أين يقف بوش في سلم الرؤساء الأميركيين؟

تطور الرئاسة الأميركية في القرن العشرين

TT

بدا واضحاً ان الانتخابات الأميركية الأخيرة قد سيطرت على جميع وسائل الاعلام العالمي، ونُظر إلى نتيجتها كحدث عالمي، مسببة الخشية والحذر بين صفوف المثقفين، والقناعة والارتياح لدى صانعي الثروات وكانت في الواقع الانتخابات الوحيدة في العالم التي أثارت قدراً كبيراً من الاهتمام وعلى جميع المستويات. كتاب البروفيسور ستيفن غروبارد «الرؤساء: انتقال الرئاسة الأميركية من تيودور روزفلت وحتى جورج دبليو بوش» يسجل تطور الرئاسة الأميركية في القرن العشرين، ابتداء من تيودور روزفلت الذي احتل المكتب البيضاوي بين عام 1951 و 1959 وحتى جورج دبليو بوش من عام 2001 وحتى الآن.

وطروحات الكاتب ربما تشابه تلك التي اشار إليها الأميركي جون داننغ عام 1780 والتي يهاجم بها جورج الثالث » ان سلطات الرئاسة قد ازدادت الى حد يستوجب كبح جماحها» ويرى غروبارد باعتباره مؤرخاً ان نوعية الرجال المنتخبين للرئاسة قد انخفضت بشكل ملحوظاً خلال المائة عام المنصرمة.

ومع ان رئيس الولايات المتحدة الأميركية يتمتع بحق الفيتو على الهيئة التشريعية ويمتلك سلطات واسعة وفعالة فإنه يمارس في الواقع سلطة حقيقية أكثر قوة من اغلب ما يطلق عليهم «الاساقفة الروحيون» الذين يحكمون أوروبا.

سلطات الرئيس هذه كانت من عمل الكساندر هاملتون (1757 ـ 1804) وهو رجل دولة أميركي كان يدين بمركزية السلطة وكان قادراً على تثبيت نموذجه للرئيس من خلال تقليد دستوري لأن النواب كانوا يعرفون أن جورج واشنطن سيكون أول من سيمسك بهذه السلطات وقد وثقوا بشكل مطلق بأنه سوف لن يُسيئ إليهم ومع ذلك فقد وجهت الكثير من الانتقادات الى واشنطن وادارته بسبب اسلوب حكمه المطلق، واسرافه العسكري المدمر الذي سحق من المعارضين للضريبة. وكلا الرئيسين: اندرو جاكسون في ثلاثينات القرن التاسع عشر ولنكولن في الستينات منه قد استخدما السلطات الرئاسية بشكل واسع: ان تجنب الاستغلال الاستبدادي للدستور كان دائماً يعتمد على الدوران الجيد للرئيس ويقظة رجال الكونجرس.

ومن استعراضه الببليوغرافي يصنف الكاتب غروبارد الرؤساء الأميركيين كالتالي: روزفلت الأول (تيودور روزفلت) وروزفلت الثاني (ف. د. روزفلت) في المقدمة ثم ولسون كرئيس وقت السلم وترومان ثم مجموعة من الدرجة المتوسطة من ضمنهم جونسون، نكسون وريغان مع ايزنهاور، هوفر، تافت وبوش الأول والثاني وكندي وجميعهم مصنفون في الاسفل ثم هاردينغ، فورد، كارتر وكلينتون ينحدرون الى القاع.

كتاب غروبارد يذكر ببعض الملاحظات العامة حول الرئاسة الأميركية، خاصة نجاح الحزب الجمهوري الكبير في دعم مرشحيهم واحرازهم الفوز في الانتخابات. وخلال الفترة الممتدة بين روزفلت وجورج دبليو، بوش، كان تسعة من الرؤساء جمهوريين وسبعة ديمقراطيين.

واذا كان الرئيس ف. د. روزفلت قد اعتمد على التعديلات الدستورية التي تحضر الآن أي شخص ان يتولى الرئاسة لأكثر من مرتين فإنه يبدو محتملاً ان الديمقراطيين قد تولوا الرئاسة اقل من ثلث هذه الفترة الزمنية، وهذا ما يُسجل لجهود ومهارات الجمهوريين اعجاباً غير اعتيادي مع العلم ان الديمقراطيين كانوا دائماً ميالين الى الجمهور ويحتكمون إليه.

ان جزءاً كبيراً من أسباب نجاح الجمهوريين هذا هو انهم كانوا الأفضل في جذب الناخبين، فيما الديمقراطيون، وكقاعدة، مهدوا الطريق الى الحقوق المدنية. وبسبب ضمان الحقوق المدنية في اميركا خلال القرن العشرين فقد أصبح بمقدور الجمهوريين سرقة الديمقراطيين مناطق الجنوب الذي كان حكراً على الديمقراطيين حتى إلى وقت قريب ولكن في عام 2004 ولأول مرة اصبحت كل الولايات الجنوبية تصوت للجمهوريين.

ان نتائج انتخابات عام 2004 تظهر ايضاً ان الجمهوريين قد توغلوا خلال الجماعات التي كان يسيطر عليها الديمقراطيون مثل الأميركيين اللاتينيين والكاثوليك وحتى السود. ومن الحقائق الملفتة ان كلا الرئيسين بوش الاب وبوش الابن، وخاصة الابن قد ضم اثنين من السود الى ادارته: وزير الخارجية السابق كولن باول وغندوليزا رايس، مستشارة الأمن القومي سابقاً ووزيرة الخارجية حالياً. وهذا ما يجعل في الواقع، الادارة الاميركية في وضعها الحالي الآن: من اكثر الادارات في التاريخ الاميركي التي تتمثل فيها التركيبة العنصرية والاجتماعية لمجموع الأمة الاميركية. وفي هذا الجانب يمكن القول ان اميركا قد وضعت دول اوروبا خلفها بمسافة بعيدة جداً.