السياسات الزراعية والأمن الغذائي العربي

إعطاء الأولوية للأهداف السياسية أحدث هوّة بين التشريع والتنفيذ في الإصلاح الزراعي

TT

ما هي المضاعفات المترتبة على تعثر السياسات الزراعية العربية؟ وما هي المشاريع والمخططات التي اتبعتها البلدان العربية لضمان الامن الغذائي العربي؟ والى اي مدى نجحت هذه المشاريع الاستراتيجية ـ التي يفترض انها فائقة الاهمية ـ في مجابهة الاستحقاقات وابعاد شبح المخاطر التي تتهدد الانسان العربي في لقمة عيشه؟ هذه التساؤلات تحاول الاجابة عليها د. منى رحمة، بالأرقام والإحصائيات في كتابها «السياسات الزراعية في البلدان العربية» الصادر عن «مركز دراسات الوحدة العربية».

تقسم المؤلفة الاصلاحات الزراعية العربية بين الخمسينات والسبعينات الى فئتين: الاصلاحات ذات الطابع الثوري الاشتراكي (مصر، سورية، العراق والجزائر)، والاصلاحات ذات الطابع الليبرالي (المملكة العربية السعودية، الاردن، المغرب وتونس). وبعد ان تدرس النماذج الاربعة من كل فئة، تستنتج ان الاصلاحات لم تحقق تقدماً اقتصادياً واجتماعياً لعدم وصولها الى تكثيف الانتاج نظراً للتخلف الناجم عن سوء الادارة وقلة المتخصصين والاعتماد على البيروقراطية والعجز في استعمال التقانة، وتسعير المحاصيل الزراعية تسعيراً حكومياً يميز المستهلكين من سكان المدن بهدف المحافظة على قوتهم الشرائية على حساب المزارعين مما ساهم في تراجع الانتاج، اضافة الى اعطاء الاولوية للاهداف السياسية التي احدثت هوّة بين التشريع والتنفيذ في الاصلاح الزراعي.

وهكذا فان الاصلاحات وخطط التنمية التي اعتمدتها البلدان العربية حتى اواخر السبعينات لم تستطع حل معوقات الانتاج الزراعي العربي وفي مقدمتها قلة المصادر المائية بالدرجة الاولى، لأن الزراعة العربية تعتمد بالاجمال على الامطار فيما الانتاج المطري منخفض مقارنة بالانتاج الاروائي وهو يتعرض لتقلبات كبيرة تبعاً لوفرة ومدى سقوط الامطار. والعامل الآخر هو أن عدم كفاية مصادر المياه وسوء توزيعها واستعمالها الاعتباطي أدت الى هدر المياه بالتبخر والسيلان والتسرب والى حصول ضغط كبير على المياه الجوفية. والمياه ليست المشكلة الوحيدة بل تضاف اليها المشاكل الطبيعية والاقتصادية وعدم كفاية مستلزمات الانتاج وضعف مستويات الابحاث الزراعية وانخفاض درجة مساهمتها العلمية في التنمية الزراعية، وعدم استجابة اقسام التعليم الزراعي في الجامعات وكذلك الخدمات الارشادية لحاجات المزارعين بتأمين الكادرات اللازمة.

وبعد الحديث عن معوقات الانتاج، تنتقل الدكتورة منى رحمة الى معالجة السياسات الزراعية الحالية في البلدان العربية لا سيما الاقراض واستصلاح الاراضي، وتبحث في السياسات التسويقية والانتاج الحيواني والتصنيع الزراعي ـ الغذائي متسائلة عما اذا كانت البلدان العربية قد توصلت الى احراز تطور يذكر طوال القرن العشرين في ظل كشوف علمية غيرت طبيعة التنمية لا سيما الزراعية منها.

وتعتبر المؤلفة ان التوسع في الانتاج الحيواني في البلدان العربية محدود بسبب فقر المراعي واهمالها وهو ليس من المجالات التي لها مقوماتها الاقتصادية بسبب انخفاض السلالات المحلية وعدم استخدام الاساليب المتطورة في تربية الحيوان في المجتمعات الرعوية وغياب نظام محدد للتحسين الوراثي له.

وعلى الرغم من ان الزراعة لا يمكن ان تتطور في غياب معامل تصنّع الفائض من محاصيلها، فإن البلدان العربية أهملت القطاع الصناعي ـ الزراعي بسبب النقص في الانتاج المحلي من المواد الاولية وعدم تنظيم تسليمها وتعطل بعض المعامل في الوقت الذي تفيض فيه المواسم وتتخطى القدرة الانتاجية للمعامل.

ولعل اهم ما في الكتاب هو انه يزود القارئ باحصاءات وجداول تفصيلية عن الاوضاع الزراعية في مصر وسورية والعراق والجزائر والسعودية والاردن وتونس والمغرب ولبنان، اضافة الى جداول اخرى تقوم على مقارنات بين المستوى الانتاجي العربي والمستويات العالمية.

ولكي تساهم السياسات الزراعية في النهوض الاقتصادي والاجتماعي العربي، تدعو الكاتبة الى إحداث تحولات سياسية عميقة تفسح المجال للشعوب العربية للتأثير بالسبل الديمقراطية في القرارات الاقتصادية والاجتماعية وطرق تنفيذها.

السياسات الزراعية في البلدان العربية المؤلفة: د. منى رحمة الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية.

----------------------------

غلاف الكتاب