قراءة أميركية أخرى في أشرطة جونسون السرية

المؤرخ مايكل بيشلوس يقدم صورة مثيرة عن العمل اليومي للرئيس الأميركي الأسبق

TT

تتناول المجموعة الثانية من أشرطة التسجيل الخاصة بفترة إدارة ليندون جونسون للبيت الأبيض، التي جرى توليفها والتعليق عليها ببراعة من قبل المؤرخ مايكل بيشلوس، مرحلة حساسة تقع بين شهري سبتمبر (أيلول) من عام 1964 وأغسطس (آب) من عام 1965، عندما اتخذ جونسون العديد من القرارات الأكثر أهمية خلال توليه السلطة، ومنها قرار تصعيد الحرب في فيتنام، والرعاية الصحية، وقانون التعليم وحرب القضاء على الفقر.

وكانت أحلام جونسون الطامحة إلى التفوق على فرانكلين روزفلت قد تلاشت نتيجة حرب فيتنام، وكما يقول بيشلوس: «مع حلول شهر سبتمبر 1965، تركزت بقية فترة حكم جونسون حول الأزمة العميقة في جنوب شرق آسيا، وحول مظاهرات طلبة الجامعات والشوارع في أميركا، وأحداث الشغب في كبريات المدن الأميركية، مما أدى إلى ضعف موقفه في الكونغرس، وتزايد صراعه مع روبرت كينيدي».

وبالرغم من أن معظم المعلومات المذكورة في الكتاب مألوفة بالنسبة لقراء روبرت داليكس، الذي أصدر عام 1998 الجزء الثاني من تقديمه لسيرة جونسون بعنوان «العملاق المتهالك»، والذي اعتمد فيه على نفس أشرطة التسجيل الخاصة بالبيت الأبيض، إلا أن «الوصول للمجد» يعرض، على أية حال، صورة مثيرة عن العمل اليومي خلال فترة رئاسة جونسون، وبشكل خاص العملية الصعبة المتعلقة باتخاذ قرار فيتنام. وتشير أشرطة التسجيل إلى تحفظاته المبكرة بشأن الحرب، وإلى شعوره بالرهبة من فيتنام، وإلى أحاسيسه بأنه لن يتمكن من القيام بشيء ما سوى زيادة حدة مأساة الحرب، التي حصدت في نهاية المطاف حياة ما يقرب من ثلاثة ملايين فيتنامي و58 ألف أميركي. ويستشهد المؤلف بقول جونسون لوزير الدفاع روبرت ماكنمارا خلال شهر يونيو (حزيران) من عام 1965، الذي ذكر فيه بأنه «سيكون من الصعب بالنسبة لنا أن نواصل حربا فعالة بعيدا عن أميركا مع وجود الانقسامات هنا، وعلى الأخص الانقسامات المحتملة». وأضاف جونسون قائلا: «أشعر بإحباط شديد من هذه المسألة، لأنني لا أرى برنامجا من وزارتي الدفاع أو الخارجية يجعلني أشعر بكثير من التفاؤل إذا ما فعلت أي شيء باستثناء أن أصلي فقط وأن أحاول التماسك خلال الأزمة على أمل أن ينسحبوا، لكني لا أؤمن بأنهم سينسحبون أبدا. ولا أرى إن لدينا أية خطة لتحقيق النصر، عسكريا أو سياسيا».

وخلال الشهر التالي، وقبل وقت قصير من إعلان جونسون إن عدد أفراد القوات المكلفة بالحرب سيرتفع من 75 الفا إلى 125الفا، سجلت له زوجته، ليدي بيرد، كلاماً ذكر فيه: «الوضع في فيتنام يزداد سوءا كل يوم. لدي خيار أن أواصل مع تعرضي لخسائر فادحة في الأرواح أو أن أنسحب بمهانة. الوضع يبدو وكأننا بداخل طائرة معرضة للخطر، وإن علي الاختيار بين البقاء بالطائرة أو القفز منها وانا لست مع الخيار الأخير». وشعور جونسون بأن فيتنام قد تقضي على رئاسته، كما يلاحظ بيشلوس، دفعه لليأس والتصرف باضطراب خطير أدى إلى اضطرار اثنين من مستشاريه إلى تبليغ ذلك أطباء نفسيين.

ويشير هذا الكتاب الى ان تعرض جونسون لحملة تسريبات، وتنافسه الشديد مع روبرت كينيدي وشكوكه المتعلقة بولاء طاقمه له (حيث احتفظ بالعديد منهم عقب فترة حكم جون كينيدي)، كانت لها تأثيرات غير حميدة أدت إلى انكماش الدائرة التي كان يستشيرها، تماما كما أثرت مخاوفه من أن الجدل بشأن فيتنام قد يضعف التأييد لبرامجه المتعلقة بـ«المجتمع العظيم» الذي كان يأمل أن يبنيه، الأمر الذي قد يدفعه للتقليل من حدة تصعيد الحرب، وبالتالي تبني مناقشات مفتوحة حول أهداف أميركا والفرص المتاحة أمامها. وبدلا من ذلك استخدم قرار خليج تونكن ـ الذي تم تمريره في عام 1964، ردا على تقارير بشأن هجوم بحري شنته فيتنام الشمالية لم يكن حتى جونسون واثقا من صحتها ـ كمبرر لاستخدام سلطاته في ما يخص الحرب. وفي معظم أجزاء الكتاب يمتنع بيشلوس عن التعليق بإسهاب على قرارات الرئيس الأميركي السابق، لكنه يرى أن جونسون قد يكون أضاع فرصة الانسحاب خلال خريف عام 1964، عندما حذره مستشاره العتيق ريتشارد روسيل، رئيس لجنة الخدمات العسكرية في مجلس الشيوخ، من مخاطر تورطه في فيتنام. ومثل الجزء السابق من أشرطة تسجيل جونسون في البيت الأبيض، يقدم لنا «الوصول للمجد» جونسون باعتباره رجلاً تقليديا عتيقا تتحكم به طباعه، وتحكمه مواقف متناقضة من الغضب والانبساط ومشاعر الزهو والإحباط. إن الرئيس، كما نفهم من الكتاب، لم يكن واثقا من تصرفاته، مثالي لكنه لا يهتم سوى بمصلحته الشخصية، يحتاج للآخرين ولديه رؤاه الخاصة. إنه، باختصار، رجل يثير الشفقة، شبيه بماكبث ولير وريتشارد الثالث. لكن سعي جونسون الأصيل لبناء مجتمع أكثر انفتاحا ومساواة يظهر بجلاء عبر صفحات الكتاب، كما هو حال واقعيته المترددة، وهيمنة فكرة الأعداء عليه، و عشقه لاستقطاب التعاطف وعقلانيته ومبالغته.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»