ظاهرة التفاوت في العلاقات الدولية

العولمة تكريس لسيادة بعض الدول وانتقاص من الأخرى كما يرى كتاب مغربي

TT

يحاول الباحث المغربي الدكتور عبد الواحد الناصر من خلال مؤلفه الجديد «التفاوت بين الدول» الصادر عن دار النجاح بالدار البيضاء ضمن منشورات «الزمن» المغربية، البحث في واقع عالم اليوم من خلال الميزان الجديد للقوى بين الدول، والبحث كذلك في النتائج التي تتعلق بما يمكن ان تحدثه العولمة في المستقبل، ويطرح هنا الباحث عدة تساؤلات في هذا الصدد: هل ستؤدي العولمة الى قيام عالم متجانس ومستقر؟ وهل ستصبح مصدرا للتقدم والرخاء، وتحيل العالم الى قرية كونية؟ واخيرا هل ستؤدي الى زوال السيادة بمفهومها التقليدي، وإضعاف سيطرة وسلطات الحكومة المحلية على السياسات الاقتصادية والاجتماعية وتبديل النظم السياسية والاقتصادية والمؤسسات الاجتماعية والعادات والتقاليد والقيم؟

يرى الناصري في مقدمة دراسته ان واقع العالم اليوم ليس فيه لحد الآن ما يدل على ان العولمة ستحقق التقدم وتضمن الامن والاستقرار، أو تحمي حقوق الانسان، أو تعجل بسيادة المناخ الديمقراطي في العلاقات الدولية، ذلك لأن منطق العولمة هو منطق محكوم بظاهرة التفاوت في العلاقات الدولية، ولأنها في حقيقة الامر ميزان جديد للقوى بين الدول، يقوي سيادة بعض الدول (المتقدمة صناعيا وتكنولوجيا) ويضعف في ذات الوقت من سيادة واستقلال الدول المتخلفة في الشطر الجنوبي من هذا العالم.

ومن هذا المنطلق يعتبر ان العولمة ما هي الا توزيع جديد للقوة يسمح لمالكي السلطة والمعرفة، بإملاء شروطهم ومعاييرهم على ما لا يملكونها، ويفرض على دول الجنوب فقدان استقلالها وخسارة سيارتها، وهذه الازدواجية المتمثلة في انقسام الدول الى دول كبرى قوية ومتسلطة، ودول صغرى مستضعفة، وهي ظاهرة لازمت المجتمع الدولي منذ نشأته، ويمكن ملاحظة هذه الازدواجية في ميثاق الامم المتحدة الذي اعتمد على مبدأ المساواة في السيادة، ومنح في ذات الوقت امتيازات وحقوقا للدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الامن.

والتفاوت في بنيات الدول في الفصل الاول من الكتاب، تترتب عليه تفاعلات سياسية وعسكرية واقتصادية واجتماعية، تتراوح بين التنظيم والفوضى، وبين التعاون والتنافس والصراع، فإذا كان النظام الاولي الراهن، نتيجة للتجانس بين الدول، يركز على روح التعاون في مختلف الميادين، فإنه يتميز، من ناحية اخرى نتيجة للتفاوت بتزايد التفاعلات السياسية والعسكرية، وغياب الاجهزة الدولية القادرة على استخدام ادوات العنف المسلح لتحقيق الاغراض الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية.

وفي فصل ثان يشير الباحث الى هذا التفاوت بالتفصيل، فدولة كالولايات المتحدة تستطيع حاليا الاضطلاع بدور عالمي بسبب قدرتها على التدخل العسكري والاقتصادي والآيديولوجي في اية منطقة في العالم، مما يضفي عليها صفة القوة العالمية. ولكن دولتين كاليابان والمانيا، رغم كونهما قوى اقتصادية عظمى على الصعيد العالمي الى جانب الولايات المتحدة الامريكية، فانهما ليستا في وضع يسمح لهما بالتدخل على الصعيد العسكري بسبب القيود المفروضة على تسلحها في نهاية الحرب العالمية الثانية. وانجلترا والصين فمع انهما تمتلكان الاسلحة النووية مما يجعل منهما قوتين عسكريتين كبريين، فان وزنهما السياسي والاقتصادي لا يتناسب مع قدرتهما العسكرية رغم تمتعهما بالعضوية الدائمة في مجلس الامن وبحق الفيتو. والى جانب ذلك فبعض الدول رغم كبر مساحتها وضخامة عدد سكانها ليست لها فرصة حقيقية لان تلعب اي دور عالمي، وهناك دول صغيرة يمكن ان تلعب تأثيرا اقليميا هاما لا يتناسب مع قوتها المادية ومع وزنها وحجمها الحقيقي.

وحسب رأي الباحث، فان هذا التفاوت في القوى العسكرية والوزن السياسي بين الدول، خلق في السنوات الاخيرة معطيات جديدة اذ اتيح للدول الاقوى التدخل عسكريا في الدول الاخرى بدعوى انتهاك حقوق الانسان، او ارتكاب جرائم ضد الانسانية في الدولة المتدخلة فيها عسكريا، وهذه الحروب التي تشن تحت غطاء إرادة المجتمع الدولي، وبدعوى انها حرب لحماية حقوق الانسان، اضحت تضيف شعارا جديدا للشعارات التي سبق للدول الكبرى رفعها بدعوى حماية امن العالم ومصالحه، مثل شعارات توازن القوى، والامن الجماعي، وحق الشعوب في تقرير مصيرها، وللشرعية الدولية، وإعادة الانظمة الديمقراطية، ومكافحة الارهاب، وهذه الشعارات التي رفعت في أوقات مختلفة لم تكن دفاعا عن الحق والعدالة وما يجب ان يكون، كما يرى، وإنما كانت تعبيرا عن توازنات القوى والمصالح والافكار والآيديولوجيات السائدة في عصر محدد أو وقت معين.

اشكاليات التفاوت في العلاقات الدولية يمكن تصنيفها باعتماد معيارين متميزين، ولكنهما متداخلان ومتلازمان: المعيار الاول، هو معيار هيكلي يتعلق ببنيات الدول، والمعيار الثاني، هو معيار موضوعي لأنه يتعلق بالاوضاع الفعلية لمختلف الدول.

التفاوت بين الدول المؤلف: الدكتور عبد الواحد الناصر الناشر: منشورات الزمن