الحدود والسياسة في نزاعات الدول العربية

وقائع ندوة شارك فيها دبلوماسيون وباحثون حول إمكانية حل الخلافات العربية ـ العربية بالوسائل السلمية

TT

يتضمن كتاب «حل النزاعات العربية بالطرق السلمية» الصادر حديثا عن منتدى الفكر العربي وقائع الندوة التي عقدت في صنعاء والتي القيت فيها بحوث ومداولات وتجارب متنوعة حول امكانية حل هذه النزاعات العربية بالطرق السلمية اضافة الى افكار واقتراحات تهدف الى بناء القواعد المؤسسية اللازمة لحل النزاعات. وساهم في مداولات الندوة عدد من اعضاء المنتدى.

فتحت عنوان «النزاعات العربية الراهنة: طبيعتها وتطورها» قدم الدكتور احمد الشقيري المحامي والمستشار القانوني عرضا للاختلافات العربية على الصعد الاجتماعية والاقتصادية والفكرية اشار فيه الى أن ظاهرة بروز كيانات سياسية مستقلة تأخذ صورة الدولة بالمفهوم المعاصر حديثة نسبيا في الوطن العربي. اذ تعود بدايتها الى ما بعد انهيار السلطة العثمانية في اعقاب الحرب العالمية الاولى، وتعاظمت اهميتها بعد تحرر غالبية الاقطار العربية من السيطرة الاجنبية واسترداد استقلالها في السنوات التالية لنهاية الحرب العالمية الثانية. اي ان معظم الدول العربية تعود عضويتها في المجموعة الدولية كما تتمثل في اطار الامم المتحدة الى اقل من نصف قرن، وكان طبيعيا ان يصاحب نشأة كل كيان دولي جديد مواجهة ضرورة حل مشكلات، بعضها ناجم عن التوارث الدولي سواء بالنسبة للحدود او في ما يتعلق بالتعهدات الدولية السابقة والبعض الآخر يتناول العلاقات مع الدول المجاورة وتصفية ما قد يكون قائما حينذاك او استجد عقب الاستقلال من قضايا تثير خلافا في الرأي والمصالح وتتطلب استحداث حلول مناسبة. ويرى الباحث ان الدول العربية تنبهت مبكرا لاهمية ايجاد وعاء تنظيمي جماعي يمكن في اطاره ان تتم الممارسة العملية لحل النزاعات، وكان ذلك عن طريق انشاء جامعة الدول العربية عام 1945 كنوع من التجمع الاقليمي المعترف به دوليا والقادر على احداث نقلة نوعية في الواقع العربي. وتطرق الشقيري الى ضرورة الاستفادة من تجربة الاتحاد الاوروبي الذي عالج بنجاح الخلافات والنزاعات بين اعضائه.

وقدم الدكتور احمد يوسف احمد رئيس معهد البحوث والدراسات العربية في جامعة الدول العربية بحثا بعنوان «ضعف التقاليد المؤسسية في حل النزاعات العربية» ركز فيه على ان «ضعف او غياب التقاليد المؤسسية غير قاصر على مجال حل النزاعات بين الاقطار العربية ولكنه سمة عامة في حياتنا السياسية العربية سواء على الصعيد الداخلي القطري ام على صعيد تفاعلات النظام العربي بصفة عامة، فهناك عشرات الامثلة للتدليل على النتيجة ذاتها، بينما الامر معكوس عند الاوروبيين ولذلك تقدموا علينا في مجال حل النزاعات والعمل الوحدوي بالرغم من اننا نملك من مقومات ذلك اكثر منهم ربما بكثير».

الدبلوماسية الوقائية كما استعرض الدكتور احمد صدقي الدجاني عضو مجلس امناء المنتدى في بحثه «العلاقات القطرية العربية بين التعاون والنزاع» نشأة الدول القطرية العربية وعناصرها وسماتها التي يترتب عليها توزع هذه الدول بين التعاون والنزاع وهي «محاولة توفير الشرعية للدولة والالتزام بالوطنية القطرية والنزوع الى التعاون مع الدول القطرية العربية الاخرى وتأثير مصالح قوى الهيمنة الاستعمارية الغربية ونفوذها على سياسيات الدولة القطرية». وهذه السمات الاربع هي التي فعلت فعلها في تحديد العلاقة بين دولة واخرى.

ويسترسل الباحث في تفاصيل هذه العلاقة لتكوين صورة مستقبلية حيث يقول: «لقد آن الأوان لأن ينطبق العمل في هذا النظام العربي من نظرية الادوار المتكاملة لاعضائه، كل عضو يقوم بدور الجزء في اطار الكل ويتحدد هذا الدور وفقا لاستطاعة العضو ضمن رؤية كلية شاملة للنظام ولا يكلف بما ليس في وسعه، وتستدعي هذه النظرية احترام حدود الواقع القائم بين الدولة القطرية والاتفاق على ان التوحيد لا يكون الا بالرضى والالتزام بعدم استخدام القوة في فض المنازعات».

وفي اطار التجارب الميدانية قدم عبد الله محمد الصليدي نائب وزير الخارجية اليمني «دراسة مقارنة بين اسلوبي التوثيق اليمني والارتيري في التحكيم حول مجموعة جزر جنوب البحر الاحمر» وقد عرض مقارنة موضوعية لاسلوب التوثيق الذي اتبعه طرفا النزاع في السيادة على مجموعة جزر جنوب البحر الاحمر «حنيش الكبرى والصغرى وسيول حنيش وجزيرة جبل زقر ومجموعة الزبير وجزيرة جبل الطير والصخور والنتوءات التابعة لها» وكتب عبد الله احمد غانم وزير الشؤون القانونية وشؤون مجلس النواب اليمني وعلي عبد الله حزام بحثا بعنوان «الحدود اليمنية ـ العمانية: انموذج الحل الودي».

اما عمرو موسى، وزير الخارجية المصري السابق والأمين العام الحالي لجامعة الدول العربية، فقدم مداخلة بعنوان «رؤى وتساؤلات حول النزاعات العربية العربية» قال فيها «ان الوقت قد حان واللحظة مناسبة، بل إن اللحظة مهمة لان نراجع الوضع العربي ونحن في ختام القرن العشرين في ظل التطورات الهائلة التي تجتاح العالم. السؤال هو هل المجتمع العربي مستعد لمواجهة هذه التطورات ام لا؟ اخشى ان تكون الاجابة بالنفي. هناك عدد من الاسئلة: السؤال حول مدى قدرتنا على استيعاب ما هو جار من تطورات مثل طرح موضوع الدبلوماسية الوقائية على المستوى العالمي والعمل الدبلوماسي والسياسي الوقائي بل العسكري الوقائي للوقاية من منازعات قد تحدث في المستقبل القريب. هذا عنوان لموضوع كبير ومهم، ومن الاهمية بمكان ان نكون واعين له ومستعدين للتعامل معه».

القطري والقومي كما قدمت بدرية العوضي (وهي محامية ومستشارة قانونية وبيئية من الكويت) بحثا عن حل منازعات الحدود البحرية في منطقة الخليج العربي بالطرق السلمية، مبينة فيه ان سبع اتفاقيات ثنائية ابرمت في منطقة الخليج لتحديد الحدود البحرية بين الدول ذات السواحل المتجاورة او المتقابلة بهدف تحديد الحد الخارجي للجرف القاري بينها، منها خمس اتفاقيات بين ايران ودول مجلس التعاون الخليجي العربية، واتفاقيتان بين الدول العربية في هذه المنطقة. واستعرضت الدكتورة العوضي تفاصيل هذه الاتفاقيات المنجزة وغيرها مما لم ينجز بعد واتبعت بحثها بالعديد من الملاحق والوثائق الخاصة بهذه الموضوعات.

وفي سياق آخر قدم الدكتور علي عتيقة امين عام منتدى الفكر العربي نبذة عن الهيئة القضائية لمنظمة الاقطار العربية المصدرة للبترول وهي اول محكمة عربية محكمة قامت منذ عشرين عاما، وساهمت عشر دول عربية في تأسيسها. واستعرض الدكتور عتيقة تفاصيل قيام هذه الهيئة وطبيعة عملها وخلله ويقول: «لم تلجأ الحكومات الاعضاء في المنظمة ومجالس ادارات الشركات المنبثقة عنها الى الهيئة القضائية التي قامت اصلا من اجل البت في مثل هذه النزاعات. كيف نفسر هذا الاخفاق في الاحتكام لمرجعية القانون والقضاء المشترك الذي شرعته المنظمة وصادقت عليه كل الاقطار الاعضاء حسب اجراءاتها الدستورية؟ ثم كيف بقيت هذه الهيئة ذات التخصص والحكم الالزامي خارج نطاق حل النزاعات بالطرق السلمية؟ ولماذا لم نستفد من التخصص الطوعي الذي تتمتع به الهيئة في حل بعض النزاعات البترولية التي نشأت بين بعض الدول الاعضاء وسببت الكثير من المتاعب السياسية؟

واخيرا قدم الدكتور عبد الكريم الارياني رئيس الوزراء اليمني السابق ورقة عن «تجربة الجمهورية اليمنية في حل النزاعات على الجزر في جنوب البحر الاحمر مع دولة ارتيريا (احتلال انتهى بحكم دولي)، استعرض فيها الوضع الجغرافي والسياسي للجزر في السنوات الماضية وتسلسل الاحداث التي مرت بها بما يشكل خلفية تاريخية متكاملة للنزاع على الجزر والحكم الدولي الذي انهى الخلاف الطويل والنزاع الذي وصل الحد الاحتلال.

وفي الخلاصة دعا المشاركون الى تكثيف الجهد العربي المشترك وتفعيل المصالح الوطنية والقطرية والقومية، ودعوا الى انشاء محكمة عدل عربية ومركز معلومات.

وتعد هذه الندوة الاولى من نوعها في موضوع النزاعات العربية ـ العربية لما تضمنته من استقراءات علمية لواقع النزاعات الحدودية عن طريق الباحثين والمتخصصين الذين شارك البعض منهم عمليا في محاولة للتوصل الى حلول مناسبة لهذه النزاعات.