ديوان السياب أول كتاب يثير اهتمامي

صلاح حسن

TT

عندما كنت في الصف السادس الابتدائي كان معلم اللغة العربية يقدم لنا بين وقت وآخر مقطعا من قصيدة لكي نحفظه ونلقيه في يوم رفعة العلم، وكان ذلك يوم الخميس. ما زلت أتذكر مقطعا من قصيدة الجندي التي يبدأ مطلعها هكذا «سل صفحة الأيام تنبيك عن إقدامي».. إلخ. وكنت قد ألقيتها أمام التلاميذ في أكثر من مناسبة. بعد ذلك وفي الصف الثاني المتوسط، طلب مدرس اللغة العربية منا - نحن الطلاب الجدد - أن نقوم باختيار بيت من الشعر وأن نقوم بإعرابه، ووقع الاختيار علي لقلة الطلاب الذين يحفظون الشعر في هذه السن المبكرة، فقمت وقلت: يا هند قد ألف الخميلة بلبل يشدو فتصطفق الغصون وتطرب استغرب المدرس في حينها أن يكون طالب في سني يحفظ قصائد الغزل! وسألني عمن علمني هذه القصائد، فقلت إنه معلم اللغة العربية في المرحلة الابتدائية وفي المدرسة النموذجية. من هنا، بدأ اهتمامي بالكتب، لكنني كنت من بيت لا يهتم بالكتب ولا يقتنيها، ولم يكن في بيتنا في ذلك الوقت سوى كتب مدرسية بالية. من حسن حظي أن زوج شقيقتي معلم اللغة الإنجليزية كان يملك مكتبة عامرة بجميع أنواع الكتب، لكنه كان يسكن في مدينة بعيدة.

أول كتاب حقيقي قرأته باهتمام كان ديوان بدر شاكر السياب، كنت أستعيره بين وقت وآخر وأنا لم أبلغ الثامنة عشرة بعد، حيث حفظت الكثير من قصائده عن ظهر قلب وبدأت بتقليده بطريقة فجة حتى أصبحت صديقا في مجموعة من الشباب الذين يكتبون الشعر العمودي. كنا نتبارى في حفظ نصوص كبار الشعراء ونحاول أن ننظم قصائد على شاكلة قصائدهم. في تلك الفترة، بدأت بنشر بعض النصوص القصيرة في الصحافة وبشراء الكتب القليلة كلما حصلت على المال.

متعة القراءة في تلك المرحلة العمرية دفعتني لزيارة بيت أختي زوجة معلم الإنجليزية كل يوم جمعة، حيث كنت أجد كل ما أحتاجه من الكتب. هذه الزيارات أثارت زوج أختي الذي وجد أنني أستغرق في الكتاب بقوة ولا أسأل عن الطعام أو الشراب، فكان يسألني إن كنت أجد متعة في هذه الكتب.. وحينما قلت له إنني أفكر في إنشاء مكتبة مشابهة استغرب الأمر. بعد تفكير طويل، قال لي إنه يمكن أن يبيعني المكتبة إذا كنت جادا في الحفاظ على الكتب بربع سعرها الحقيقي.

في العطلة الصيفية، اشتغلت عاملا في البناء وجمعت المبلغ المطلوب لشراء المكتبة. حين قدمت المبلغ إلى زوج أختي أصيب بالدهشة والفرح في الوقت نفسه، وقرر أن يستأجر سيارة أجرة لنقل الكتب من بيته إلى بيتي كتشجيع منه.

* شاعر عراقي. من كتبه: «أنا مجنون لسبب وأنت عاقل بلا سبب» مختارات شعرية صدرت في القاهرة. «حياة مستعملة» مختارات شعرية بالإسبانية صدرت في كوستاريكا. و«النوم في اللغة الأجنبية» باللغة الهولندية.