تجديد الدرس الأدبي في ضوء تحولات مفهوم الأدب

المغاربة ينشطون في مجال التأليف المدرسي

TT

يعتبر المغرب اليوم من بين أكثر البلدان العربية إنتاجا في مجال المؤلفات ذات الطبيعة التربوية الموازية للعملية التعليمية والتربوية. وخير دليل على ذلك عدد الإصدارات المتوفرة إلى حد الآن في هذا المجال، عدا ما تعرفه تلك المؤلفات من انتشار وذيوع وترحيب واسع بها في معارض الكتاب داخل المغرب وخارجه، الأمر الذي جعل بعض دور النشر المغربية تخصص جانبا أساسيا من منشوراتها لهذا الصنف من البحث والتأليف، وعلى رأسها مؤسسة دار الثقافة للنشر والتوزيع بالدار البيضاء، التي بلغ عدد إصداراتها في إطار «السلسلة التربوية» ما مجموعه، إلى حد الآن، أربعة وعشرين كتابا، لباحثين ومؤلفين مغاربة، ممن يعرفون اليوم بانشغالهم بالبحث والتأليف الموازي للدرس التربوي، في بعض التخصصات والمجالات الأساسية، كالمدرسة ومناهج التدريس وتدريس الأدب وتدريس النص الفلسفي والاجتماعيات وتدريس القراءة وديداكتيك اللغة والدرس اللغوي والتربية البيئية والتربية الإسلامية والعلوم الطبيعية. ومن بين هؤلاء المؤلفين، ممن يعرفون اليوم بالبحث في هذا المجال، نذكر كلا من: محمد بوبكري وعبد المجيد الانتصار وأحمد فرشوخ ومحمد الداهي وعلي أيت أوشن وأحمد العمراوي وخالد القاسمي البقالي ومحمد مكسي ومحمد محمود والمصطفى ميلود وحميد جبري ومحمد بن علي، وغيرهم، بل إن منهم من صدرت له أكثر من طبعة واحدة لكتابه، بالنظر لطبيعة الرؤية الجديدة للفعل التربوي التي يكشف عنه هذا الكتاب أو ذاك، وأيضا اعتبارا لطبيعة القضايا التي تتناولها هذه الكتب، من حيث اهتمامها بتحديث العملية التعليمية، وتحديدا منطلق بحثها، في نفس الآن، فيما هو ديداكتيكي وفيما هو بيداغوجي، الأمر الذي جعل هذه الكتابات تسد فراغا ملحوظا في هذا الباب.

ومن بين الباحثين المغاربة المنشغلين بمجال التأليف المدرسي، ممارسة وبحثا وتأليفا، نتوقف عند تجربة الباحث المغربي أحمد فرشوخ في كتابه الجديد، الصادر في طبعته الأولى، بعنوان «تجديد درس الأدب»، عن دار الثقافة، الدار البيضاء 2005 .

وأهمية هذا الكتاب الجديد تكمن بالدرجة الأولى في كونه ثمرة أبحاث ومداخلات سبق للباحث أن ساهم بها في بعض الملتقيات وأوراش التكوين الموازية، بما يعني كذلك أن الأبحاث ذات طبيعة متخصصة. كما تكمن أهمية الكتاب أيضا في كونه يشكل إضافة نوعية للكتب الصادرة حول «ديداكتيك الآداب» بشكل عام، عدا كونه يبحث في موضوع حيوي هو «تدريس الأدب»، بما يوازيه من اهتمام بالبحث عن صياغة بعض الإجابات الممكنة لبعض الأسئلة الأساسية، من قبيل: كيف يمكن لمدرس الأدب أن ينفتح على مختلف المناهج النقدية؟ وما سبيل تطويره لممارسته التعليمية في ضوء التحولات الجديدة والعميقة لمفهوم الأدب ذاته؟ وكيف له أن يستثمر المراجعات الدقيقة للنظريات المعاصرة بشأن كثير من أنماط التفكير الأدبي التي غدت متجاوزة أو ناقصة أو خاطئة؟ بل، ولم لا يستفيد من التصورات البيداغوجية لكثير من النقاد والمنظرين الذين فكروا في منظورات تربوية موازية لعملهم النقدي؟ أيكون تدريس الأدب قادرا على الجمع بين الهدف التربوي والخصوصية الأدبية؟ هل يستطيع منح حياة جديدة للنص الأدبي ولو ضمن الإطار المدرسي؟ وكيف له أن يعلم «الوعي النقدي» المشتق من مختلف النظريات والمناهج المتنافسة؟ وكلها أسئلة يحاول هذا الكتاب إيجاد أجوبة لها من منطلق مقاربة قرائية تسعى للبحث عن مواقع الالتقاء بين الأدبي والتربوي، على حد تعبير المؤلف.

من ثم، يسعى هذا الكتاب، على حد تعبير مؤلفه في التقديم، إلى تجديد النظر تجاه إشكال تدريس الأدب الذي ما زال في حاجة إلى المزيد من البحث النظري والتطبيقي، قصد تقليص الفجوة الموجودة راهنا بينه وبين النقد، وذلك بالرغم من التراكم النسبي للدراسات التي حاولت تشييد بيداغوجيا للخطاب الأدبي، حيث ظل تدريس الأدب يجترح الإشكاليات النظرية، والمآزق المنهجية باستمرار، كما أن المناظرات وحلقات البحث تكاد تعترف جميعها بمشكل تدريس الأدب.

يحاول الكتاب مقاربة أهمية قراءة المتعلم للنصوص الأدبية، بالنظر إلى كونها تساعده على تشخيص الجدلية الاجتماعية، ومن ثم إدراك صورته في واقع الحياة اليومية، فضلا عن الإسهام في تشكيل البنى الأسطورية، بحيث تتحول النصوص الأدبية بفعل قوتها المعرفية وسلطتها التخييلية إلى سنن ثقافية تفسر بعضا من علامات الحياة، ومن ثم استرشاد المتعلم بها قصد تعديل سلوكه وتصويب مواقفه بشكل يحول المتخيل الأدبي إلى واقع محسوس يرشح بصور الحقيقة الاجتماعية.

ومن جهة أخرى يحدد المؤلف بعض الإفادات الأخرى التي يحققها تدريس الأدب كتفتيح القراءات الإبداعية لدى التلميذ من خلال تحريك خياله وحفزه على تشغيل ذكائه وحساسيته وحدسه وذاكرته لأجل توليد دلالات النصوص وخبراتها، بالمعنى الذي يجعله أمام احتمالات حياة وتأويل متعددة تدعوه لممارسة الاختيار.

ويثير المؤلف، في هذا الكتاب، مجموعة من الاقتراحات النظرية والافتراضات العامة، التي من شأن تشغيلها وتفعيلها أن يساهم في تخليق وعي قرائي جديد، يعيد لذات التلميذ القارئة تشكيل خبرتها بالحياة من خلال خبرات جديدة، من ذلك:

* استثمار المناهج النقدية الحديثة في سياق فهم دقيق، يميز بين المعرفة العالمة والمعرفة التعليمية..

* إعادة صياغة تمثل المتعلمين لمفهوم الأدب..

* التفكير في الضوابط البيداغوجية الكفيلة بترهين النصوص الأدبية وتأويلها بمنظور يمنحها سمة الحياة.

* إمكانية إعادة الصوغ اللغوي للنصوص المنولوغية، بشكل يساعد على القراءة المسرحية، والتفكير البصري فيها..

* الإفادة من المعارف المعطاة حول بنيات التلقي، وبالتالي حول استراتيجيات التعليم والتعلم.

ويشخص هذه الافتراضات والتصورات وفق مقاصد وأهداف تشمل الكفايات التواصلية والمنهجية والثقافية، والقيم والمواقف الوجدانية، مقترحا، في الآن ذاته، نموذجا لقراءة جديدة وفق نماذج من القراءات حددها المؤلف فيما يلي: القراءة التمهيدية والقراءة الاستكشافية والقراءة الاسترجاعية والقراءة التحويلية..

أما في بحثه المتعلق بالنص الأدبي وأسئلة الإقراء، فيستهله الباحث بالتأكيد على ما يتسم به الموضوع المطروح من قيمة كبرى، بالنظر لندرة الأبحاث السوسيولوجية التي اشتغلت على ظاهرة القراءة في المجتمع المغربي تحديدا من جهة رصد تكونها التاريخي ومعرفة تحولاتها وانقطاعاتها، فضلا عن معرفة أحوال القراء وعاداتهم وحوافز وموانع قراءاتهم، وكذا مقاربة مختلف مسلكيات الدورة الطبيعية للمعرفة. وأهمية هذا المبحث تكمن في كونه يتجاوز تلك الأبحاث التي ترجع انحسار فعل القراءة إلى الأزمات الاقتصادية والاجتماعية، غافلة بذلك عناصر أخرى على جانب كبير من الأهمية، تتمثل في العوامل النفسية والتربوية* من هذا المنطلق تأتي، في نظر الباحث، أهمية تعليم القراءة في المدرسة المغربية، وترسيخ الوعي القرائي لدى التلاميذ، أمام ما يجابه هذه الوضعية من قلق وعوائق بيداغوجية تمنع التلاميذ من الفهم الصحيح لبعض الإنجازات التعليمية.

جانب أساسي آخر عمل هذا الكتاب على مقاربته، هو ذاك المتعلق بنقل المعرفة النقدية والمنهجية إلى المجال التعليمي، أمام ما يعرفه هذا المجال من التباس بين المصطلح والمفهوم، فضلا عن التعدد الدلالي لكثير من المصطلحات التي تصب أحيانا حد التعارض والتناقض. من ثم، يقترح الباحث لمعالجة هذا الموضوع الاستناد إلى ثلاثة أقطاب تمفصل العملية التعليمية: التلميذ والمعرفة والمدرس.

أما مبحثه المتعلق بمسألة التجنيس في دراسة الرواية، فيعتبر من بين أهم المباحث التي تشغل المدرس والتلميذ على حد سواء، بالنظر لما تطرحه النصوص المقررة، في هذا الإطار، من أسئلة مرتبطة بمشكل التصنيف أساسا: لعبة النسيان وأوراق وقنديل أم هاشم والريح الشتوية. كذلك هو الشأن بالنسبة للمبحث المتعلق بتدريس السرد (الرواية والقصة تحديدا)، اعتبارا للأهمية التي يكتسيها تدريس الرواية والقصة القصيرة كشكلين سرديين يستجيبان لحاجات المتعلم الاجتماعية والنفسية.