محمد سبيلا: الحداثة تتقدم وتفرض نفسها

خصومها ينتقدونها من باب التشفي وإرضاء الذات

TT

في إطار تطوير دورها التنويري والأكاديمي كمؤسسة تعنى بالدراسات الفقهية الإسلامية التقليدية، استضافت دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية في الرباط أخيرا، الدكتور محمد سبيلا، الكاتب المغربي وأستاذ الفلسفة بجامعة محمد الخامس في الرباط، الذي ألقى محاضرة حول موضوع (الثقافة الإسلامية وتحديات الحداثة) أثارت جدلا وحوارا ساخنا بين المحاضر ومجموعة من الباحثين والدارسين بالمؤسسة التي لم تعتد أن تثار في رحابها أفكار تدافع عن الحداثة وتحمل النخب السياسية والدينية وخاصة المتطرفة منها في العالم العربي مسؤولية عدم إدراك بعدها الحضاري والتنموي المتجدد.

قال سبيلا في مستهل محاضرته ان الحيوية بدأت تدب في عصر النهضة في أوروبا فأصبحت مركزا للعالم في التحديث والإشعاع الحضاري، وبالتالي أصبحت مصدر تحد لكل الثقافات الأخرى المعروفة ومن ضمنها الثقافة العربية والإسلامية التي بدأت حيويتها في الضمور والتراجع منذ القرن العاشر الميلادي، فقد أصبح هذا التحدي اكثر حدة عندما بدأت أوروبا في الانتشار والتوسع بحثا عن موارد وأسواق، فتحولت إلى قوة عسكرية واحتلال تفرض نموذجها الحضاري بقوة السلاح لتحدث قطيعة بين الاستعمار والتحديث، مما جعل كل الثقافات التقليدية ـ بدرجات متفاوتة ـ تعاني من هذه الحداثة الوافدة.

ومضى سبيلا قائلا: مع نهاية القرن الماضي، بدأت تظهر في المجتمعات الإسلامية مواقف متطرفة اعتبرت كل مظاهر الحياة الحديثة، مظاهر انحلال وأصحابها مارقين. فرفض هذا الفكر كل أشكال التحديث والحداثة في مستوياتها السياسية والثقافية. فهذه البنية الفكرية التي عمت العالم العربي والإسلامي بدرجات متفاوتة جاءت نتيجة لعدم مراعاة تسلسل الأزمنة، والخلط بين الداخلي والخارجي، والانتقال من الرفض الجزئي إلى الرفض الكلي انطلاقا من واقعة معينة. وأدى هذا إلى التأثير على منطق التفكير والحوار وأدلجة التراث وتحويله إلى أيديولوجية سياسية انتشرت في شكل خطاب الترهيب والتخويف والتشدد، بالرغم من أن الإسلام في حد ذاته كعقيدة ليس معاد، بطبيعته للحداثة، فقد أثبت الإسلام قدرته عبر التاريخ على التعامل مع مختلف الحضارات والثقافات، ولكن المشكلة اليوم تتجسد في حاملي الفكر الجامد من النخب الثقافية والسياسية التي تنتج السياسات الدوغمائية التي رسمتها بتواطؤ مع السلطات السياسية. وما زالت الشعوب العربية والإسلامية لم تبلور بعد وعيا كاملا وشموليا في نظرتها للتخلف حيث هناك إنكار بأنها غير متخلفة.

وفي ردوده على بعض المنتقدين لفكر الحداثة وأنها قد تجاوزتها المرحلة ووجوب البحث عن ما بعدها، قال سبيلا، ان مثل هذه الأفكار غير دقيقة لأن فيها نوعا من شفاء الغليل والتمويه على الذات وتبريرا للعجز والتخلف، لأن الحداثة لم تفشل، فلها مظاهرها الإيجابية رغم ما يصحبها من مظاهر سلبية كاستعمال العنف لإيصال هذا الحداثة. وهي اليوم في الغرب في أوج قوتها وتتصاعد بوتيرة أكبر وأعمق، لأن الحداثة لم يكن لها نموذج قبلي وسابق، ولم تقم على فكرة تقديس ذاتها، بل تقوم على فكرة النقد المستمر كمبدأ أساسي. وبالتالي لا يجب النظر للحداثة كملاك طاهر وأخلاقي، فهي تنطلق من مبدأ (عندما أمتلك معرفة أمتلك السلطة) وهي بذلك تمارس قوتها وجبروتها ليس على الشعوب المتخلفة والنامية فقط، بل أيضا على الشعوب الأوروبية والمتقدمة، وهي نتيجة طبيعية للمعرفة وسطوتها.