الانتفاضة الفلسطينية الثانية.. تجاوز مرحلة أوسلو

سمات وخصائص تميز انتفاضة الشعب الفلسطيني الحالية عن الانتفاضة الأولى

TT

تشكل الانتفاضة الفلسطينية بما يشبه اجماع مختلف الاطراف والاطياف والتحليلات نقطة تحول بالغة الاهمية في مسيرة القضية الفلسطينية والنضال الفلسطيني الشامل من أجل التحرير والاستقلال وبناء الدولة الفلسطينية المعززة بكامل مقوماتها المركزية الجوهرية السيادية.

كما باتت تشكل محطة فاصلة ما بين مرحلتين وخطابين، فقد اسقطت الانتفاضة مرحلة وخطاب مدريد وأوسلو بكامل مرجعياتهما وملاحقهما ونتائجهما على قاعدة القراءة الاسرائيلية معززة القراءات الفلسطينية المتمسكة بقرارات الشرعية الدولية.

يقول الدكتور اسعد عبد الرحمن في كتابه «الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية» الذي صدر عن مكتبة الرأي حديثا، وشاركه في تأليفه الباحث نواف الزرو، ان انتفاضة الاقصى سجلت مرحلة وخطابا جديدين ستكون لهما بالتأكيد مرجعياتهما وملاحقهما وحصادهما النوعي المتميز والمكمل تماما لحصاد الانتفاضة الفلسطينية الاولى 1987 ـ 1993، لكن على مستوى نوعي اكثر نضوجا وصلابة وشمولية.

ويتناول الكتاب الخطط والاستعدادات الاسرائيلية ضد الفلسطينيين التي كانت جاهزة ومبيتة ومن بينها خطة «حقل الاشواك» الحربية التي تعتبر اخطر الخطط الحربية الاسرائيلية وتقضي بنشر الدبابات وعزل المناطق الفلسطينية وخنق الشعب الفلسطيني واقتحام المدن والمخيمات والقرى، فيما يتناول الفصل الثالث جبهات المواجهة واسلحة وادوات الحرب، حيث استخدم جيش الاحتلال القوى القصوى واصدر تعليمات صريحة بقتل الفلسطينيين بدم بارد. ومن اخطر الاجراءات الاسرائيلية اطلاق النار على الرأس والصدر، والحصار والاطواق العسكرية، واستخدام المروحيات والصواريخ والدبابات، وتفعيل الوحدات الخاصة وفرق الاعدام الميداني، واستخدام الرصاص الحي وقذائف اليورانيوم.

ثم يحدد المؤلفان سمات الانتفاضة ودلالاتها وتداعياتها من السمات والخصائص في مقدمتها الشمولية، حيث انفجرت الانتفاضة في ارجاء فلسطين كافة من النهر الى البحر مرة واحدة، وامتد افقها الجغرافي من اقصى شمال فلسطين الى اقصى جنوبها ومن غربها الى شرقها. وان كانت فلسطين قد شهدت على مدى سنوات نضالها السابقة انتفاضات واسعة جغرافيا، الا ان الانتفاضة الكبرى الثانية كانت الاشد شمولا والارسخ بعدا ودلالة. فشرارة الانتفاضة انطلقت من قلب المدينة المقدسة لسمو مكانتها في الوجدان الفلسطيني والعربي والاسلامي والمسيحي ولما يثيره اي عدوان عليها من حساسية، الامر الذي جعلها تشمل كل فلسطين التاريخية، فاختفى لأول مرة منذ عام 1948 ما يسمى «الخط الاخضر» او الخط الفاصل بين مناطق 1948 ومناطق 1967، الامر الذي اعاد خريطة فلسطين الطبيعية الى واجهة الاحداث.

وبالاضافة الى ذلك فإن شمولية الانتفاضة لم تقتصر على الناحية الجغرافية وانما شملت كذلك النواحي الديموغرافية والاجتماعية، حيث شارك فيها الفلسطينيون في المدن والقرى والمخيمات والمواقع كافة رجالا ونساء واطفالا وشيوخا وطلابا وعمالا وحرفيين، بالاضافة الى انها ابرزت مضامين الخطاب السياسي الاعلامي الفلسطيني ازاء مختلف القضايا بصورة اوضح وابلغ مما ظهر في الانتفاضة الاولى.

افرزت الانتفاضة جملة من النتائج والتداعيات فلسطينيا وعربيا ودوليا واسرائيليا: فعلى الصعيد الفلسطيني وضعت الانتفاضة حدا لاتفاقيات اوسلو التي فشلت في انهاء الاحتلال وايجاد حل عادل للقضية الفلسطينية.

وعلى الصعيد العربي شكلت رافعة في غاية الاهمية لاستنهاض الحالة الشعبية العربية الى اقصى مدى، مما حدا بالدول العربية الى عقد قمة عربية طارئة في القاهرة في الواحد والعشرين من شهر اكتوبر (تشرين الاول) عام 2000 باسم قمة الانتفاضة. ودفعت بعض الدول العربية الى قطع العلاقات مع اسرائىل والى تقديم الدعم المادي للشعب الفلسطيني اضافة الى الدعم الاعلامي والثقافي.

الى ذلك ازعجت الانتفاضة قسما من القيادات الرسمية العربية وسببت لها الارتباك السياسي، احرجت الحكام العرب على العودة للحديث عن القضية الفلسطينية باعتبارها القضية المركزية، في حين ولدت الانتفاضة في انحاء العالم العربي حركة انتفاضة شعبية اقتصادية وسياسية قومية تمثلت بحملات مقاطعة المنتجات الاميركية والاسرائيلية. وعلى الصعيد الدولي فقد نجحت الانتفاضة في كسب قطاعات واسعة من الرأي العام العالمي، وكشفت حقيقة الاحتلال الاسرائىلي ومجازره امام المجتمع الدولي، كما انها احدثت تحولا في المجتمع الاسرائيلي واظهرت ان حكومة اسرائيل غير ناضجة لصنع السلام العادل.

الانتفاضة الفلسطينية الكبرى الثانية المؤلفان: د. أسعد عبد الرحمن ونواف الزرو الناشر: مكتبة الرأي