صفحات سوداء من كتاب طالبان

الصحافي البريطاني أحمد رشيد يكتب من الداخل عن مراحل الحرب الأفغانية

TT

تملأ مشاهد القتل والعنف والدمار اكثر صفحات كتاب «حركة طالبان» لمؤلفه مراسل صحيفة «الديلي تلغراف» اللندنية احمد رشيد ابتداء من النهاية الدموية لحكم نجيب الله الموالي للاتحاد السوفياتي السابق عام 1996 وحتى الآن:

«تسلل الطالبانيون الى غرفة نجيب الله وأخذوا بضربه هو وشقيقه حتى فقدا وعيهما ثم كبلوهما ووضعوهما في سيارة «بك أب» ونقلوهما الى قصر الرئاسة المظلم فشدوا جسد نجيب الله خلف سيارة «جيب» اخذت تدور به عدة مرات حول القصر ثم أطلقوا عليه الرصاص حتى فارق الحياة، اما شقيقه فقد عذبوه بنفس الطريقة وشنقوه حتى الموت. بعد ذلك علقوا الجثتين عند حاملة اشارة المرور الكونكريتية».

ان القتل وفق طريقة معملية اصبح ملازماً للحياة الأفغانية خلال السنوات الأخيرة، واضفت حركة طالبان شدة وضراوة على الحياة السياسية والعسكرية للبلد المحاصر بشكل لم يُعرف له مثيل من قبل، مما قاد ذلك الى تشتت وتمزق الحكومة الاسلامية نفسها. وبسبب معرفته الجيدة بأحوال أفغانستان وعمله كصحافي غطى معظم مراحل الحرب الأفغانية، يعتبر المؤلف احمد رشيد مرجعية جيدة بهذا الشأن، لقد استطاع خلال هذه المتاهة الشائكة من مشاكل الولاء القبلي والعنصري والديني في أفغانستان وسياسات بلدان وسط آسيا التوسعية، أن يعرض صورا نموذجية عن الطموحات التوسعية لبعض البلدان المجاورة والعلاقة المتميزة بين باكستان وحركة «طالبان». واستطاع ان يكشف النقاب عن طبيعة وأفكار الملا عمر الذي يعشق الجبال وتولى في الماضي التصدي لكلا الامبراطوريتين البريطانية والسوفياتية، ويصوره بعكس ما هو معروف عنه كاستراتيجي عسكري مقتدر وسياسي متروٍ وحذر يفهم بشكل جيد ضعف وتقلب اهواء السياسة الغربية في المنطقة.

وينبهنا المؤلف الى عاملين مهمين: اولهما ان مدن الشمال الأفغاني تمتلك اكبر احتياطي للنفط في العالم، مما يؤهلها لان تحتل أهمية جغرافية مركزية في القرن الواحد والعشرين، وثانيهما ان العنف الذي تفجر في أفغانستان قد زود حركة طالبان بجيل من الشباب ترعرع مفتقداً تلك الروابط القبلية والعائلية، التي كانت سائدة في أفغانستان القديمة، انه الجيل الذي لا يعرف سوى الحرب. ففي مرحلة معينة من مراحل الحرب في كوسوفو كان من الغريب ان تسأل أحداً اين يسكن إذ ان الجواب سيكون بالتأكيد «لا بيت لي سوى الحرب». وفي أفغانستان يمكن القول ان الحالة أخذت تسوء يوماً بعد يوم حتى وصلت ذروتها بعد أحداث نيويورك وواشنطن وقيام الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا بشن الحرب ضدها.

والى جانب خوضه في موضوع الحرب الأفغانية والطريق الدموي الطويل الذي سلكته حركة طالبان الى السلطة، لا يستثني المؤلف احمد رشيد تناول بعض المواضيع الجيو ـ استراتيجية، فيستعرض طبيعة السياسة الأميركية في تلك المنطقة، وأدوار بعض اللاعبين الآخرين الكبار كروسيا وتركيا. لكن يبدو واضحاً ان السياسة الروسية الحالية تميل الى عدم توريط نفسها مرة أخرى في أفغانستان. أما تركيا فانها عانت كثيراً من التكاليف الباهظة في وسط آسيا ولا يبدو انها قادرة على ملء دور الولايات المتحدة الأميركية في ما يخص السياسة الاقليمية اكثر مما قام به شاه ايران السابق.

المهم في هذا الكتاب انه يتناول مشكلة كبيرة لم يسع المجتمع الدولي الى توريط نفسه بها او لنقل انه لم يتعامل معها بشكل جدي. ومثل هذه المشكلة ما زالت تعاني منها بلدان أخرى مثل العراق والسودان ويوغوسلافيا وهي حاضرة على الورق وعلى القنوات الدبلوماسية لكنها غائبة عن العقل الحقيقي.

الكتاب: حركة طالبان المؤلف: احمد رشيد الناشر: تورسيل، لندن، 2001