الإنترنت حققت اللامركزية في المعرفة ورأس المال.. والسلطة

كتاب أميركي عن دور الشبكة الإلكترونية في إشاعة الديمقراطية، وتمكين الإنسان العادي من امتلاك مصيره

TT

رسم كتاب ميشيل لويس قبل الأخير «الشيء الجديد الجديد» 1999 صورة خلابة لوادي السيليكون وحيويته الصاخبة ومناخه الابداعي، مركزاً على جيم كلارك مؤسس نيتسكيب. أما كتابه الأخير «المستقبل حدث للتو»، فيبدأ من حيث انتهى سابقه، مستعرضاً بعض الأبعاد الاجتماعية للإنترنت.

ومع أن «المستقبل» مشوق وقابل للقراءة إلا أنه ذو بنية غير نظامية ـ فهو يحتشد بالتهويمات والاستطرادات والأحكام العجولة.

ويبدو أن الانهيار الأخير لمؤشر نازداك لم يزعزع ايمان لويس بالتكنولوجيا أو مقدرتها على تغيير حياة الناس. وهو يقول ان «ربحية الإنترنت» ربما تكون قد خضعت للمبالغات، ولكن آثارها الاجتماعية من القوة بمكان.

ويكتب قائلاً: «زيادة سرعة تبادل المعلومات ليست كل ما فعلته الإنترنت. انها مكنت الناس من خرق كل القوانين والخروج على كل أنواع التقاليد. وهي لم تصب بالاضطراب وتحول النظام التجاري وحده فكثير من أشكال السلطة كانت تعتمد على أقفال لا يعرف كيف يفضها الا القليلون».

وقال ان الإنترنت لعبت دوراً في توسيع التوجهات الديمقراطية، وذلك بتوفيرها للمعلومات حول كل شيء تقريباً، من الاسهم إلى الأحكام القضائية إلى السياسة. إنها تؤدي إلى محاصرة نفوذ الخبراء والنخب وتمكن الانسان العادي من امتلاك مصيره.

وباشاعة اللامركزية في المعرفة ورأس المال، والسلطة، فإن نموذج الهرم التراتبي ينهار ويخلي السبيل لنموذج الفطيرة المسطحة».

وقلصت الإنترنت مصادر السلطة التي كانت وقفاً على العالمين ببواطن الأمور، مثل السيطرة على قنوات التوزيع، والتحكم في الملكية الفكرية، والسيطرة على المعلومة. كل هذا حدث بالفعل، مع أنها ما تزال بطيئة، ومتاحة فقط لأقل من نصف مجموع السكان. وهذا يعني ان ما حققته الإنترنت اليوم من زعزعة للسلطة، ستقوم به غداً بصورة أسرع واكثر فعالية.

ليس هناك أي جديد في هذه الملاحظات، ولكن لويس يبرهنها بأمثلة محددة. موضوعه الأول كان عن جوناثان ليبيد، الطالب في جامعة نيوجيرسي البالغ من العمر 15 سنة، والذي كان أول قاصر اتهم بتزوير السندات من قبل لجنة السندات والتبادل. قالت اللجنة ان ليبيد، عندما كان عمره 14 سنة، صار يدير مشروعاً للسندات استخدم فيه الابتزاز، ناشراً مواد دعائية لشركات، وعندما ارتفعت اسهمها قام ببيعها. وقال لويس ان هذا المراهق حقق ارباحاً وصلت إلى 800 ألف دولار خلال ستة أشهر. ويفسر لويس هذه الحادثة بأنها تؤذن بنهاية خبير وول ستريت وصعود نجم المستثمرين والمحللين الهواة. وهو لا يكتفي بالقول ان أفعال جوناثان ليست مختلفة عما يقوم به مديرو المدخرات والمحللون بوول ستريت، عندما يقومون بتحليل فرص الشركات المختلفة، لكنه يضيف أن لجنة السندات عندما تطارد هذا الشاب «فإنما هي تلاحق الناس الذين من المفترض أن تسبغ عليهم الحماية!».

كثير من الحالات التي يتعرض لها كتاب «المستقبل» تتعلق بشباب: مجموعة من الصغار الذين استهوتهم الامكانيات التي تتيحها الإنترنت.

ويكتب لويس «عندما تشجع الرأسمالية هذا القدر الهائل من التغيير والتطور، فإن الأطفال تكون لهم ميزات كبيرة على الكبار: فهم لم يحددوا بعد من يكونون لم يتأطروا بعد في هوية محددة. وبالتالي فإنهم على استعداد كامل لاستبدال هوياتهم القديمة بأخرى جديدة ـ وبالطبع ليست الإنترنت وحدها هي التي تفعل ذلك، فالتقنيات الحيوية توفر فرصاً هائلة للتغيير».

يتعرض لويس كذلك لحالة دانيال شيلدون، 14 سنة، وهو يعيش مع امه المنفصلة عن ابيه في مدينة صغيرة خارج مانشستر بانجلترا. انه ساحر كومبيوتر، علم نفسه بنفسه، وصار من الدعاة لبرنامج يسمى غنوتيلا (يمكن المشاركين من تبادل الملفات، والسعات الكومبيوترية، وغير ذلك من محتويات الكومبيوتر دون خدمات كومبيوتر مركزي، بل مباشرة من خلال الإنترنت).

وهناك ماركس ارنولد، الذي أصبح ولما يتعدى الـ 15 سنة، الخبير القانوني الأول في موقع Ask Me.com، والذي يجيب من خلاله على عشرات الأسئلة يومياً، معتمداً فقط على المعلومات التي يحصل عليها من خلال مشاهدة الحلقات التلفزيونية حول القوانين.

ويقلل لويس بصورة جدية من الأبعاد المزعجة في شهرة أرنولد مؤكداً أنه لا يمثل خطراً «إلا لنفسه، وربما، لأولئك الذين يطلبون نصائحه. ويقوده ولعه بتبسيط مواضيعه إلى أحكام شديدة الاستخفاف بالحقائق» ان كتاب ميشيل لويس ليس أكثر من مقالات متعددة كتبت لمجلات، اكثر منه كتابا مترابط الأجزاء، فهناك مثلاً فصول عن التلفزيون، جيدة في حد ذاتها، ولكن ارتباطها بموضوع الكتاب ضعيف تماماً. لكنه يثير مواضيع بالغة الأهمية مثل أثر الإنترنت على العملية السياسية، بالرغم من انه يعالجها بابتسار شديد. كما ان مواضيع اخرى مثل تأثير الإنترنت على الشخصية الانسانية لم تحظ إلا بملاحظات عامة لا تضيف جديداً.

المستقبل حدث للتو المؤلف: ميشيل لويس

* خدمة نيويورك تايمز ـ (خاص بـ «الشرق الأوسط»)