الميكرو فيلم .. وحش يلتهم المجلدات القديمة

كاتب أميركي يعتقد أن الكتب يمكن أن تعيش على الأرفف مدة أطول مما يحدد لها الخبراء

TT

يظن أغلبنا أن المكتبات العامة واحات آمنة للكلمة المطبوعة. وحتى إذا اعترتنا خيبة الأمل، في بعض المرات، من جراء محدودية حصيلة مكتباتنا المحلية من الكتب، فإننا نشعر ببعض العزاء عندما نتذكر أن كميات هائلة من الكتب والصحف والمطبوعات ترقد آمنة في مكتبات الجامعات والمكتبات القومية. لكن، وكما اكتشف الروائي نيكلسون بيكر، فإن بعض أعظم المكتبات العالمية ـ مثل المكتبة البريطانية ومكتبة الكونغرس ـ ظلت تدمر مجموعاتها من مجلدات الصحف ومن الكتب المهترئة أثناء محاولاتها «حفظ» هذه المواد في صورة «الميكروفيلم».

في كتابه الجيد، من حيث البحث والتأليف، بعنوان «الطيات المزدوجة»، يشير نيكلسون إلى الطريقة التي يقرر بها أمناء المكتبات ما إذا كانت الورقة المعينة مهترئة «بصورة خطيرة»، وذلك بثنيها في اتجاه ثم في الاتجاه المضاد، فإذا تمزقت فهذا يعني أن الكتاب الذي يحتويها أصبح مرشحاً «للحفظ/ التدمير».

وأثناء عملية تصوير المجلدات في «ميكروفيلم» كثيراً ما تتلف الكتب، وذلك عندما تزاح الأغلفة لتصوير الصفحات. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أمناء المكتبات ربما يزيحون الكتب الأصلية تماماً ويتخلصون منها بعد أن تكون قد صورت في «المايكروفيلم».

لكن ما الخطأ في ذلك؟

أولا، وكما يوضح بيكر، فإن هذه الأفلام الدقيقة لا تمثل نسخة كاملة للأصل كالصحف التي تزدان صفحاتها بالصور الملونة والرسومات الممتازة، وتصبح مجرد أشباح باهتة لهيئتها السابقة، كما أن الطباعة لا تخلو من بعض الحروف الباهتة والمطموسة، وقراءتها غالباً ما تكون تجربة مرهقة كما يعرف ذلك كل من طوى أميالاً من الميكروفيلم.

وكما يلاحظ بيكر، فإن إحدى المتع التي تنطوي عليها قراءة هذه المجلدات من الصحف، هي رؤية الصورة الكاملة لكيفية توزيع المواد وتنظيم الصفحة ككل بالطريقة نفسها، التي رآها بها قراؤها الأصليون. بالإضافة إلى ذلك، فإن نسخة الميكروفيلم، كما أسلفنا، ليست كاملة، وما دام أمناء المكتبة قد تخلصوا من الأصل، فإن الباحث التعيس لن يجد ما يبحث عنه.

فماذا يحدث للصحف القديمة؟

بعضها يشتريه قسم من هواة المواد القديمة ويقدمونها كهدايا وغيرها، لكن مجلدات كثيرة لا تجد من يشتريها وتترك عرضة للتلف. وقد لجأ بيكر نفسه إلى شراء أكبر عدد من المجلدات، حسب إمكانياته، وخزنها في أماكن آمنة.

هل تفتقر المكتبات بالفعل للأماكن الشاغرة؟ وهل الكتب التي طبعت في القرن التاسع عشر والجزء الأكبر من القرن العشرين، والمطبوعة على ورق يحتوي قدراً عالياً من الاحماض، معرضة بالفعل للتلف؟

يعتقد بيكر أن الحجتين المتعلقتين بالحيز المكاني وبالاحماض، قد تم تضخيمهما بواسطة «الخبراء» الذين قبلت ادعاءاتهم من دون تمحيص. وقد صرفت مبالغ ضخمة، بما في ذلك المنح الحكومية، على «الحفظ» واهمل العمل الأكثر صعوبة المتمثل في «اصلاح» النسخ الأصلية نفسها.

وإذا صرفنا النظر عن الهوس بـ «الميكروفيلم»، فإن بيكر يصف العملية المخيفة المتمثلة في «إزالة الاحماض»، التي تعني استخدام غاز خطر يمكن أن يشتعل حتى بملامسته للهواء، كما أن هذه العملية تترك رائحة كريهة تجعل قراءة الكتاب أمراً بالغ الصعوبة.

ويورد بيكر شواهد قوية على أنه بالإمكان إيجار أماكن لهذه الكتب أقل كلفة وأكثر أمانا من كل هذه الإجراءات، وأن الكتب الموصوفة بأنها «هشّة» يمكن أن تعيش على الأرفف مدة أطول مما يحدد لها الخبراء. ويقول إن صائني هذه الكتب، الذين يحاولون «حفظ وحماية» الكتب والصحف بهذه الوسائل المريبة، قد استطاعوا تضليل أغلب أمناء المكتبات حتى ينجحوا في إقامة هذا النظام الباهظ التكلفة، الذي يبتلع عدداً ضخماً من المراجع النادرة والقابلة للحياة. ويقول على لسان أحد مديري الأقسام السابقين لمكتبة الكونغرس، وهو يعلق على هذا النظام «كأنما قمت بتشييد مصنع للجسق.. إذ عليك أن تطعم هذا الوحش طوال الوقت».

وإذا كان هناك أي أمل بقتل هذا الوحش، الذي يلتهم الورق، فإن تغييراً جوهرياً في التفكير يجب أن يحدث، وربما ينجح كتاب بيكر، المشوق والمثير، في إحداث هذا التغيير المطلوب.

الطيات المزدوجة المؤلف: نيكلسون بيكر

*خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»