مواجهة عميقة بين مصالح وآيديولوجيات لا تستغني عن بعضها

إعادة النظر في مفهوم الحضارة.. الاتصالات والإرهاب في القرية العالمية

إعادة تفكير بالحضارة:الاتصالات والإرهاب في القرية العالمية - المؤلف: د. مجيد تهرانيان - دار نشر «سيماي شرق»، الطبعة الأولى عام (2013)
TT

شهدت وسائل الإعلام العالمية، خلال العقود الثلاثة الماضية، تطورات تقنية وبنيوية أساسية. وأصبح للنظام الإعلامي الوطني تأثير ملحوظ.

يتناول الباحثون منذ أعوام، مفهوم الحضارة في أبعادها المختلفة. ويُعد القرن الـ21، قرن الاهتمام بالحضارة. وبينما يتحدث بعض المفكرين عن صراع الحضارات، يطرح البعض الآخر نظرية حوار الحضارات.

هذا الكتاب الذي ألفه الجامعي ومدير قسم الاتصالات الدولية في جامعة هاواي، الدكتور مجيد تهرانيان، يتناول موضوع الاتصالات في العالم الحديث بنظرة نقدية جادة، مؤكدا على إعادة النظر في مفهوم الحضارة.

يمكننا القول إن الاهتمام الذي يبديه المؤلف للحضارة وتعريفه مفهومها، يعد من المحاور الرئيسة والمفصلية في الكتاب. ومن الطبيعي أن تكون وجهة نظر المؤلف نابعة من تجاربه الشخصية الحياتية.

تمر البشرية بمنعطف تاريخي صعب، إذ أدت التطورات التقنية التي حققها الإنسان منذ عشرة آلاف عام حتى اليوم، إلى إقامة قرية عالمية نسبيا. تنقسم هذه القرية إلى خمسة أنماط متباينة من الحضارة البشرية: الحاة البدوية، والقروية، والتجارية، والصناعية، والرقمية. ومنذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، ظهر التباين البنيوي والمعياري في الحضارات الخمس بوضوح. إذ تتجه الأنماط الحضارية الخمسة، نحو صراع لا يمكن التنبؤ بحدته ولا بمدته الزمنية، فالإرهاب العالمي ليس سوى قمة جبل الجليد.. وما خفي أعظم.

ويرى مؤلف الكتاب أنه لا يمكن أن نعتبر الصراع بين الأنماط الحضارية الخمسة، منافسة أخلاقية بسيطة، أو صراعا بين الخير والشر. بل هو مواجهة عميقة بين المصالح والآيديولوجيات المتصارعة، التي لا تستطيع في الوقت نفسه الاستغناء عن بعضها بعضا.

ومن جانب آخر، يتطرق الكتاب إلى خمس فجوات تقنية عظيمة في التاريخ وعلاقتها مع ثلاثة مكونات رئيسة للمجتمع: الإمبراطوريات، وحركات المقاومة، والحضارات. وتظهر هذه المكونات الاجتماعية الثلاثة، بالضرورة، في فترات الحرب أو السلم. وقد رافقت الإمبراطوريات وحركات المقاومة والحضارات تطورات تقنية، بدءا بالحياة البدوية والقروية، مرورا بالتجارية والصناعية والرقمية. وستؤدي الوتيرة المتسارعة غير المتوازنة، في تنمية المجتمعات البشرية، وخاصة خلال القرنين الأخيرين، إلى صراع الحضارات العالمي.

في الحقيقة، تتسبب حركات المقاومة المحلية، في المرحلة الأخيرة من العولمة وإقامة الإمبريالية، في صراعات دولية. إن إرهاب الدولة أو إرهاب الجهات غير الحكومية في الوقت الحاضر، ليس سوى دليل على التنمية غير المتوازنة في العالم. ولن تنحسر هذه المشكلات، طالما لم تجر معالجتها جذريا وبشكل جدي.

ويسعى الكتاب، إلى تبيان أنه جرى استخدام مفهوم الحضارة بشكل آيديولوجي، وبهدف إلى إيجاد تمايز بيننا (نحن) وبينهم (هم)، أو بين أصحاب الحضارة والبرابرة.

نشأت الإمبراطوريات على أساس قدراتها على تحقيق التطور التقني، إذ مارست حركات المقاومة ضد الإمبراطوريات، ضغوطا من القاعدة أمام هيمنة الإمبراطوريات. وتتخذ حركات المقاومة أشكالا متنوعة، غير أن المقاومة التي تقوم على الديمقراطية هي أنجح أساليب المقاومة خلال القرنين الأخيرين.

يضم كتاب «إعادة النظر في مفهوم الحضارة.. المواصلات والإرهاب في القرية العالمية»، سبعة فصول، ترتبط ببعضها من خلال ثلاثة محاور: المواصلات، والديمقراطية، والحضارة.

ويرى المؤلف تهرانيان أنه يمكن تحقيق الطموح الحضاري في هذه الفترة المتأزمة من التاريخ، من خلال دمقرطة مؤسسات الحكم المحلي، والوطني، والإقليمي، والدولي. وعلى أساس التطورات التقنية المتسارعة التي حدثت خلال القرنين الماضيين، جب المراجعة وإعادة النظر في العقيدة الليبرالية الديمقراطية، والاشتراكية الديمقراطية، والديمقراطية المجتمعة.

ويرى المؤلف، من خلال نظرته هذه، أن ثمة علاقة وطيدة بين الحضارة والسلطة العالمية، إذ تظهر طبيعة الحكم في العالم الحديث، أن الدور الذي قامت به الدول في التاريخ الحديث، اتسم بالغلبة، ولكنه آل إلى الزوال.

تتولى 200 دولة عظمى، و63 ألف شركة متعددة الجنسيات، وكثير من المنظمات غير الحكومية، وشبكة معقدة للتواصل العالمي التي تتبادل رسائل متناقضة، تتولى إدارة العالم في الوقت الراهن. وبينما كانت عملية تطور مؤسسات السلطة العالمية تسير بوتيرة بطيئة ومؤلمة، خلال القرنين الماضيين، فإن العالم واجه تحديا مثيرا للقلق في مطلع القرن الـ21، ودخل مرحلة جديدة تدعى الرأسمالية العالمية التي تتجه نحو الزوال في حال دمقرطة السلطة العالمية.

يفتقر العالم اليوم، إلى سلطة عالمية، غير أن مجموعة من المبادئ والمؤسسات القانونية، تتولى فعلا إدارة العالم، وهي التي تؤسس في الحقيقة السلطة العالمية.

وعلى أساس هذا التحليل، يحاول المؤلف تبيان النظام الخاص بوسائل الإعلام العالمية، التي شهدت خلال العقود الثلاثة الماضية، تطورات تقنية وبنيوية أساسية باتجاه النفوذ الملحوظ للنظام الإعلامي الوطني، من خلال البث المباشر للفضائيات، والهواتف الرقمية، والشبكة العنكبوتية، و«ماكروميديا»، مثل الأشرطة الصوتية والمرئية، والأقراص المضغوطة، والكومبيوترات اللاب توب، وأجهزة تابلت، والهواتف وشبکة الإنترنت اللاسلكية. وقد أدت الاتصالات العالمية إلى خلق عالم مجازي بلا حدود. وبينما يهمين النظام التجاري على فحوى الأخبار وبرامج التسلية، تبذل الأنظمة السياسية جهودا (في كثير من الأحيان فاشلة) لتحكم قبضتها على هذه الحركة، وتقييدها من خلال اعتماد أساليب كالرقابة واستخدام حق سلطتها الإقليمية.

وانطلاقا من تشكيل الأنظمة الإعلامية، يتساءل المؤلف: هل نستطيع أن نصل إلى نوع من النظام الإعلامي الذي يروج للسلام أكثر من الحرب، والتفاهم أكثر من الاضطراب، والتسامح أكثر من الكراهية، وتشجيع الاختلاف أكثر من معاداة الغير؟! فتعددية الأنظمة والمضامين هما الشرطان الضروريان لهذا النوع من الصحافة التي تخدم السلام، لكنهما ليسا كافيين بالطبع. يمكننا أن نستنتج من مضمون الكتاب أن القرن الـ21 سيكون قرنا متسارعا جدا في تغييراته. وستسلك بعض الدول المتخلفة طريق التطور، بينما يمكن أن تبدأ بعض الدول المتطورة مسارا تقهقريا. إذ من الأجدر لهذا النوع من الدول المتطورة وشعوبها، أن يتجنب الأخطاء الناجمة عن التعصب والغطرسة. يُعد الهيكل المعاصر للقرية العالمية القائمة على متابعة السلام بواسطة الأدوات السلمية، المسألة المشتركة لشعوب العالم. وحدة الأسرة البشرية وبتنوعها أثمرت أداة ثمينة، وعلينا أن نصونها في كل الأوقات. وفي مثل هذه الحالة سيحتل هذا الكتاب مكانه بهدوء.

* صحافي وإذاعي مقيم في طهران، يكتب لصحف إيرانية يومية عدة