عزيز الله خوشوقت.. الملا الذي يمكن أن يذيب عاصفة ثلجية

كان واحدا من 3 شكلوا أركان منصب خامنئي «وليا فقيها وزعيما للمسلمين في جميع أنحاء العالم»

«الدرة المكنونة» المؤلف: عباس علي ماردي
TT

منذ نحو شهر مضى لم يكن قد سمع كثيرون بعزيز الله خوشوقت، وأكثر الذين سمعوا به لا يعرفون عنه سوى أنه واحد من 200 ألف ملا منتشرين على الساحة الإيرانية. لقد كان خوشوقت بالنسبة إلى عدد محدود مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، ويرتبط الاثنان بعلاقة مصاهرة، فإحدى بنات خوشوقت متزوجة من أحد أبناء خامنئي.

مع ذلك يكشف كتاب حديث يتناول سيرة خوشوقت عن كونه أكثر من ذلك. تم نشر كتاب «Hidden Pearl» (الدرة المكنونة) العام الماضي وسط حالة من اللامبالاة وعدم الاهتمام، حيث لم يقرأه كثيرون ولم ينقده أحد. كانت الطبعة ألف نسخة بحسب صحيفة «كيهان».

مع ذلك كان هناك الأسبوع الماضي اندفاع كبير نحو شراء الكتاب ونفدت كل النسخ في غضون 48 ساعة، وحثت صحيفة «كيهان»، التي يشرف عليها خامنئي، الأسبوع الماضي، مؤلف الكتاب عباس علي ماردي على نشر نسخ منقحة في السوق. ويستطيع خوشوقت، الذي تمتع بنفوذ كبير وحظوة في منزل خامنئي اتضحت عندما أشرف «المرشد الأعلى» بنفسه على إجراءات جنازة الرجل، إذابة عاصفة ثلجية، بحسب ما جاء في الكتاب. ويتناول كتاب ماردي شخصية خوشوقت كتلميذ مفضل لآية الله محمد حسين الطباطبائي الذي توفي عام 1981.

تقدم طقوس التلمذة الشيعية الطباطبائي كخليفة للملا صدر الدين الشيرازي وآخر الفلاسفة الدينيين الإيرانيين. لقد كان الطباطبائي رجلا يتمتع بحضور طاغ، وكان مثالا للنقاء في حياته الخاصة. مع ذلك لن يكون صحيحا أن نصفه بالفيلسوف؛ لأن الدين والاعتقاد واليقين مختلفين عن الفلسفة التي يعد الشك والتكهن ركنا أساسيا من أركانها. الهدف الأساسي للفلسفة هو طرح الأسئلة، في حين أن الدين يمتلك الأجوبة. كان حضور دروس الطباطبائي، خاصة تلك التي كانت تقام في الأمسيات بمنزله، مصدر بهجة ومتعة حتى بالنسبة إلى الذين يهتمون بالدين بدافع ثقافي بحت. كانت اللغة الأنيقة وقدرته العظيمة على وضع عناصر الإيمان في قوالب من الأفكار هي ما جذب إليه مجموعة متنوعة من العلماء، ومنهم عالم الشيعة الفرنسي هنري كوربين. كان من بين محبي الطباطبائي، الذي يلقب بالعلامة، الإمبراطورة فرح ديبا، زوجة الشاه. ومن أتباعه المتحمسين أيضا حسين نصر، رئيس ديوان الإمبراطورة فرح ديبا، الذي فعل الكثير من أجل نشر المذهب الشيعي في الولايات المتحدة.

قد أجريت مقابلة مع الطباطبائي عام 1970 تحدثت فيها معه عن الطريقة التي يقدم بها آية الله العظمى كـ«مرجع التقليد». ورفض الإجابة عن السؤال وقال إن هناك موضوعات أهم من ذلك. ونادرا ما تخفي عيناه الزرقاوان العميقتان ونبرته الأذربيجانية الرنانة حس دعابته. ومع كل هذا سيفاجأ قراء «الدرة المكنونة» بالكشف عن أن خوشوقت كان تلميذ الطباطبائي المفضل وخليفته.

يقدم لنا هذا الكتاب دليلا بسيطا على أن خوشوقت تمتع بوضع خاص في منزل الطباطبائي. ويقدمه أيضا كأستاذ للأخلاقيات وآية الله العظمى ومرجع للتقليد. مع ذلك الصورة الواضحة هي أنه عالم لاهوت موال للنظام، وأنه كان يعتقد أن النظرة العلمية للوجود ستؤدي إلى دمار الجنس البشري، متهما فلاسفة مثل غاليليو وكوبرنيكوس بمحاولة تدمير «الطبيعة المقدسة للعالم».

ويزعم الكتاب أيضا أن خوشوقت كان يمتلك «صفات خارقة للعادة» مكنته من الشعور بالنوايا الحقيقية «للإمام المهدي». وبفضل هذه الصفات، إن لم يكن بعلاقته القوية بالمهدي، كان خامنئي ينظر إليه كآخر حصن للقضايا اللاهوتية. وقد وصف موت خوشوقت بأنه «خسارة فادحة للإسلام». كذلك نقل عنه نصيحته للقيادة الإيرانية بالاعتصام بحبل خوشوقت عند مواجهة أي عاصفة.

ويتمادى ملا آخر، هو كاظم صديقي، إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يزعم أن خوشوقت أكبر مما يمكن أن يصل إليه خيال البشر، فقد كان واحدا من أولياء الله الصالحين الذين تجرعوا أكواب المعرفة من الإمام علي نفسه، كما يقول صديقي. ويكشف الكتاب عن شخصية خوشوقت، الذي توفي في مكة خلال رحلة العمرة الشهر الماضي، كرجل يعتقد أنه سيعيش حتى نهاية الزمان. ما يراه هو «معركة حاسمة» بين «جيوش الإمام» و«الكفار». وما يمكن أن يعجل بمعركة آخر الزمان هو نجاح الجمهورية الإسلامية في تكوين ترسانة من الأسلحة النووية.

بحسب الكتاب، اعتقد خوشوقت أن ما يفعله الناس في حياتهم اليومية أثر على شكل تعديل الخالق للطبيعة حتى يكون لها رد فعل. على سبيل المثال إذا لم تلتزم السيدات الإيرانيات بارتداء الحجاب، يمكن أن يضرب طهران زلزال قد يسفر عن مقتل الملايين من الناس. لكن لا يقدم الكتاب سوى لمحات عن حياة خوشوقت السياسية. ومن الواضح أنه يحاول رسم صورة له كعالم لاهوت عظيم يعد الإسلام لعودة المهدي. مع ذلك يعرف عن خوشوقت لعبه دورا سياسيا مؤثرا وراء الستار، فقد كان واحدا من ثلاثة ملالي متوسطي الرتبة ترقوا إلى مرتبة آية الله العظمى بفضل الدعاية الإعلامية الرسمية.

والملا الآخر هو مجتبى طهراني، الذي توفي قبل بضعة أسابيع من وفاة خوشوقت. ويعني هذا أن الوحيد الذي لا يزال على قيد الحياة من الملالي الثلاثة هو محمد تقي مصباح اليزدي. وعرف عن الثلاثي أنهم أركان منصب خامنئي كـ«ولي فقيه» وزعيم للمسلمين في جميع أنحاء العالم. لقد استخدم خامنئي الثلاثي في إصدار فتاوى ضد خصومه السياسيين. ومنذ عشرين عاما أصدر خوشوقت فتاوى تبيح اغتيال عدد من المفكرين الإيرانيين أثناء فترة رئاسة محمد خاتمي. وأطلق على قادة الحركة الخضراء وصف «كفار» وأنهم خرجوا عن الإسلام.

الخلفية العلمية للثلاثة مختلفة، فقد تخرج طهراني في الحوزة بقم ويعد ملا تقليديا. أما خوشوقت فقد انغمس في الفلسفة من خلال حضور الحلقات الدراسية للطباطبائي. وكان مصباح اليزدي تلميذا غير نظامي لأحمد فريد، أشهر تلاميذ هيدجر من الإيرانيين.

ولعب الثلاثي دورا أساسيا في تكوين تحالف من الملالي وعناصر الحرس الثوري الإيراني. ومنذ ستة أعوام ساعدوا في دعم أحمدي نجاد ليفوز بالرئاسة. مع ذلك على مدى العامين الماضيين، انقلب الثلاثي ضد أحمدي نجاد واشتبهوا في إخفائه خططا سرية هدفها تنحية الملالي عن المشهد السياسي. وعلى العموم، يقدم الكتاب عرضا جزئيا، وإن كان بشكل تعليمي، لعقلية الجمعية السرية، التي تهيمن على الأقل حتى هذه اللحظة على السياسة الإيرانية باسم «المهدي المنتظر».

وأتساءل هنا ماذا كان سيقول الطباطبائي لو كان قد قرأ هذا الكتاب الذي يتناول سيرة تلميذه المزعوم.