شارون ومصير حكومات إسرائيل السابقة

تسع وعشرون حكومة أدارت شؤون الدولة العبرية انتهت كلها نهايات مأساوية

TT

تسع وعشرون حكومة ادارت شؤون اسرائيل منذ انشائها عام 1948 حتى عام 2001، وتعاقب على رئاسة هذه الوزارات احد عشر رئيس وزراء كان بن غوريون اولهم واطولهم حكما، هؤلاء الرؤساء الاحد عشر بينهم الكثير من الاختلافات واوجه الشبه في الفكر والسلوك، فهناك الذي وسع حدود دولته بالعدوان على الدول المجاورة، وهناك الذي عني بشأن المياه، وآخر اعطى موضوع التسليح جل عنايته اضافة الى اولئك الذين اجروا مفاوضات تسوية ووقعوا معاهدات سلام. في دراسة تحت عنوان «رؤساء حكومات اسرائيل والازمات المحتومة» يخلص الباحث نبال الخماش الى ان نهاية شارون لن تختلف عن النهايات المأساوية لجميع رؤساء الحكومات الاسرائيلية التي سببها طبيعة الكيان الاسرائيلي ذاته منذ نشأته وحتى الآن. يقول الباحث:

بالرغم من التباين في الانجازات وتعارض الآراء واختلاف السياسات ولو ظاهريا الا ان هناك نقطة بارزة وعلامة فارقة في سيرة كل من تولى منصب رئيس الوزراء في اسرائيل، وهي ان نهايات هؤلاء الرؤساء العشرة السابقين كانت مأساوية، فقد سقط كل واحد منهم إما في ازمة سياسية او فضيحة شخصية. بن غوريون قضى سنوات عديدة معتزلا في صحراء النقب وكان شعاره لفترة «لا تبك ولكن اتبعني الى الصحراء»، موشي شاريت ترك السياسة واعتزل في بيته نتيجة صدامه مع المؤسسة الامنية، ليفي اشكول مات في مكتبه قهرا بسبب وزير دفاعه موشي دايان، غولدا مائير قدمت استقالتها بسبب حالة الهياج العام ضدها لتقصيرها في حرب 1973، بيغن مات بمنزله مصابا باكتئاب حاد بسبب استدراج شارون له في حرب لبنان، اسحق رابين اقيل اولا عام 1974 بسبب فضيحة مالية وعاد الى الحكم عام 1992 ليغتاله احد المتطرفين اليهود، شامير اخرجه خصومه من الحكم ورفاقه من الحزب، نتنياهو اخرج من الحكم عنوة، وباراك اسقطته الانتفاضة كورقة خريفية في يوم عاصف. لذلك جاءت هذه الدراسة محاولة تعنى بايجاد تفسير معقول لهذه الظاهرة للوقوف على جانب مهم من الحياة السياسية في اسرائيل وهو جانب قلما تم البحث فيه او تناوله بشكل متخصص. دولة بلا دستور ويشير الباحث الى ان الحياة السياسية في اسرائيل تتفاعل وتتطور احداثها في ظل غياب دستور للدولة. ومن المعروف ان الدستور هو الوثيقة التي من المفترض ان تنظم آليات العملية السياسية بصفة عامة اضافة الى قضايا اخرى تتعلق ببنية الدولة وكيفية التعامل بين الجهات والمؤسسات على اختلاف تخصصاتها ثم يستعرض الخلاف الحاد الذي نشب بين المعارضين والمؤيدين لوضع دستور للدولة التي اعلن عن نشوئها عام 1948، وكان رأي المؤيدين يتلخص في ان الدستور الدائم يعطي الكيان الناشئ صفة الدولة الطبيعية، اضافة الى دعم الاستقرار فيها بتحديد آلية تداول السلطة وفض النزاعات والخلافات. اما المعارضون وكان بن غوريون في مقدمتهم، فقد رأوا ان اعلان الدستور من شأنه تقييد حركة السياسة وقادة الجيش وطموحاتهم المستقبلية خاصة ان عملية هجرة يهود الشتات من الخارج لم تكتمل بعد وفي حال اكتمالها بعد جلب اخر يهودي من خارج اسرائيل. يمكن اعتبار ان الدولة اخذت وضعها القانوني ليتم من ثم الاعلان عن دستور لدولة اسرائيل. واتفق الجميع على صيغة قرار صادر عن الكنيست في 13/1/1950 جاء فيه «يجب ان يكون لاسرائيل دستور يوضع في ما بعد». اما ما يحول دون وضع دستور فهو تركيبة المجتمع الاسرائيلي الذي ينقسم بشكل حاد الى غربيين وشرقيين، وكل طائفة تنقسم الى فئات واقليات متعددة، هذا التباين العرقي مضافا اليه الاختلاف الديني من شأنهما ان يعززا عدم نجاح الكيان الاسرائيلي كتجمع بشري له هويته، بل من شأن هذا التنوع ان يعزز الاختلاف والتباين ويقوّي من التنافس على مراكز النفوذ والسلطة وبالضرورة فان مواقع النفوذ ستكون ضيقة، الامر الذي يعزز من احتمالية المنافسة الحادة البالغة حد الكراهية، فقد كان شعور بن غوريون تجاه خلفه الاول موشي شاريت متجاوزا الكراهية الى درجة الاستخفاف، وكان شعوره تجاه ليفي اشكول مليئاً بالازدراء. وما ينطبق على رؤساء الوزارات السابقين ينطبق كذلك على كبار السياسيين والقادة العسكريين. وهناك ايضا العلاقة بين منصبي رئيس الوزراء ووزير الدفاع، فمؤسسة الامن داخل اسرائيل لها قانونها الصارم وسلطانها المطاع من قبل الجميع، لذا نجد ان العسكريين يهيمنون على التخطيط الاستراتيجي بل ويحتكرونه. ومنذ البداية ادرك بن غوريون حدوده كرئيس للوزراء امام مؤسسة الامن وكيّف نفسه امام هذه العلاقة، وعندما جاء خلفه شاريت معتقدا انه يستطيع الابتكار والتطوير داخل مؤسسة الامن كان رد الفعل الطبيعي من هذه المؤسسة ان تتصرف طيلة فترة رئاسته من دون الرجوع اليه ليكتشف في النهاية انه يحتل مقعد رئيس الوزراء من دون ان يمسك بسلطة موقعه فعلا وفي غضون شهور كان معتزلا في بيته مجروحا في كرامته. مصير شارون وبعد ان يستعرض الباحث بالتفصيل النهايات المأساوية لجميع رؤساء الحكومات في اسرائيل بلا استثناء، يتساءل عن امكانية خروج شارون عن هذه القاعدة ويقول:

من المؤكد ان نهاية شارون لن تشذ عن القاعدة التاريخية التي حكمت نهايات وازمات كل رؤساء الحكومات الاسرائيلية السابقة بل سيكون خروجا متوافقا مع كل هذه الازمات المحتومة وستبقى احتمالية خروجه من الحكم قويا متماسكا راضيا عن نفسه ضئيلة، وهناك دلالات عديدة على ان نهاية شارون لن تكون افضل من سابقيه لاعتبارات من ابرزها:

ـ ان شارون لا يريد ان تكون فترة رئاسته مجرد مرحلة عابرة في فترات الحكم باسرائيل اتخذ خلالها سلسلة من الترتيبات الامنية لقمع الانتفاضة ثم خرج كغيره يجر أذيال الفشل. من هنا فهو يعمل بجد من اجل ان يمنحه الاسرائيليون فرصة يثبت ان نظريته في قمع الانتفاضة عن طريق الضربات المتلاحقة وتعميق النزف الفلسطيني هي السياسة الوحيدة لايقافها، فحدد لنفسه مائة يوم فقط ليعتبر بعدها الاسرائيليون الانتفاضة في خبر كان. وعندما اوشكت المهلة على الانتهاء ولم يتمكن شارون من تحقيق اهدافه استخدم الطائرات المقاتلة (اف 16) المتطورة في مواجهة الحجارة والبنادق الخفيفة. وعلى عكس ما توقع شارون فان هذا التصعيد اسهم في تعبئة قوى جديدة في المواجهة والصمود، وكان من نتائجه ان برزت تساؤلات داخل الاوساط الاسرائيلية حول الاسباب الكامنة وراء استخدام الطائرات في قمع الانتفاضة. ـ والأمر الثاني ان شارون متهم بالاجرام والفساد ومن السهل جدا استخدام ملفاته في هذا المجال حال تجاوزه الخطوط المعقولة لممارسة العنف والقوة وبما ينعكس سلبا على الاستقرار في المنطقة عموما. وبرنامج بانوراما الذي بثه التلفزيون البريطاني (بي بي سي)، يعد مثلا واضحا على هذا التوجه الذي من شأنه تعبئة الرأي العام العالمي ضد وجود شخص يرأس حكومة في الوقت الذي توجه له تهم تنفيذ مجازر بحق مدنيين عزل كما حدث مع شارون في مذبحة صبرا وشاتيلا، وقد تفاعلت هذه القضية بشكل واضح الى ان بلغت القضاء في بلجيكا، وهو الجهة القضائية المعنية بمطاردة مجرمي الحرب. وقد اقر القضاء البلجيكي شرعية الدعوى التي رفعها متضررون وضحايا فلسطينيون ضد شارون. وهناك ملف آخر لا تفتأ الصحف العبرية تشير اليه بشكل متواصل وهو ملف الفساد والمتهم فيه شارون بداية بتلقي عمولات ورشاوى وحتى الاحتيال والتدليس واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية تترجم في النهاية الى ارقام باسمه واسم ابنائه في البنوك الاسرائيلية والاجنبية. ويختتم الباحث تحليله بالقول: «ولأن شارون جنرال المفاجآت والتوقعات غير المحسوبة كما يطلق عليه، ولانه صاحب المشاريع والمخططات المتعددة التي ينوي تنفيذها تحت ضوضاء العمليات العسكرية، فان الامر سينتهي به الى احد امرين: نصر كاسح، او هزيمة ساحقة. غير ان من يقرأ جيدا المعطيات السياسية سواء كانت داخل فلسطين او خارجها اضافة الى ضرورة انسجام نهاية شارون مع كل من سبقه في الحكم، يدرك انه الى الهزيمة اقرب منه الى الانتصار». الكتاب: رؤساء حكومات اسرائيل والأزمات المحتومة المؤلف: نبال الخماش الناشر: دائرة المطبوعات والنشر ـ الاردن =