حقوق الإنسان في السعودية.. والرؤية الغربية

كتاب يرى أن عدم الإلمام بطبيعة المجتمع السعودي أدى إلى سوء فهم الهيئات المهتمة وخاصة منظمة العفو الدولية

TT

د. عمر الحسن* تعاظم الاهتمام بحقوق الانسان في أعقاب الحرب العالمية الثانية من خلال عدد من الاتفاقيات الدولية والاقليمية في إطار الأمم المتحدة التي لجأت بدورها الى عدد من الوسائل لتعزيز احترام هذه الحقوق مثل نشر الاتفاقيات الخاصة بها وانجاز الدراسات وعقد الندوات وانشاء الهياكل المؤسسية الخاصة بها.

في هذا الاطار أصدر «مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية» كتاباً تحت عنوان «حقوق الانسان في المملكة العربية السعودية... دراسة لمظاهر الرعاية السعودية لحقوق الانسان في إطار الخصوصية الحضارية والدينية».

جاء في مقدمة الكتاب ان حقوق الانسان أصبحت فكرة عالمية، مدللاً على ذلك بالقبول العالمي للمواثيق والاعلانات المعنية بها، مشيراً في هذا الصدد الى اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة ما يقرب من 24 اعلاناً خاصاً بحقوق الانسان، بدءاً بالاعلان العالمي لحقوق الانسان عام 1948 وغيره من المواثيق والاتفاقيات الدولية والاقليمية، اضافة الى وجود عدد كبير من المنظمات المحلية والاقليمية والدولية الهادفة الى تنمية الوعي بهذه الحقوق والدفاع عنها.

لكن بالرغم من ذلك، يؤكد الكتاب ان حركة حقوق الانسان بمختلف ابعادها وجوانبها تعاني العديد من المشاكل والمعوقات التي تقف أمام انطلاقها نحو رفعة الانسان وتقدمه، ومنها:

عمليات سوء الفهم السائدة حول مضامين بعض المذاهب والأديان في ما يتعلق بحقوق الانسان وطغيان الاعتبارات السياسية على الاعتبارات الانسانية، ومن ثم فقدان حركة حقوق الانسان لمصداقيتها، وعدم الاتفاق على مضمون واحد لحقوق الانسان يحظى بالقبول من كل دول العالم، ومسائل الخصوصيات الثقافية والدينية وعلاقتها بحقوق الانسان ومبدأ عالمية هذه الحقوق، وتجاهلها من قبل الكثير من منظمات حقوق الانسان رغم إقرار العديد من المواثيق بهذه الخصوصيات، فالعلاقة بين الخصوصية والعالمية ليست تضارباً او تضاداً وانما هي علاقة تكامل وتفاعل.

وفي ظل هذه الاشكالات الأربعة تتعرض بعض الدول ومنها السعودية لبعض الانتقادات في مجال حقوق الانسان.

وبعض هذه الانتقادات نابع من محاولة فرض مضامين واحدة لحقوق الانسان تطبق على كل الدول والمجتمعات والحضارات، وهذا ما يتضح في الانتقادات المتعلقة بمسائل العقوبات في السعودية ووضع المرأة ومجلس الشورى بشكل خاص، وانتقاد عقوبات الاعدام والجلد وقطع اليد وهذه كلها امور تتصل بأحكام الدين والتي لا يمكن تغييرها لأي سبب من الأسباب.

أما البعض الآخر من هذه الانتقادات فربما يكون ناتجاً عن تجاوزات فردية لا تعكس سياسة الدولة السعودية، وهذا من طبائع الأشياء في كل الدول والمجتمعات، ثم ان هناك استهدافاً من قبل بعض الهيئات المعنية بحقوق الانسان للسعودية، من خلال التركيز غير العادي واللافت للنظر من قبل منظمة العفو الدولية عليها خلال العامين 2000 و2001 وغيرها من المنظمات الأخرى.

ان عدم الإلمام الكافي بطبيعة المجتمع السعودي يلعب دوراً كبيراً في سوء الفهم الحادث في هذا الصدد.

ويؤكد الكتاب تفاعل السعودية الايجابي مع الحركة العالمية لحقوق الانسان، موضحا ذلك في النقاط التالية:

ـ مساهمة السعودية في عدد من صناديق حقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة مثل صندوق ضحايا التعذيب وصندوق منع التمييز العنصري وصندوق حقوق الطفل وغيرها من الهيئات.

ـ حرص السعودية على الحضور الفاعل في الاجتماعات السنوية للجنة حقوق الانسان بالأمم المتحدة.

ـ تعاون المملكة مع منظمة العفو الدولية، ودعوة المسؤولين الدوليين في مجال حقوق الانسان لزيارتها.

ـ انتخاب المملكة في مايو (ايار) عام 2000 لعضوية لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان في ما اعتبر بمثابة رد بليغ على الانتقادات الموجهة لها.

ـ تصديق المملكة على العديد من المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الانسان، مثل:

الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب التي اعتمدت في 10/12/1984، واتفاقية منع جريمة الابادة الجماعية والمعاقبة عليها عام 1948، واتفاقية حقوق الطفل عام 1989، واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة عام 1966.

ولاحظ الكتاب عدم توقيع السعودية على بعض مواثيق حقوق الانسان وتحفظها على بعض بنودها، مشيراً الى ان توقيع السعودية على هذه الاتفاقيات من عدمه محكوم بمدى اتفاقها او اختلافها مع الشريعة الاسلامية، فضلاً عن مدى احترامها او تجاوزها لمقتضيات السيادة الوطنية، وهو حق لكل دولة، استخدمته كل الدول، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

وأكد الكتاب ان الشريعة الاسلامية كانت خطاً أحمر لم تقبل الدول العربية تجاوزه وهو ما ظهر جلياً في المناقشات التي دارت حول حقوق المرأة والطفل وغيرها من الحقوق المتصلة بالانسان.

وعلى المستوى الداخلي، تشهد المملكة حركة مستمرة للتطور في مجال حقوق الانسان، من خلال وضع لوائح جديدة للمهن القانونية ومهنة المحاماة وإصدار نظام لاجراءات المحكمة الجنائية وانشاء لجنة للتحقيق في مزاعم التعذيب في السجون، ولجنة أخرى لرعاية السجناء ونزلاء الاصلاحيات والمفرج عنهم ورعاية أسرهم ودراسة إعداد قانون شامل لعمالة المرأة ومناقشة قضاياها بدرجة عالية من الحرية والشفافية، وانشاء لجنتين لحقوق الانسان وأقسام في الجهات الحكومية ذات الصلة، وموافقة مجلس الشورى على إنشاء «نقابات عمالية»، وتعزيز نظام الانفتاح الاقتصادي.

وعرض الكتاب الى توضيح الرؤية الاسلامية لحقوق الانسان، مشيراً الى أهم جوانب الاختلاف بين الخصوصية الثقافية والدينية للمجتمع السعودي، والرؤية الغربية في ما يلي:

ـ مركزية الله في التصور الإسلامي، وان الانسان هو خليفة الله في الأرض، ومن ثم تنقسم الحقوق الى نوعين: حقوق الله، وهي حقوق مطلقة يتعين على المسلمين احترامها والالتزام بها، وحقوق الانسان وهي حقوق نسبية تتقيد بالأطر العامة لحقوق الله كما يسمى بـ«عقد الاستخلاف».

ـ ان الاسلام يقر مجموعة من الحقوق مثل حفظ الحياة، والحفاظ على المال (الملكية) والمحافظة على النسل (المرأة والأسرة) والمحافظة على العقل والمحافظة على الدين بغية الحفاظ على الأمن الاجتماعي والآداب العامة.

ـ تشكل كل من قيمتي «العدالة» و«المساواة» مركزاً متقدماً في إطار التنسيق القيمي الاسلامي.

ثم أوضح الكتاب أهم القضايا محل الخلاف بين الرؤيتين الاسلامية والغربية لحقوق الانسان في ما يلي:

ـ حقوق المرأة، مبيناً حق المرأة في الاسلام وموضحاً بعض النقاط الخلافية بين الاسلام والغرب مثل فكرة القوامة في الاسلام وزواج المسلمة من غير المسلم ونظام الإرث في الاسلام وتعدد الزوجات وعقوبة الاعدام، (حد القصاص). وأوضح الكتاب عقوبة الاعدام في الاسلام، مشيراً الى ان الشريعة الاسلامية هي شريعة متكاملة ومترابطة وان «العقوبات العادلة» في الاسلام تستهدف ردع المعتدين وكفالة الأمن والطمأنينة بين الجماعة الاسلامية بغية مساعدة الانسان على تحقيق غاياته الأولى المتمثلة في إعمار الأرض. ثم تناول الكتاب الرد على الانتقادات الموجهة من قبل بعض التقارير الدولية الخاصة بأوضاع حقوق الانسان في البلدان التي تطبق الشريعة الاسلامية كالسعودية، ومنها حد القصاص وحرية الفكر والرأي. وأوضح الكتاب حجم الاختلاف بين الفهم الاسلامي لتلك الحقوق، وفهم المنظمات لجوهر الشريعة الاسلامية ومضمونها، مؤكداً ان الاسلام يفرق بين الدعوة للإلحاد والحوار العلمي الرصين بين الأديان المختلفة، وغير ذلك من الأمور، وحقوق الأقليات الدينية في الاسلام، وهي حقوق مكفولة في الاسلام من حيث حرية ممارسة الشعائر الدينية واحترام الخصوصية، وهناك العديد من الشواهد التي تؤكدها.

ثم تطرق الكتاب في جزئه الثاني حول «حقوق الانسان السعودي.. الخصوصية في إطار العالمية» الى توضيح فكرة الخصوصية الثقافية لبعض الحضارات حيث لعبت بعض الدول العربية والاسلامية، حفاظاً على فكرة الخصوصية، دوراً مؤثراً في صياغة الشرعية الدولية لحقوق الانسان وتمكنت من ادخال بعض التعديلات على مشروع الاعلان العالمي لحقوق الانسان وبعض المواثيق والاتفاقيات الدولية المتعلقة بهذا الشأن.

وأكد الكتاب ان التصور السعودي الخاص بحقوق الانسان المستند الى الاسلام يتميز بسمات معينة، تكسبه خصوصية في هذا المجال تبعاً للمواثيق الدولية، وتلك الخصوصية تظهر من ناحية مصدرها، فهو الله وهذا خير ضمان لها، ومن ناحية إنفاذها، فالسعي اليها وتدعيمها والنضال من اجلها هو واجب كل مسلم، ومن حيث شموليتها، فهي تشمل الحقوق الشخصية الذاتية والفكرية والسياسية والقانونية والاجتماعية والاقتصادية، كما انها تشمل الرجال والنساء والأطفال والمسلمين وغير المسلمين داخل دولة الاسلام او خارجها. وعليه يمكن رد التصور السعودي لحقوق الانسان في إطار كالحركة العالمية الى مجموعة من المبادئ الأساسية، منها: شمولية حقوق الانسان، فهي تعني الحقوق المدنية والسياسية، وكذلك الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والتأكيد على الحقوق الجماعية، وبصفة خاصة الحق في تقرير المصير والحق في التنمية والحق في بيئة نظيفة والتمسك بالخصوصية الدينية القائمة على الشريعة الاسلامية، وخاصة في مجال الأسرة وحرية الرأي والعقيدة واحترام السيادة الوطنية والسلامة الاقليمية وعدم اتخاذ حقوق الانسان وسيلة للتدخل في الشؤون الداخلية للدول، مع تجنب الانتقائية والازدواجية عند النظر في معالجة مواضيع حقوق الانسان.

واختتم الكتاب بالتأكيد على فكرة أساسية وهي ان معظم الانتقادات الموجهة الى السعودية من قبل بعض منظمات حقوق الانسان هي انتقادات لأحكام دينية تتعلق بالعقوبات والمرأة وغيرها، وهذه لا يمكن تغييرها لأنها تتعلق بالهوية الدينية والحضارية وتتصل اتصالاً وثيقاً بالاستقرار السياسي والاجتماعي داخل السعودية وغيرها من بلدان العالم الاسلامي، وان الزج بالأديان في قضايا حقوق الانسان من شأنه ان يأتي بنتائج عكسية، ويدفع الى صراعات خطيرة على الأمن والاستقرار في العالم كله، وهذا مخالف للمواثيق الدولية لحقوق الانسان التي تؤكد احترام الخصوصيات الحضارية والثقافية للدول والمجتمعات المختلفة.

* مدير مركز الخليج للدراسات الاستراتيجية