جزائر التسعينات في كتاب فرنسي

مؤرخ فرنسي جزائري الأصل يربط بين الأحداث الحالية وحرب التحرير

TT

هناك فكرتان أساسيتان ظلتا تترددان باستمرار في كتاب «الحرب اللا مرئية: جزائر التسعينات»، الصادر حديثا بالفرنسية عن منشورات المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية بباريس، للمؤرخ الفرنسي، الجزائري المولد بنجامان ستورا. تتعلق الفكرة الأولى بعدم توفر التغطية الاعلامية للأحداث التي شهدتها الجزائر طيلة فترة التسعينات، على ما يكفي من الصور التلفزيونية والفوتوغرافية التي يمكن أن توضح تلك الأحداث وتساعد المؤرخين على قراءتها وتوثيقها. أما الفكرة الثانية فهي التي حاول الكاتب من خلالها بلورة وجهة نظره حول العلاقة بين حرب التحرير الجزائرية وبين الأحداث التي استمرت منذ مطلع االتسعينات.

ولئن اقتصر الكتاب على ثلاثة أجزاء توزعت على 125 صفحة من القطع المتوسط، فان الأسئلة والاشكالات التي تضمنها تجعله جديرا بالقراءة والمراجعة. ففي الجزء الاول الذي جاء تحت عنوان «تكون اللا مرئي: الموت الضائع وسط المتاهة» ينبه الكاتب الى الصعوبة التي تعترض الباحث عندما يحاول اطلاق تسمية دقيقة على أحداث الجزائر أو عندما يحاول الوقوف عند بداية محددة لها، فهل هي حرب أهلية أم مجرد صراع بين التقليديين والحداثيين؟ وهل انطلقت شرارتها الأولى عام 1988 أم عام 1992؟ ثم ما علاقة فرنسا بهذه الأحداث؟ هل لأنها المستعمِرة السابقة للجزائر أم لأنها تحتضن أكثر من مليون مهاجر جزائري ام لأن بعض رعاياها لقوا حتفهم بفعل هذه الأحداث؟

في سعيه للاجابة عن هذه الأسئلة، يركز ستورا على ظاهرة الغموض التي تميز التعاطي الاعلامي مع هذه الأحداث والناتجة حسب رأيه عن أشكال متعددة من الرقابة التي تفرضها مختلف الأطراف على وسائل الإعلام وخاصة ما يتعلق بتصوير الأحداث وتشخيصها. وهذا ما دعا الكاتب الى وصف تلك الأحداث بالحرب اللا مرئية التي يتحدث الجميع عن أصدائها وأخبارها من دون التمكن من رؤية صورها وآثارها.

في الجزء الثاني المعنون بـ«شطب حرب عن طريق أخرى» يقدم الكاتب أسبابا ثلاثة تدعم وجهة نظره حول العلاقة القائمة بين حرب التحرير الجزائرية وبين ما هو حاصل في الجزائر منذ حوالي عشر سنوات. يتعلق السبب الأول بمواقع العمليات، اذ كثيراً ما نجد الأحداث التي تقف وراءها الجماعات المسلحة تقع في نفس الأماكن التي كانت قد وقعت فيها المواجهات بين الجزائريين والفرنسيين خلال حرب الاستقلال. ويعود السبب الثاني الى اعتماد السلطات الجزائرية من جهة وتلك الجماعات من جهة أخرى لخطاب يحاول أن يستلهم أفكاره من خطاب حركة التحرير الجزائرية. فكلا الطرفين يدعي بأنه يخوض حربا تحريرية، وبالتالي فانه يعتبر الآخر من بقايا الاستعمار ومخلفاته. أما عن السبب الثالث لايجاد رابط بين أحداث التسعينات في الجزائر وبين حربها للتحرير التي دارت خلال الخمسينات ومطلع الستينات، فيتعلق بالموقف الفرنسي من هذه الأحداث وذلك على المستويين الرسمي والشعبي. وحسب ما يبين الكاتب فان الفرنسيين يميلون الى اعتبار ما يحدث في الجزائر على أنه حرب بأتم معنى الكلمة. ولذلك فان خطابهم الاعلامي يصف حرب الاستقلال بالحرب الأولى ويصف أحداث التسعينات بالحرب الثانية. ولا يخفي كثير من الفرنسيين لامبالاتهم إن لم نقل شماتتهم التاريخية مما حدث ويحدث في الجزائر. اذ هم يعتبرون بأن على الجزائريين هؤلاء الذين حاربوهم سابقا أن يتصرفوا حاليا من دونهم. وتبعا لما يورد الكاتب فان أغلبية الفرنسيين تعارض التدخل الفرنسي في الصراع الدائر بالجزائر وذلك على رغم اقتناعها بأن هذا الصراع يمثل خطرا على فرنسا. جاء الجزء الثالث والأخير تحت عنوان «أزمة التمثلات» وقد تعرض الكاتب من خلاله الى الصور القليلة التي بثت هنا وهناك عن الوضع في الجزائر. وعند قراءته لهذه الصور يركز الكاتب على تلك التي تضمنتها وسائل الاعلام الفرنسية. كما يتعرض ستورا في هذا الجزء الى بعض الأفلام السينمائية التي عالجت موضوع الجزائر والتي أنجز أغلبها خارج هذه البلاد. ومن أهم الأفلام التي يقف عندها فيلم «باب الواد سيتي» لمرزاق علواش و«الشيطان المؤنث» لحفصة كوديل و«الهضبة المنسية» لعبد الرحمن بوقرموح. ويشير الكاتب الى أن ما يميز هذه الأفلام هو تأكيدها حب الحياة والرغبة في تجاوز ذلك الواقع المؤلم والحزين الذي طبع جزائر التسعينات. وبالاضافة الى الابداعات السينمائية يقف ستورا عند بعض الابداعات الروائية التي جاءت بامضاء روائيات جزائريات مثل آسيا جبار ومليكة مقدم ولطيفة بن منصور وفريال أسيما. وما يلاحظه الكاتب ازاء هذه الروايات هو أنها تجمع تقريبا على تأكيد دور المرأة الجزائرية كضحية ومقاومة لكل أشكال العنف والارهاب.

«شطب حرب عن طريق أخرى» المؤلف: بنجامان ستورا الناشر: المؤسسة الوطنية للعلوم السياسية بباريس