ماذا يقرأ الأميركيون بعد 11 سبتمبر

قائمة الكتب الأفضل مبيعاً تظهر لنا ان عادات الأميركي في القراءة تشبه عاداته في الأكل

TT

«قل لي ماذا تقرأ، أخبرك من أنت».. هذا قول مأثور ابتكره سانت بوف، ناقد فرنسا الأدبي البارز في القرن التاسع عشر. ولكن هل يمكن أن ينطبق الاختبار على الأمم؟

لا أرى سبباً يمنع من ذلك؟

دعونا اذن نطبقه على الولايات المتحدة لنرى ما تقوله لنا حول بلد ما يزال يحاول استعادة وضعه الطبيعي بعد مآسي الحادي عشر من سبتمبر.

تظهر قائمة الكتب الـ 100 الأفضل مبيعاً للعام الحالي، التي أعلنت في وقت مبكر في الشهر الحالي، ان القراء الأمريكيين مهتمون بأربعة مواضيع رئيسية.

ويمكن وصف الأول باعتباره الميتافيزيقيا الجديدة. وهذه تدور حول التفسيرات اللاعقلانية للوجود، والعوالم السرية، والسحر، والفضاء الخارجي، والخيالات الدينية والعلمانية من مختلف الأنماط. وكلها تجسد البحث عن تفسير بديل للوجود ورغبة في الهروب من الواقع.

ومن بين الكتب الـ 100 الأفضل مبيعاً يقع 22 كتاباً ضمن هذه الفئة، وبينها الكتاب الذي يمثل المرتبة الأولى، «كتاب هاري بوتر المدرسي» للكاتبة البريطانية «جي.كي.رولينغ». وهذا كتاب صغير حول المفاهيم الأساسية للسحر والعرافة، ومعد لمرافقة سلسلة هاري بوتر الشعبية. وللكاتبة رولينغ خمسة كتب اخرى في القائمة بينها كتاب لم ينشر حتى الآن، وقد بيع منه ما يزيد على مليون نسخة مقدماً.

وهاري بوتر، بطل السلسلة، مراهق يتيم يتمتع بموهبة السحر، ويواجه «قوى الظلام» التي يقودها فولد يمورت المرعب. وعلى الرغم من أن الكتب موجهة للأطفال، فإن الكثير من قرائها هم من الراشدين. وقد استمتعت بكتب السلسلة، خصوصاً الكتاب الثالث الموسوم «هاري بوتر وسجين أزكابان».

ويبرز كاتب بريطاني آخر، هو الراحل جي . آر. تولكين، في فئة كتب «السحر والأسرار» في القائمة بكتابين هما: «ملك الحلبات» و«باني الحفرة» ومرة أخرى يحاول الكتابان خلق عالم خيالي من القيم الاخلاقية، وبحث عنيد عن الحقيقة. وشأن سلسلة هاري بوتر تهتم كتب تولكين بالمعركة الأبدية بين الخير والشر ومأزق الفرد عندما يرغم على الاختيار.

ويعتبر تولكين، الى حد بعيد، الكاتب الأفضل على الرغم من ان بعض القراء قد يجدون ما يكتبه شديد الكثافة، وحبكاته شديدة التعقيد.

ومن بين الكتب الاخرى التي تقع ضمن الفئة ذاتها روايتان بوليسيتان للكاتب الغزير الانتاج ستيفن كنغ لم أقرأهما، وروايتان من روايات الواقعية السحرية لباربرا كنغسلوفر. وتحقق كنغسلوفر، التي ربما تعتبر الروائية الأمريكية الأكثر تشويقاً في الوقت الحالي، النجاح النادر في كتابة الأدب الذي يلقى رواجاً واسعاً. وتعتبر روايتاها «انجيل غابة الأشجار السامة»، وتحتل المرتبة 91 في القائمة، و «صيف سخي»، وتحتل المرتبة 97 في القائمة، مصدراً للقراءة الممتعة.

أما الموضوع الثاني الذي يهتم به الأمريكيون فهو اجسادهم. ويعالج ما لا يقل عن 18 كتاباً في القائمة نواحي مختلفة من هذا الموضوع. كيف يمكنك أن تصبح نحيفاً، كيف يمكنك ان تنمي عضلاتك، كيف يمكنك ان تبدو اكثر شباباً، وكيف يمكنك ان تكون عاشقاً عظيماً، هي من بين المواضيع التي تعالجها هذه الفئة من الكتب. وطالما انني لم اقرأ اياً من هذه الكتب، فليس بوسعي تقدير قيمتها. غير ان حقيقة انها حققت، سوية، مبيعات زادت عن 20 مليون نسخة تشير الى انها اثارت اهتماماً واسعاً.

والموضوع الثالث الذي يهتم به القراء الأمريكيون هو النجاح المالي الشخصي. ويعالج 13 كتاباً في القائمة هذا الموضوع. ومن بين هذه الكتب قرأت واحداً فقط «أب غني، أب فقير: ما الذي يعلمه الأغنياء لأبنائهم حول المال مما لا يفعله الفقراء»، ومؤلفاه هما روبرت تي. كيوساكي وسايمون أل لاكتر. ويتضمن الكتاب نصائح بديهية حول التمويل الشخصي ويقدم أفكاراً حول الكيفية التي يصبح بها المرء ثرياً. وأشك في أن يصبح أي امرىء يقرأه مليونيراً. غير ان المؤلفين صنعا، بالتأكيد ثروتهما، فخلال سنة واحدة باع كتابهما ما يزيد على اجمالي الكتب الجديدة المنشورة في مصر خلال العام الحالي! ويعرف الأمريكيون أنهم لا يمكن ان يتعلموا أسرار الثروة من الكتب، لكنهم يحبون القراءة حول المال. والدافع ذاته الذي يجعل اكثر بلد في العالم استهلاكاً للكتب حول النحافة، يقنعه بأن يتجاهل ثروته الحالية الهائلة ويقرأ حول الكيفية التي يحصل بها على المزيد.

أما الموضوع الرابع الذي يهم الأمريكيون فمرتبط بالموضوع السابق. وهذا الموضوع يعني ادارة المشاريع، وتغيير المهنة، واقامة المرء شركته الخاصة بدل العمل لدى الآخرين، واستيعاب التكنولوجيا الجديدة التي تتدفق في فيض متلاحق.

وقد وجدت 11 كتابا في القائمة تعالج هذا الموضوع. والكتاب الوحيد الذي قرأته من بينها هو «من نقل جبنتي: تبدلات في العمل والحياة»، ومؤلفاه سبنسر جونسون وكينيث بلانتشارد، يحتل المرتبة الثالثة في القائمة. وهو كتاب صغير يقل عدد صفحاته عن 100، ويظهر كيف أن بوسع المرء أن يخدع بعض الأمريكيين ويدفعهم الى الاعتقاد بأي شيء عبر تقديم حجة سايكولوجية زائفة.

ويروي الكتاب قصة أربعة فئران في متاهة يكتشفون أن الجبنة التي يقتاتون عليها قد اختفت. ويستجيب الأربعة بردود أفعال أربعة مختلفة يفترض بنا أن نستوعبها كدروس، لكن هل يشبه الرجال الفئران؟ وهل الحياة الانسانية متاهة؟

وهناك كتاب اكثر طموحاً يحمل عنوان «صلاة جابيز: اختراق الحياة المقدسة»، ومؤلفه بروس ويلكنسون، وهو ينتمي الى الاسلوب الجديد للتعمق في النصوص الانجيلية بحثاً عن حلول للمشاكل الراهنة.

وقد أحب الأمريكيون الكتاب، فوضعوه في المرتبة الرابعة في القائمة. غير ان هذا القارئ وجد الكتاب موعياً، ومليئاً بذلك النمط من الملاحظات البارعة الذي يجده المرء في الكعكة المحلاة في المطاعم الصينية. وقد ينظر اليه المرء ايضاً باعتباره محاولة للحصول على المال بالعزف على أوتار مشاعر الناس الدينية. ويذكرني هذا الكتاب بعمتي المفضلة التي كانت تتحدث بأمثال ابتكرتها هي نفسها. فهي، على سبيل المثال، وبعد سياقة ساعات عدة على طريق ما، تستشهد بحكيم قديم مجهول الاسم قال: «آه لو أننا كنا نعيش هنا، لكنا الآن في البيت!».

أما بقية القائمة فتتألف من طائفة من المواضيع الاخرى. فهناك سيرة حياة جون آدمز، ثاني رئيس للولايات المتحدة، ومؤلف الكتاب هو ديفيد ماكولو، وهو كتاب يحقق نجاحاً مذهلاً اذ يحتل المرتبة الثانية ويأتي بعد هاري بوتر مباشرة. وهذا الكتاب واحد من أفضل الكتب في القائمة، وهو ممتع بالنسبة الى كل من يهتم بالسيرة والتاريخ والسياسة.

وهناك القليل جداً من كتب الأدب الرفيع في القائمة، وبينها رواية جي. دي. سالنجر «الحارس في حقل الشوف» وهي رواية حول يأس صبي مراهق، وقد حققت مكانة متميزة في ستينات القرن الماضي، واحتلت المرتبة 69 في القائمة، ومن المؤكد انها جديرة بالقراءة. ولكنني لا استطيع أن أقدر لماذا تظل هذه الوصفة حول الدمار الذاتي بهذا المستوى من الشعبية بعد 45 سنة على أول ظهور لها.

وتتمثل المفاجأة الأخرى في كتاب صن تسو الموسوم «فن الحرب»، وهو من الأدب الصيني الكلاسيكي، وقد كتب قبل ما يزيد على ألفي عام، وهو من بين كتبي المفضلة الدائمة، ومن بين قلة من الكتب التي يستطيع أن يعيد المرء قراءتها ليتعلم في كل مرة شيئاً جديداً.

واجد أن معظم الروايات في القائمة غير جديرة بالقراءة وتظهر رواية جويس كارول أوتس «كنا المولفانيين» أن الكاتب يستطيع ان يحقق أفضل المبيعات دون ان يعرف كتابة الانجليزية اللائقة. فكيف أفلح كتاب هذه الكاتبة الأمريكية أن يحتل المرتبة السابعة في القائمة؟ ان هذا يبقى لغزاً بالنسبة لي وهناك كتابان فقط عن بلدان اجنبية في القائمة.

احدهما تجري احداثه في المغرب في سنوات الثمانينات وعنوانه «حيوات مسلوبة»، ومؤلفته مليكة أوفقير، وقد احتل المرتبة الثلاثين. وربما اجتذبت القراء بسبب التجربة الشخصية المأساوية لمؤلفته.

أما الكتاب الثاني فهو «حركة طالبان» للصحفي الباكستاني أحمد راشد. وهو كتاب سهل القراءة، وقد دخل القائمة في المرتبة السبعين، بعد مآسي الحادي عشر من سبتمبر، ربما لأن الامريكيين يرغبون في معرفة خصومهم الجدد.

ومن باب المصادفة أن أوفقير وراشد هما الكاتبان المسلمان الوحيدان اللذان يظهر عملهما في القائمة.

وهناك كتابان آخران يستحقان الذكر. أحدهما هو «بيت مطلي» لكاتب روايات الجريمة الأكثر مبيعاً جون غريشام، وقد احتل المرتبة الخامسة. وهذه هي أول رواية له لا تظهر فيها شخصية محام. وباعتباره كاتباً من الجنوب، فإن غريشام يأمل، بوضوح، أن يقلد روائيي الجنوب الآخرين مثل الروائي العظيم ويليام فوكنر. وقد يرغب ابطال الأدب الرفيع في اعدامي لأنني استثنيتها، غير انني اعتقد ان غريشام في «بيت مطلي» روائي رائع كما هو حال فوكنر في روايته «الهيكل».

واخيراً وليس آخراً دعوني اذكر الكتاب الكلاسيكي الدائم: «عناصر الاسلوب» لمؤلفه دبليو سترونك الابن. ففي 100 صفحة فقط يعلمك هذا الكتاب الثمين كيفية كتابة الانجليزية الجيدة اكثر مما تعلمك عشرات المجلدات الضخمة. ان وجوده في المرتبة 64 يحمل انباء طيبة لكل عشاق اللغة الانجليزية.

وتظهر القائمة ان عادات الأمريكيين في القراءة تشبه عاداتهم في الأكل. فهناك الكثير من الطعام غير الشهي مع تأكيد على الكمية لا النوعية. ومن المدهش انه ليست هناك مجموعة شعرية واحدة في القائمة. ففي السنة الماضية ظهرت مجموعة قصائد رومي في القائمة. أما في العام الحالي فلا يوجد شعر! لماذا؟.