدار متميزة جداً في مجال النشر للأطفال، وحصلت على عدد كبير من الجوائز في هذا المجال. كيف تقيم هذه التجربة؟

ـ نحن نفتخر جداً لما قدمناه، ونقدمه للأطفال، ونركز كثيراً على هذه النوعية لأن الأطفال هم أمل المستقبل، ونأمل عن طريق الأطفال أن نكتسب القارئ الجاد والمتميز. نحن مؤمنون أن الثقافة العربية لا تقل مستوى عن ثقافة العالم، لذا يجب أن نبذل أقصى جهدنا لكي تبدو كتب الطفل في أعلى مستوى كي تحبب الطفل في القراءة وتزيد من علومه ومعارفه بطريقة غير مباشرة راقية محببة، وليس عن طريق الوعظ والإرشاد، ونحن نفخر أننا كسبنا عشر جوائز دولية في هذا المجال غير الجوائز المصرية.

* ماذا عما يثار عن احتكار الشروق لكتب محمد حسنين هيكل؟

ـ الشيء الطبيعي في العالم كله أن الكاتب يختار داراً واحدة لنشر أعماله حتى تصبح كل كتبه موجودة، ويتم التركيز على تسويقها.

* إذن لا تحتكرونه؟

ـ نحن لا نحتكره. نحن ناشرو هيكل، وناشرو عدد متميز من كبار الكتاب أيضاً مثل زكي نجيب محمود، والقرضاوي، وإبراهيم أصلان، وأنيس منصور، وصلاح عبد الصبور، وتوفيق الحكيم، وجمال الغيطاني، ويوسف القعيد.

* لي سؤال هنا، هو أن الشروق لا تنشر إلا لكبار الكتاب فقط؟ هل هو لعب في المضمون؟

ـ نحن عندما ننشر للكتاب الشباب لا ينتبه الناس إليهم بقدر انتباههم لكبار الكتاب ونشرنا لكتاب شباب كثيرين.

* النشر الإلكتروني ما أثره على النشر الورقي في اعتقادك؟

ـ النشر الإلكتروني لم يستقر في العالم كله، وللأسف بعض الوزراء كعادتهم في إصدار التصريحات والأكليشيهات قالوا إننا عملنا كتباً إلكترونية، كيف وهذا الكتاب لم ينجح في العالم كله.

* وبيع الكتب على الإنترنت؟

ـ هناك مشروع يسعى فيه اتحاد الناشرين الآن مع وزارة الاتصالات وسوف نعلن عنه قريباً، ونرجو أن ننجح فيه.