المياه والتوتر السياسي في دول حوض النيل

غياب صيغة شاملة لتقسيم المياه وتوزيعها وفقا للقانون الدولي المتعلق بتنظيم مياه الأنهار

TT

صدر كتاب جديد للباحث العراقي في شؤون المياه، المهندس صاحب الربيعي، بعنوان «صراع المياه وأزمة الحقوق بين دول حوض النيل»، يتناول فيه الجوانب الطبوغرافية والاقتصادية والسياسية لنهر النيل، وصراع دول الحوض العشر ـ اثيوبيا واوغندا واريتريا وبوروندي وتنزانيا ورواندا وزائير والسودان وكينيا ومصر، لاقتسام موارد الحوض المائية.

يتضمن الكتاب خمسة فصول، إضافة الى مجموعة من الجداول والاشكال. في المدخل يشير الباحث الى اهمية الدراسة، كونها تتناول اكبر وأهم مصدر للموارد المائية في افريقيا، وان منطقة حوضه تشهد كثافة سكانية عالية، حوالي 300 مليون نسمة، تعاني، بعض دوله، من موجات مجاعة قاسية، بين فترة واخرى، خاصة اثيوبيا التي تزود نهر النيل بـ84 في المائة من مياهه.

الفصل الاول تعرض فيه المؤلف لموضوعين; الاول تناول فيه بشكل مفصل طبوغرافية حوض النيل، مشيرا الى انه يعتبر من اطول الانهار في العالم من حيث المجرى (7880كم) وثاني اكبرها حوضا، حيث تبلغ ايراداته السنوية اكثر من 100 مليار متر مكعب. ويغطي حوضه 3 ملايين كم مربع، اي حوالي عشر مساحة افريقيا، مستعرضا اهم الآراء التي فسرت التغييرات التي طرأت على مجرى النيل في مصر منذ نشأته، والثاني الصراع على المياه في دول الحوض. وأهم ما يميز هذا الصراع عن صراعات الاحواض المائية الاخرى في العالم، تكمن بكون دولة المصب، مصر، هي التي تتحكم بمجريات ادارة الصراع وتملك الوسائل له. فدولة المصب، المستثمر الاكبر للمياه وتمتلك «الاسس القانونية والسياسية لذلك الاستثمار»، (كما يقول المؤلف ص 32). ويوجز المؤلف اسباب تزايد وتيرة الصراع بين دول الحوض بما يلي:

1 ـ تزايد حصة مصر والسودان من المياه.

2 ـ اثيوبيا دولة المنبع التي ترفد نهر النيل بالكمية الاكبر من مياهه ليس لديها نصيب معقول وعادل من المياه.

3 ـ العامل السياسي والتحريض الذي تمارسه الدول المعادية للمصالح العربية، خاصة اسرائيل، على دول المنبع.

4 ـ فشل دول الحوض ـ لحد الآن ـ في التوصل الى صيغة شاملة لتقسيم المياه وضبطها وتوزيعها وفقا للقانون الدولي.

وتناول الكتاب في الفصل الثاني، الموارد المائية واستخدامها في دول الحوض. ففي ما يخص مصر، فإن نهر النيل يعتبر المصدر الرئيسي لمواردها، حيث يسد حوالي 75 في المائة من احتياجاتها المائية. ويقدر الباحث وجود فائض مائي لمصر بمقدار (4 مليارات متر مكعب) عام 2000، حيث بلغ اجمالي الموارد المائية (74.5 مليار متر مكعب والاحتياجات 70.5 مليار متر مكعب). ويرجع المؤلف سبب ذلك الى المنشآت المائية التي اقامتها مصر كالسد العالي وتوشكى. كذلك يوجد فائض في الموارد المائية في السودان يقدر بـ2.8 مليار متر مكعب، لنفس السنة. اما اثيوبيا وبقية دول حوض النيل الاستوائية، فرغم انها لا تعتمد على مياه النيل كثيرا، إلا انها تمتاز بغزارة الموارد المائية الآتية من هطول الامطار.

* مفاهيم قانونية

* يستعرض الباحث في الفصل الثالث، الاتفاقيات الدولية ومواقف دول حوض النيل منها، وأوجه الخلاف بين دول الحوض ومشاريع تنمية الموارد المائية. ففي ما يخص موقف دول الحوض من الاتفاقيات الدولية حول تقاسم مياه نهر النيل، يرى المؤلف ان الموروث الاستعماري (اغلب الاتفاقيات عقدت بين الدول الاستعمارية ـ بريطانيا وفرنسا وايطاليا ـ والخلافات الحدودية) ساهم في تعقيد الخلاف بين دول الحوض، الامر الذي ادى الى تمحور الصراع حول مفاهيم قانونية «الحق الشرعي» و«الحق المكتسب» ومبدأ «نظرية الاكراه» و«نظرية تغير الظروف». ويشير المؤلف الى عدم شرعية مواقف بعض دول الحوض التي ترفض مبدأ التوارث الدولي في ما يتعلق بالمعاهدات الدولية، لأن ذلك يتعارض مع قواعد القانون الدولي حسب اتفاقية «فيينا» لعام 1978 بشأن التوارث الدولي للمعاهدات، وكذلك ميثاق منظمة الوحدة الافريقية لعام 1963. ويرى الباحث شرعية موقف مصر بخصوص حقوقها التاريخية المكتسبة من مياه حوض النيل، لانه يتفق مع القانون الدولي حول الانهار الدولية.

* المياه والحروب

* اما في ما يتعلق بمشاريع تنمية الموارد المائية في حوض النيل، فيعتبر المؤلف مشروع تحويل مياه نهر الكونغو عبر النيل الى مصر من اهم سبل تنمية الموارد المائية، نظرا للامكانية العملية لتنفيذه وانخفاض كلفته الاجمالية، اضافة الى عدم تأثيره على الموازنة المائية للدول المستفيدة منه في الوقت الحاضر (الكونغو وزائير) حيث تذهب 80 في المائة من مياهه هباء الى المحيط الاطلسي. كما ان تنفيذ هذا المشروع يساهم في حل مشكلة شحة المياه في بعض دول منطقة الشرق الأوسط، حيث يمكن تحقيق مشروع نقل المياه من السودان الى السعودية.

يتناول الكتاب في فصله الرابع، التلوث المائي في نهر النيل والموازنة المائية في دول الحوض. وفي ما يتعلق بالتلوث يشير المؤلف الى مخاطره على البيئة الطبيعية والسكان، ويحدد بشكل علمي اسبابه والاجراءات البيئية المطلوبة للحد من تأثيراته السلبية، خاصة على زيادة التصحر. وبخصوص الموازنة المائية يؤكد الباحث ضرورة الاستخدام العقلاني للموارد المائية المتوفرة في الوقت الحاضر، لغرض التلبية الافضل لمتطلبات السكان المائية والغذائية ويقترح بعض الاجراءات الواجب اتباعها لاستخدام امثل للمياه من اهمها:

أ ـ التوقف عن زراعة المحاصيل الشرهة للماء كالموز والارز في مصر والسودان.

ب ـ تقليل الاعتماد على الطاقة الكهرومائية، نظرا لمتطلباتها المائية العالية، والاستعاضة عنها بمحطات الوقود.

ج ـ اقامة المزيد من المنشآت المالية.

د ـ اعادة تقييم اساليب الري المعتمدة، وادخال اساليب الري الحديثة التي ستوفر ما قدره 40 ـ 50 في المائة من المياه المهدورة.

الفصل الاخير يخصصه الباحث للمقارنة بين الاحواض المائية الرئيسية في الشرق الأوسط (دجلة والفرات والاردن والنيل)، حيث تمثل هذه الاحواض المستويات الخطرة لأزمة المياه في الشرق الأوسط التي يمكن ان تتفاقم بسبب التوتر وعدم الاستقرار السياسي الذي تشهده المنطقة، الامر الذي قد يؤدي الى تصيد اجواء الحرب في المستقبل القريب بغية تأمين المتطلبات المائية اللازمة. وهذا الامر زاد من الاهتمام الاقليمي والدولي بمشاكل المياه في الشرق الاوسط، حيث تتشابك المصالح الدولية، بسبب احتواء المنطقة على المصدر الرئيسي للطاقة (النفط)، مما ادى الى عقد المؤتمرات الاقليمية والدولية لتلافي الصراع الذي قد يحدث بين دول المنطقة بسبب المياه. وبهذا الصدد يورد الباحث اهم السبل لتلافي «حروب المستقبل» في المنطقة، ومن اهمها:

1 ـ احترام قواعد واحكام القانون الدولي المتعلق بتنظيم مياه الانهار الدولية.

2 ـ عدم استخدام المياه كسلاح او كأداة ضغط سياسي من قبل دول المنبع ضد دول المصب.

3 ـ التمسك بمبدأ، ان تكون المياه اساسا للتعاون لا سببا لنشوب الحروب.

4 ـ حث المنظمات الدولية (البنك الدولي، الفاو، وكالة التنمية الدولية... وغيرها) على منح المساعدات والقروض اللازمة للدول الشرق أوسطية التي تلتزم قواعد القانون الدولي بشأن المياه.

=