باكستانية متأرجحة بين الشرق والغرب

حميراء شهيد تروي سيرتها منذ نشأتها في الكويت حتى عودتها إلى بلدها

غلاف الكتاب
TT

في الشهر الماضي، صدر كتاب «ولاء وتحد: رحلتي في الحب والعقيدة والسياسة»، عن دار نشر «نورتون» في نيويورك. والكاتبة هي حميراء شهيد، صحافية وسياسية باكستانية. وحررت الكتاب الصحافية الأميركية كيلي هوران.

قدمت الأميركية الباكستانية قصتها بقولها: «هذه قصة ملهمة لواحدة من أكثر النساء المسلمات النشطات. هذه قصة ليست فقط عن حقوق المرأة في باكستان، ولكن، أيضا، عن حقوق المرأة في الدول الإسلامية، وفي غيرها».

ربما أهم ما في الكتاب هو النزاع بين الشرق والغرب في أعماق شهيد نفسها. فقد ولدت وتربت في الكويت، تقول إنه «مجتمع علماني». ثم عادت إلى وطنها باكستان «مجتمع تقليدي» كما تذكر. ثم درست دراسات عليا في الولايات المتحدة وصفته بأنه «مجتمع مفتوح جدا».

وبين الشرق والغرب، قضت سنتين في كلية رادكليف للبنات، التابعة لجامعة هارفارد. ودرست، وقدمت محاضرات، عن المرأة في الدول الإسلامية عامة، وفي جنوب آسيا خاصة. وأجابت على أسئلة الأميركيين والأميركيات مثل: ما هو مدى العنف الذي تتعرض له المرأة في الدول الإسلامية؟ هل الإسلام هو السبب؟ هل السياسة هي السبب؟ هل العادات القبلية والعائلة المتوارثة هي السبب؟

مع أسئلة الأميركيين والأميركيات، ومن خلال إجاباتها على هذه الأسئلة، قالت: «زادت ثقتي في نفسي بصفتي امرأة شرقية مسلمة».

وكتبت إنها، قبل أن تعرف نفسها، عرفت الإسلام الحقيقي. عرفت «أن تأثير الإسلام على حياة الشخص وعلى عقله موضوع هام، ولا يمكن التقليل من أهميته، لأن الإسلام (بالإضافة إلى العبادات) هو منهج عن الحياة، وعن الأخلاق، وعن التصرفات الشخصية، وأن الإسلام الحقيقي يختلف كثيرا عن ذلك الذي يفسر ويطبق في كثير من الدول الإسلامية».

وعن تجربتها في الولايات المتحدة، قالت: «إن الأميركيين (وبقية الغربيين) لم يكونوا يعرفون عن الإسلام أي شيء. وعندما عرفوه، بعد هجمات 11 سبتمبر (أيلول) عام 2001، وبعد (الحرب ضد الإرهاب)، التي أعلنها الرئيس السابق بوش الابن، «عرفوه دينا عنيفا.. مع الحرب في أفغانستان والعراق، وما لحق بباكستان، يمكن القول إن شعوب هذه الدول دفعت، وتظل تدفع، ثمن سياسات حكوماتها غير الموفقة، وثمن التدخلات الأجنبية.. تظل هذه الشعوب تدفع هذا الثمن بأرواحها ودمائها».

ولدت حميراء شهيد في الكويت، حيث كان والدها، عبد الحميد بهاتي، موظفا في شركة تأمينات. ومنذ صغرها، تربت على شعار جدتها: «كوني زهرة، وادع الله». وفهمت أن هذا شعار نسوي شرقي مؤثر جدا، ومعناه: «تجملي، وانتظرى الزوج».

عندما كبرت، أعادها والداها إلى باكستان، لتتعلم، وربما أهم من ذلك، لتجد زوجا. وهي تقرن بين سنوات الكويت وسنوات باكستان بقولها: «في الكويت، كانت حياتي حرة.. درست في مدرسة دولية، وصادقت مسيحيين وهنودا ومسلمين. في مجتمع علماني، كنت استمتع ببلاج البحر دون مراقبة قريب. لكن، في باكستان، وحتى وسط البنجابيين المتحررين نسبيا، الذين أسميهم رومان جنوب آسيا، وضعت قيودا في يدي باسم التقاليد والعادات. ولم يسمحوا لي أن أذهب إلى البلاج دون مراقبة قريب».

عندما عادت إلى باكستان من الكويت، تزوجت عدنان شهيد، وهو واحد من أشهر الصحافيين الباكستانيين، ومن عائلة صحافية عريقة (توفي بعد عشر سنوات من الزواج). وبهذا الزواج، تحولت هي إلى واحدة من الطبقة الوسطى العليا، ومن الصفوة الثقافية. وكتبت: «تزوجت عائلة صحافيين ودبلوماسيين وعسكريين وسياسيين ومشاهير.. ووجدت نفسي وجها لوجه أمام شخصيات هامة كنت أقرا عنها في الصحف».

لكن، تنازعها وطنها الشرقي، في جانب، وثقافتها الغربية، في الجانب الآخر: «في البداية، وجدت ركنا منعزلا عن بقية الحياة في باكستان: كلية جامعية أدرس فيها الأدب الغربي. لكن، بعد سنوات، سئمت، وتأثرت بجو العائلة السياسي، وأغمضت عيني، وقفزت في بحر السياسة، أو، قل، في طنجرة السياسة. لكن، واجهت أول مشكلة، ليس في نشر آرائي الليبرالية الغربية، ولكن في مجرد العثور على شخص يسمعني. وبدأت أصرخ: هل هناك من يسمعني؟ … وتأكد لي أن كوني امرأة هي أم المشكلات».

لكنها، رغم التقاليد الشرقية، استمرت تدرس وتدرس الأدب الغربي. وتأثرت بكتابات أدباء مثل الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر، والكاتب المسرحي الآيرلندي صمويل بيكيت، والروائي البريطاني، البولندي الأصل، جوزيف كونراد.

وعاشت سنوات التناقض بين آراء هؤلاء، وآراء والديها وأقاربها، فبمجرد أن أكملت الجامعة، قالوا لها: «لم يعد لك عذر، ولا بد من الزواج». ويوما، عرضا عليها صورة شاب أميركي - باكستاني، هاجر والداه إلى شيكاغو، وولد هناك. وقالت لها والدتها: «ها نحن، والداك، تزوجنا عن طريق والدينا. ولا حتى شاهدنا صورة. ولم تكن هناك صور، على أي حال».

رفضت حتى وجدت الصحافي عدنان شهيد، الذي كان، أيضا، غربيا في تطلعاته. فقبل أن يطلب يدها، أرسل لها قصيدة ويليام شكسبير: «من هي سلفيا؟ هي الرائعة، الحكيمة. هي التي جمعت بين الحكمة والجمال.. » وفي أول عيد «فالنتاين» (عيد الحب) بعد زواجهما، فاجأها بأن ملأ غرفة النوم بكميات كبيرة من الورود الحمراء، على الأرض، على السرير، على الكراسي.

وعندما واجهت مشكلات في الزواج، قرأت رواية دي إتش لورانس «رائحة الأقحوان» التي تقول فيها البطلة إليزابيث: «إلا عندما توفي، لم أعرف أن زوجي الذي كان قاسيا، كان أيضا إنسانا. ليس هناك أصعب من أن يركز الشخص على كونه هو الضحية». لكن، السنوات التي قضتها في الولايات المتحدة، وهجمات 11 سبتمبر عام 2001 زادت التناقضات في حياتها العملية، وفي أفكارها. وكتبت في صحيفتها «خبريات»، التي نشرت فيها أيضا صور أطفال أفغان قتلتهم القوات الأميركية في أفغانستان، عن الشعور المعادي للمسلمين في كل مكان، وخصوصا في منطقتها، حيث صارت كلمة «مسلم» رديفة لكلمة «إرهابي». وفي هذا الوقت، قررت أن تتحول من صحافية إلى سياسية.

وقدمت عام 2011 إلى برلمان مقاطعة البنجاب مشروع قانون ضد اضطهاد الأزواج لزوجاتهم. فعلت ذلك بعد أخبار وصور بشعة لزوجات رش أزواجهن محروقات سائلة على وجوههن، فشوهوها. وحسب القانون الجديد، صارت هذه جريمة ضد الدولة، تحقق فيها الأجهزة الحكومة، وليس فقط مشكلة عائلية أو اجتماعية، تحلها وساطات أو تعويضات.

ثم فعلت نفس الشيء لمواجهة إجبار من يغتصب امرأة على الزواج منها (دون وضع اعتبار لما يلحق بالمرأة من آثار كارثية، ومن حقيقة أنه لا بد أن يكون رجلا عنيفا).

وأخيرا، تظل هذه الباكستانية الليبرالية تتأرجح بين عادات الشرق وحضارة الغرب.