بعد عشرين سنة من اغتيالها .. أنديرا غاندي لا تزال تحكم الهند

سيرة أميركية عن قصة حياة رئيسة وزراء الهند السابقة وتأثيراتها المستمرة على المشهد السياسي وحزب المؤتمر

TT

حينما وصلت انديرا غاندي إلى قمة مجدها السياسي، لم تكن إحدى أشهر النساء في العالم فحسب، بل ايضا واحدة من قلائل القادة غير الغربيين ممن لعبوا دوراً رائداً في السياسة العالمية. فمنذ كانت رئيسة لوزراء الهند لفترة ليست قليلة، امتدت من عام 1966 وحتى يوم مصرعها عام 1984، خلفت أثراً كبيراً على ذاكرة وحياة الشعب الهندي، لا يمكن مقارنته ربما إلا بأثر والدها جواهر لال نهرو.

وغالباً ما وصفت انديرا غاندي بمارغريت تاتشر الهند، وهذا صحيح. فمن الناحية الظاهرية، هناك تشابه واضح بينهما، فالاثنتان درستا في جامعة اوكسفورد وتأثرتا عميقاً بوالديهما وافسدتا بالتدليل ولديهما النزقين، وأخيراً كلتاهما برعتا في التلاعب بالمشاعر الشعبية، لكن هناك اختلافين جوهريين أيضاً: فتاتشر كانت ابنة طموحة لبائع خضار في متجر صغير، استطاعت بمهارتها الدخول من خلال بوابة داووننغ ستريت رقم 10 في بلد ثابت ومستقر. أما انديرا فقد ولدت في لحظة تاريخية، اندفعت فيها السلطة والحياة السياسية إليها منذ لحظة ولادتها، كما انها سليلة عائلة غنية تلقى أولادها تعليمهم في جامعات هارو واكسبريج في انجلترا وخصصت لفتياتها مربيات انجليزيات، منحن الاطفال اسماء انجليزية فوالد انديرا جواهر على سبيل المثال تلقى الاسم «جو» اما شقيقاته فسمين بـ «نان» و«بتي».

في «حياة انديرا نهرو غاندي»، تخبرنا المؤلفة كاترين فرانك، وهي كاتبة سيرة أميركية متخصصة تعيش في بريطانيا، عن قصة حياة انديرا الدراماتيكية، المرأة التي خيم ظلها على المشهد السياسي للهند وسياسة حزب المؤتمر الهندي لفترة تزيد على الأربعين سنة، أولا كابنة لأول رئيس وزراء للهند، جواهر لال نهرو، وثانيا كرئيسة لوزراء الهند ذاتها.

خصصت فرانك اكثر من نصف مادة كتابها لحياة انديرا المبكرة، أي قبل توليها منصب رئاسة الوزراء، ثم كامرأة في ذاكرة الشعب الهندي والإعلام العالمي.

فعلى الرغم من مضي حوالي عشرين عاما على اغتيالها، فإن تأثير انديرا غاندي لم يزل إلى الآن ظاهراً وبشكل حاد في آراء ومحاججات اعضاء الحكومة الهندية الحالية، ممن كانوا معتقلين أيام حكمها بعد فرض حالة الطوارئ وتعطيل القوانين والتشريعات الديمقراطية في الفترة بين أعوام 1975 ـ 1977. وهناك الكثير من الهنود سواء اليمينيون منهم أم اليساريون وحتى الليبراليون، ما زالوا يلقون باللائمة على سياسات انديرا جراء المشاكل التي تعاني منها الهند حالياً.

عاشت انديرا بداية حياتها كفتاة وحيدة وحساسة إزاء هاجس الموت بسبب اصابتها بداء السل الذي أودى بحياة والدتها عام 1936، وهي لم تكن تبلغ التاسعة عشرة من عمرها. ثم ارسلت إلى إحدى المصحات السويسرية للعلاج فغادرته بعد حين من دون موافقة المسؤولين لكي تقوم برحلة خلال أوروبا التي كانت ممزقة بويلات الحرب، وصولا إلى انجلترا عبر البرتغال، ثم العودة إلى الهند.

وحال عودتها إلى الهند، تفرغت للعمل في حركة الاستقلال وتعرضت للاعتقال لمدة 242 يوما أثناء حركة العصيان المدني عام 1942. وبعد خروجها من السجن، استمرت على نشاطها من أجل اطلاق سراح والدها الذي أفرج عنه عام 1945، حينما بدأت محادثات نقل السلطة.

عام 1942، تزوجت انديرا من فيروز غاندي، الذي ليس له علاقة بالمهاتما غاندي، على الضد من رغبة عائلتها. وفي هذا الصدد، تشير المؤلفة كاترين إلى احتمالات وجود تأثير لتعاطف فيروز مع الأفكار الاشتراكية على فكر انديرا السياسي المبكر. كان لديهما ولدان: راجيف وسانجي، لكن أثناء فترة استقلال الهند عام 1947، انفصل الزوجان وعاشا على انفراد وكأنهما لم يتطلقا. في الخمسينات أصبحت انديرا مشرفة اجتماعية على حياة والدها السياسية النشيطة، ولم تستطع أن تبدأ حياتها الخاصة إلا في أربعينات عمرها، حينما فكرت، ربما، بالانتقال الى انجلترا للعيش بعيدا عن الاحداث السياسية. وفي عام 1960 كاد الزوجان ان يصلحا ما بينهما، لكن نوبة قلبية ألمت بفيروز وأدت إلى موته وانديرا في الثامنة والاربعين من عمرها.

ويبدو أن موت زوجها حررها من إتمام محاولتها الحفاظ على ذلك الزواج، لكنه في الوقت نفسه أدى إلى حدوث فراغ في حياتها العاطفية لم تستطع ملأه إلا بواسطة ولديها راجيف وسانجي. بعد ذلك، جاء موت والدها نهرو عام 1964، ليحررها من مهمتها كابنة مطيعة حتى سنوات متأخرة في حياتها، وغدت قيّمة على إرث غاندي العائلي. ثم فجأة، وجدت نفسها تقذف إلى القمة.

وتعتقد الكاتبة ان بداية تصدع حكم انديرا غاندي بدأ حين حولت التقاليد السياسية لبلدها صوب ما يصفه المؤرخ سونيك خلناني بفكر اليعاقبة ايام الثورة الفرنسية ذي المضامين الديمقراطية الفقيرة، وحق الانتخاب اليسير. كذلك يظهر هذه البيبليوغرافيا انديرا غاندي بمظهر قدري في ما يتعلق بمستقبلها ومكانتها التاريخية. فتعاملها مع عصيان طائفة السيخ وهجومهم على المعبد الذهبي صيف عام 1984، مؤشر واضح على اقتراب نهايتها. وبموت ابنها سانجي في حادث تحطم طائرة عام 1980، واغتيال ابنها الآخر راجييف عام 1991 تكون عائلة غاندي قد انتهت كما تؤكد لنا كاترين فرانك، ثم تخلص إلى الرأي بأن الهند هي أكبر من شخص أو عائلة. لكن مع ذلك يبدو أن شعلة العائلة بقيت حية وظلت سمعتها متقدة بفضل زوجة راجيف الايطالية سونيا. ومع أن سونيا غاندي كانت دائما تؤكد على عدم مشاركتها السياسية، إلا أنها الآن تحتل منصب رئاسة حزب المؤتمر الهندي. وفي الحملة الانتخابية عام 1999، تبنت سونيا في حملتها صيغ وأساليب انديرا غاندي نفسها.

=