«التأميم التام» للطفولة في العهد النازي

الأطفال الشهود الصامتون على الحرب العالمية الثانية

TT

صدرت مئات الكتب حول الحرب العالمية الثانية التي تناولت جميع جوانبها المختلفة، إلاّ ان احداً لم يحاول التطرق الى موضوع الأطفال ويسجل مآسيهم اثناء تلك الحرب وتحت ظل الحكم النازي إلى الآن ، ولعل سبب ذلك يمكن ان يكون مفهوماً بعض الشيء إذا ما علمنا ان اغلب أولئك الأطفال قد اختفوا بدون اثر اما بالنسبة للذين حالفهم الحظ وبقوا على قيد الحياة، فإن أغلبهم لا يود استعادة ذكرى تلك الاحداث المؤلمة.. ولكن في وقت لاحق استطاع بعضهم ان يتغلب على مشاعره وان يكسر الصمت ويسجل ذكرياته ومشاهده. وفي كتابه «شهود الحرب، حياة الأطفال تحت الحكم النازي» يدون الكاتب نيكولاس ستار غارد تلك الشهادات والمشاهد المروعة، حيث يتذكر، مثلاً، احد اعضاء شبيبة هتلر السابقين، حينما كان في الخامسة عشرة من عمره، وكيف ساهم في اعدام مئتي امرأة في احدى المناطق الساحلية ـ شرق بروسيا عام 1945 . ويروي صبي جيكي آخر، كان يعمل في كتيبة المانية تصدر احكام الموت في احد معسكرات بولندا، كيف كان يسوق السجناء الى غرف الغاز.

بطبيعة الحال ان موضوع الاطفال في الحرب العالمية الثانية موضوع ليس صغيراً أو محدداً، ولتنظيم هذه الدراسة ووضع منهج لها عمد المؤلف الى الاستفادة القصوى من الرسائل واليوميات والرسومات والشهادات ليزود قارئه بروايات فريدة في نوعها عن سرقة الأطفال من عوائلهم، وعن حياتهم في معسكرات الاعتقال وفي الملاجئ هرباً من قصف الطائرات.

في المانيا، كان قتل الاطفال بشكل منتظم قد بدأ قبل اندلاع الحرب بوقت قصير، وكان هدف ذلك هو «انضاج واعداد الشبيبة الالمانية اعداداً مكتملاً».

فقد أمر الأطباء الابلاغ عن أي طفل من الاطفال المولودين حديثا «ممن يعانون البلاهة، وعن الاطفال القاصرين أو من ذوي الأمراض المزمنة أو أي خلل آخر، حيث تُعطى بعد ذلك بيانات تسجيل الأطفال الى مجموعة من الاختصاصيين النازيين الذين يقرون حياة أو ممات هذا الطفل أو ذاك، وكان نجاح هذا الاسلوب «الرائد» قد ادى الى افتتاح حوالي ثلاثين وحدة في المعسكرات المنتشرة في جميع اراضي الرايخ الألماني وذلك لتصفية الأطفال القاصرين. ولوقايتهم من النمو في ظروف فاسدة «كانوا يلقون القبض على أطفال العوائل من ذوي الدرجات البيولوجية السفلى ويزجونهم في سجون الاحداث ويخضعونهم لنظام محاكم الاحداث ويتهمون بالسرقة أو عدم العمل أو ممارسة البغاء. وكان الكثير من هؤلاء الأطفال يلقون حتفهم في مراكز الإصلاح..» هذه جراء تجويعهم بعدما ادرك الموظفون انها الطريقة الناجعة لايقاف طاقتهم واستمرارهم على الحياة.

ان جزءاً كبيراً من «الفعل النازي»، كما يفيد المؤلف ستار غارد في عبارة لافتة، كان يهدف الى «التأميم التام للعاطفة». العديد من الألمان العاديين اخفقوا في ملاحظة الافعال المرعبة التي كان يقوم بها النظام للمجموعات من ذوي «العنصر الأدنى» واحدى أهم مزايا الكتاب انه يستقصي وبشكل تفصيلي ممارسة كلا الجانبين، الحكام والمحكومين، فيما لا يتجاهل الفوارق الاخلاقية الحادة بينهما.

ومن هنا فقد استطاع المؤلف ان يقدم عدة اختلافات وتشخيصات مهمة. لقد أوضح كيف ان أطفالاً المان عاديين كانوا دائماً ضحايا ابرياء، وكيف انهم دفعوا ثمن «اخطاء» عوائلهم.

انه يعرض بشكل بانورامي كل الطرق المختلفة للحرب التي أثرت على حياة الأطفال وكيف ان حياة الأطفال والكبار معاً لا يمكن فصلها عن بعض، بل هي تربط عناصر عموم «النظام الاجتماعي النازي».

«شهود الحرب» يصف عالما توجب فيه على الأطفال ان يكبروا سريعاً ويأخذوا على عاتقهم مسؤولية رعاية اخوانهم واخواتهم الاصغر سناً وكذلك آبائهم من خلال اعمال التهريب والاشتغال بالسوق السوداء وحتى ممارسة الدعارة.

ولكن من جهة اخرى انضم بعض الاطفال أو الاحداث الى مجاميع المقاومة المسلحة المناهضة للاحتلال النازي.

اما داخل اطار النظام النازي فإن الأطفال قد دُعوا لـ «التضحية بانفسهم على مذبح الوطن الأم»، حيث كانت الفتيات يرسلن الى مواقع البطاريات المضادة للطائرات والصبيان لمقاومة الدبابات السوفياتية.

وفي بلدان الاحتلال النازي كان الأطفال يخشون ويكرهون اعداءهم. لقد استوعبوا الرعب الذي كان يحيط بهم اثناء ممارسة العابهم. كان الأطفال البولنديون مثلاً يقومون بأداء أدوار تمثيلية للغساتبو وكيف يجرون التحقيقات واصدار احكام الاعدام وغير ذلك. وفي معسكرات أوروبية اخرى يلعبون ادوار منظمة الـ «أس. أس. أس» (أمن الدولة) التي كان اسمها يشيع الرعب في النفوس. وكانت هناك حتى لعبة غرف الغاز، حيث يرمي الأطفال الاحجار داخل حفرة في الأرض، وبعد ذلك يحاكون صرخات الناس الذين في داخلها. في المعسكرات كان الأطفال يتسابق احدهما مع الآخر للمس الجدار الكهربائي للمعسكر. لقد جعل هؤلاء الأطفال من الخوف والرعب شيئاً مسلياً فحينما كانوا يشاهدون الدخان يتصاعد كثيفاً من مدخنة احدى المحارق يطلقون النكات «لا بد وان الشخص هذه المرة سمين».