الفهم الغربي للعالم العربي.. أين الخلل؟

ماكهيوغو يكتب عن 1400 عام من التاريخ العربي باختصار

ماكهيوغو
TT

مفتاح فهم العالم العربي اليوم وفي المستقبل هو الماضي؛ فلا يمكن فهم الثورات التي تعرف باسم الربيع العربي إلا إذا وضعت داخل سياق تاريخ العرب الطويل. ما هي جذور هذا الارتباك وهذه التعقيدات التي يتسم بها الفهم «الغربي» للعالم العربي؟ كيف بدأ هذا التمييز بين «الشرق» و«الغرب» الذي نرسمه دائما؟ وما مدى صحته؟ ومن هو المخطئ الذي تسبب في أن تسير الأمور على هذا النحو؟ هل سيستطيع الربيع العربي طرد الشياطين الذين دخلوا بيننا؟

ليست هذه سوى بعض التساؤلات التي يطرحها هذا الكتاب ويسعى للحصول على إجابة عنها.

يكشف لنا جون ماكهيوغو قرونا من التطور الفكري السياسي والاجتماعي، منذ الإمبراطورية الرومانية إلى يومنا الحاضر. إنه يصطحب القارئ في رحلة تتجاوز العناوين، فهو يقدم سلسلة من نقاط التحول التي مر بها التاريخ العربي، بداية من بعثة الرسول محمد وتوسع الدين الإسلامي، وصراعات القرون الوسطى، والعصور الحديثة والصراعات ضد الاستعمار الأجنبي، وبزوغ التأسلم ونهاية حكم المستبدين.

والأهم من ذلك أنه يكشف كيف وصل العالم العربي إلى رسم وضعه الحالي ويسلط الضوء على الاختيارات التي تلوح في الأفق في أعقاب الربيع العربي. وفي ضوء الاكتشاف الحديث المتمثل في التمييز بين التأسلم والدين الإسلامي، يعيد ماكهيوغو تعريف وتوضيح جذوره، وكذلك جذور فروعه الأكثر تطرفا من أصولية وإرهاب تجاهلتها الدوائر الأكاديمية والسائدة لتشكلها في الجانب البعيد عن الضوء من التاريخ.

إنه يستكشف ويوضح كيف أن العلاقة بين الإسلام والتأسلم والعلمانية لا تزال تحدد معالم الدول العربية حتى يومنا هذا، وطريقة تعاملهم معها هو ما سيحدد مستقبلهم. وهذا ما يمنح الكتاب أصالة، فقد تمكن المؤلف من إلقاء ضوء جديد على 1400 عام من التاريخ العربي. ويتضمن النصف الثاني من الكتاب، المخصص لأحدث جزء من تاريخ كل دولة عربية منذ تأسيسها، أهم الاكتشافات.

ويوضح ماكهيوغو تفصيلا ظهور الهوية المميزة لكل دولة وصراعاتها المستمرة بين العلمانية والطائفية السياسية، وأبرزها التأسلم.

وفي الفصل الأخير، الذي يحمل عنوان «شيء يتصدع: الربيع العربي وما بعده»، يكشف ماكهيوغو أحدث حل وسط بين الجانبين يجب أن تنفذها الحكومات التي تشكلت حديثا. ويهدف هذا الكتاب إلى توضيح أن ما حدث على مدى عقود، بل قرون، ليس صدام حضارات، بل سلسلة من الأحداث التاريخية والسياسات المضللة، وجهل متعمد أوجد وعمق الصدع بين أوروبا والولايات المتحدة من جانب، والعالم العربي من جانب آخر. ونتيجة لذلك، كان الباب ينفتح أحيانا على عدمية أخلاقية تستخدم فيها وسائل مشبوهة للوصول إلى النتيجة المرجوة. وعندما يحدث هذا تتشكل حلقات من العدوان الذي يزداد عمقا. ومن هنا تأتي أهمية فهم كيفية وصول العالم العربي إلى ما هو فيه حاليا من أجل رأب الصدع. ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بمعرفة التاريخ الذي يكشف لنا تأثير الثقافات المتحضرة واستفادة كل واحدة من الأخرى.

ويكشف لنا ماكهيوغو من خلال هذا أن «الصدام» المزعوم غير موجود.

كتاب «مختصر تاريخ العرب» (A Concise History of the Arabs) عمل جيد أصيل ومقدمة مثيرة عن العالم العربي. إنه مختصر وليس تاريخا كاملا، ويهدف إلى تعريف القارئ الغربي بتاريخ العرب للمرة الأولى. إنه يفترض جهل القارئ التام ويستهدف غير المختصين. وقدم جون ماكهيوغو طريقة لفهم هذه القصة المعقدة المستمرة، من شأنها أن تنور عقل من يقرأها. وحتى الذين يعرفون قليلا عن قصة العرب سيجدون الإثارة والتشويق في هذا التاريخ الجديد مجدولة بنسيج متعدد الطبقات من المعرفة والتعاطف. وليس إنجازا صغيرا أن تجمع أربعة عشر قرنا بداية من فجر الإسلام إلى الصحوة العربية الجديدة بين دفتي كتاب يسهل على القارئ الإبحار فيه، وكذلك إلقاء ضوء جديد على تاريخ العرب. إنه مفعم بالحياة وجذاب، وذو قيمة كبيرة بالنسبة إلى الذين يسعون إلى فهم عمق وتعقيد القضايا المعاصرة في العالم العربي.