داخل مكتبة الأزهر

تضم 34 ألف مجلد ونوادر المصاحف والمخطوطات ومزودة بأحدث نظم الفهرسة العالمية

كتاب «تفسير القرآن» للسجستاني كتب عام 155هـ
TT

تعد مكتبة الأزهر من أقدم المكتبات في مصر والعالم العربي والإسلامي، فقد أنشئت عام 1314 هجرية (1897 ميلادية) بتوجيه من الشيخ محمد عبده (شيخ الأزهر الأسبق)، وتحتوي على مجموعة نادرة من أمهات الكتب والمخطوطات الأساسية في التعرف على تراث الفكر الديني الإسلامي، وما يتعلق به من علوم أخرى، فضلا عن أن المكتبة نشأت في أحضان الأزهر الشريف، وواكبت مراحل تطوره وازدهاره.

يقول الشيخ محمد عبد القادر رئيس مكتبة الأزهر، إن «المكتبة الموجودة الآن ليست هي المكتبة القديمة التي يشير إليها المؤرخون، وإنما هي مكتبة قامت على أطلال المكتبة القديمة، ولم تظفر كلتا المكتبتين بقسط وافر من عناية المؤرخين يسفر عن بحث تاريخي خاص بهما يجمع شتات المراجع التاريخية».

وأضاف رئيس مكتبة الأزهر أنه «لم ينقل المؤرخون إلينا نماذج من محتويات المكتبة الأزهرية، وأول من أشار إلى عدد كتبها هو شيخ المؤرخين المصريين أحمد بن علي المقريزي (المعروف باسم تقي الدين المقريزي)، إذ أشار إلى أن الحاكم أمر بنقل نصف الكتب التي كانت موجودة بدار الحكمة إلى الجامع الأزهر والباقي إلى مسجده ومسجد (المقسى)، وأشارت (خطط المقريزي) إلى أن عدد الكتب بدار الحكمة بلغ مائة ألف كتاب، وهو ما يعني أن عدد الكتب التي نقلت بأمر الحاكم بأمر الله إلى مكتبة الجامع الأزهر قد بلغ خمسين ألف كتاب، إلى جانب الكتب الموجودة بمكتبة الأزهر من قبل هذا التاريخ، بينما أشارت مصادر تاريخية إلى أن الفرنسيين حينما اقتحموا الجامع الأزهر أخذوا كثيرا من الكتب والمخطوطات القيمة ونقلوها إلى مكتبة باريس».

وأوضح الشيخ عبد القادر، أنه قبل نقل المخطوطات والكتب إلى مكان مكتبة الأزهر الحالي، كانت موجودة في داخل الأروقة بالجامع الأزهر، وكان لكل رواق مكتبة، وبلغ عدد هذه الأروقة 30، حتى طالب الشيخ محمد عبده بضرورة جمع مكتبات الأروقة ومكتبات المساجد والزوايا في مكتبة أزهرية تجمع شتات الكتب المتفرقة من الأروقة خاصة أن بعض الباحثين والمؤرخين أشاروا إلى أن مكتبات الأروقة قد تعرضت للنهب حتى أن كثيرا من نفائس الكتب التي كانت موجودة بمكتبات الأروقة قد نقلت إلى الغرب، لافتا إلى أن أول مرة في مصر تتم فيها محاولة تسجيل الكتب التي تضمها الأروقة والمساجد تمت في عام 1270هـ، 1853م، حيث قررت وزارة الأوقاف إجراء جرد لمحتويات هذه المكتبات وأسفر هذا الحصر عن وجود 18 ألفا و564 مجلدا في المعارف والعلوم المختلفة إلا أن جميع هذه المخطوطات والكتب قد تسربت إلى خارج مصر.

كان عدد الكتب التي بدأت بها مكتبة الأزهر الشريف في عام 1897م، 7703 كتب، منها 6617 كتابا بطريق الإهداء و1086 كتابا عن طريق الشراء. وقد بلغ عدد الكتب في المكتبة الأزهرية، كما يذكر الشيخ محمد عبد القادر، 79 ألفا و123 كتابا تقع في 183 ألفا و668 مجلدا موزعة ومصنفة تصنيفا مكتبيا من المصاحف والقراءات وعلوم القرآن والتفسير ومصطلح الحديث والأصول والفقه - على المذاهب الأربعة - والمواريث والأحكام التشريعية وحكمة التشريع والفقه العام وعلم الكلام والمنطق وآداب البحث والفلسفة والتصوف والفضائل واللغة والصرف والنحو والبلاغة والعروض والقوافي والأدب والتاريخ والجغرافيا والأخلاق والتربية والاجتماع والقوانين واللوائح والطب والحساب والهندسة والجبر والمقابلة والفلك والأوراد وتعبير الرؤى والحرف والفراسة والكف والخط والرسم والإملاء والاقتصاد والتجارة والصناعة والزراعة والكيمياء والطبيعة والفروسية والطبوغرافيا والصور والرسوم والنحل والمعارف العامة واللغات الأجنبية واللغات الشرقية.

وتحتوي أرفف مكتبة الأزهر على مخطوطات نادرة ومصاحف، يتحدث عنها الشيخ عبد القادر، قائلا: «يبلغ عدد المخطوطات النادرة بالمكتبة 34 ألف مخطوط يرجع تاريخها إلى القرن الثالث الهجري وما بعده، فيوجد عدد من المصاحف الشريفة والربعات المخطوطة لمختلف العصور منها ما هو منسوخ بالخط الكوفي والثلث والفارسي والنسخ ويغلب عليها الكتابة المحلاة بالزخارف والنقوش، منها قطعتان من مصحفين كتبا عام 465هـ، ومصحف مخطوط كتب عام 741هـ، ومصحف مخطوط عام 528هـ، أما مخطوطات القرن التاسع الهجري وما بعده فهي كثيرة جدا بمكتبة الأزهر».

ومن المخطوطات النادرة في تفسير القرآن الكريم، تفسير «غريب القرآن» للسجستاني كتب عام 155هـ، و«تفسير سورة الفاتحة» لابن خبري الأندلسي كتب عام 627هـ، و«الكشاف» للزمخشري كتب عام 654هـ، و«التعريف والإعلام فيما أبهم في القرآن من الأسماء والأعلام» للسهيلي كتب عام 743هـ، والجزء الأول من «القول الوجيز في أحكام الكتاب العزيز» لأبي العباس السمين بخط مؤلفه عام 756هـ. ومن المخطوطات النادرة في الحديث النبوي الشريف، مخطوط «غريب الحديث» لابن سلام المتوفى عام 311هـ، والجزء الرابع من «مسند أبي عوانة» كتب عام 617هـ، والجزء الأول من «الإلمام في أحاديث الأحكام» لابن دقيق العيد كتب عام 731هـ، و«تحفة الأشراف بمعرفة الأطراف» للمزي المتوفى عام 742هـ، وقد كتب هذا المخطوط عام 725هـ، و«التوشيح على الجامع الصحيح» للسيوطي كتب عام 960هـ. أما في مجال الفقه فقد تضمن مخطوطات نادرة منها «عمدة الطالبين» لابن الوزير كتب عام 603 هـ بخط المؤلف، و«زاد الملوك» لابن المظفر، وقد أهداه مؤلفه إلى السلطان قلاوون، وكتب عام 860هـ.

وفي التاريخ توجد مخطوطات نادرة مثل «رسوم دار الخلافة في تقويم البلدان» كتب عام 596هـ، و«إنباء الغمر بأنباء العمر» للحافظ ابن حجر العسقلاني المتوفى عام 852هـ وقد كتبه عام 839هـ، ومسودة «حسن المحاضرة» للسيوطي بخطه، و«اقتطاف شقائق النعمان من رياض الوافي بوفيات الأعيان» كتب عام 990هـ بخط المؤلف، و24 جزءا من «تاريخ مدينة دمشق» لابن عساكر، و«آثار الأول في ترتيب الدول» للحسن بن العباس بخط المؤلف عام 709هـ، بالإضافة إلى الكتب النادرة في النحو والصرف والأدب والعلوم.

وعن كيفية تزويد مكتبة الأزهر، يقول الشيخ عبد القادر: «كان تزويد المكتبة يتم عن طريق الإهداء والشراء والاستنساخ وكان حظها موفورا، وكانت بها حركة نشيطة لنسخ الكتب أو تكميلها، وقد أخذت عوامل التزويد في الانكماش لقلة حركة الإهداء من المؤلفين والناشرين وارتفاع أثمانها، ثم بدأت في الآونة الأخيرة حركة الإهداء تنشط سواء عن طريق إهداء الرسائل الجامعية أو إهداء بعض المكتبات عن طريق مكتب الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وكذا مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر وجامعة الأزهر الشريف».

يقول الباحث محمد شوقي، وهو من رواد المكتبة: «تؤدي المكتبة دور المكتبات العامة التي تزود راغبي الثقافات على اختلاف أعمارهم ومستوياتهم بالمواد العلمية في جميع فروعها كي تصل بهم إلى غايتهم، ويغلب على روادها أنهم على مستوى خاص من الثقافة وبخاصة الثقافة الإسلامية واللغوية من الباحثين وأصحاب الرسائل الجامعية، ومقصدهم الرجوع إلى المخطوطات النادرة التي تحتويها المكتبة، والتي يتعذر الحصول عليها من مكان آخر».

وتخضع المكتبة لهيكل تنظيمي يساعد على تنفيذ رسالتها العلمية والثقافية، وذلك عبر عشر إدارات منها إدارة المخطوطات والوثائق والميكروفيلم، والمطبوعات والببلوجرافيا، وخدمة القراء، والتعاون الثقافي، وتبادل المطبوعات والمصورات، والدوريات العربية والأجنبية.

وشهدت مكتبة الأزهر تطورا كبيرا خلال السنوات الأخيرة، حيث تم بناء قواعد بيانات ببلوجرافية لجميع مقتنيات المكتبة حتى تتيسر سبل الاستفادة من الرصيد الهائل من الكتب والمخطوطات واسترجاع المعلومات المطلوبة في أقل وقت ممكن، من خلال اتباع أحدث نظم التصنيفات العالمية والفهرسة والتكشيف الموضوعي، واستخدام برنامج المكتبات الآلية «alis»، كما يستخدم النظام الآلي «amis» بالنسبة للمخطوطات، وتم ربط المكتبة بقواعد وبنوك المعلومات العالمية عن طريق شبكة الإنترنت.