العالم العربي يمكنه أن يتقدم علمياً وتكنولوجياً

أنطوان زحلان

TT

على مدار الخمسين عاماً الماضية ضخت الحكومات العربية استثمارات ضخمة في نظمها التعليمية. وقد استطاع أكثر من 15 مليون عربي الحصول على درجات جامعية، وأنشئت 200 جامعة جديدة. وقد أدى وجود ما يقرب من مائة ألف باحث أو من يمكن أن يصبحوا باحثين وأكثر من 5 ملايين من المهندسين والأطباء والتكنولوجيين إلى تحول كبير في الفرص المتاحة للدول العربية.

لكن ما لم يتحقق بعد هو تطوير شبكات من العلاقات بين هذه القوى البشرية والمجتمع والاقتصاد. فقد كانت البلدان العربية بطيئة في الأخذ بتطوير الجمعيات المهنية المناسبة والمنظمات العلمية والبنية التحتية القانونية والمالية والسياسية، التي تشكل أساس المجتمع الصناعي. وما أود أن أطرحه هنا هو استعراض بعض المعلومات التي تبرر الطروحات السابقة.

* الموارد البشرية للعالم العربي

* يتمتع العالم العربي برأس مال بشري لا يستهان به. وقد يجادل البعض بأن توزيع هذه الموارد البشرية فيه الكثير من التفاوت، إلا أن الحقائق تدل على أن أية دولة، عربية أو أجنبية سعت إلى اجتذاب رأس المال البشري العربي أفلحت في مسعاها، فرأس المال البشري العربي يتميز بالحركية ويستجيب للحوافز. ويعمل حالياً العديد من المهندسين والعلماء العرب في كافة بلدان منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تقريباً، ولا تتوفر إحصائيات دقيقة وحديثة عن خريجي الجامعات في القوى العاملة للوطن العربي. لكن يمكن تقدير أن هناك ما بين 12 إلى 15 مليون خريج جامعي تقريباً من مجموع 150 مليوناً من البالغين (أي من هم فوق 21 سنة). وهذا يعني أنه من 8% إلى 10% من مجموع البالغين في العالم العربي حاصلون على درجة البكالوريوس في العلوم أو الآداب أو على درجة أعلى، وهذه نسبة غير قليلة. وبالمقارنة فإن النسبة المماثلة في الولايات المتحدة هي 20%، في حين أن النسبة في المنطقة التي تغطي الولايات الأميركية الثلاث: نيويورك ونيوجيرسي وكنيتيكت هي .26 وبعبارة أخرى فإن العالم العربي يتمتع بنسبة ما بين ثلث ونصف مثيلتها في دولة من أكبر الدول المتقدمة علمياً. وبما أن 50% من سكان العالم العربي أعمارهم أقل من 18 سنة فليس من العسير زيادة عدد خريجي الجامعات.

* الباحثون العرب في الداخل والخارج

* العلوم والتكنولوجيا تقتضي وجود الأطباء والمهندسين المدنيين والبحث في البيولوجيا الجزيئية والطوبولوجيا. ويعكف المهنيون على تطبيق العلوم في حل مشكلات عملية، كما يعكف غيرهم على توسيع معرفتنا بالطبيعة. وكل هذه المناشط مهمة لتطور منظومة العلم.

ولا توجد أية تقديرات دقيقة لعدد العلماء في كل بلد عربي. وربما يكون أفضل تقدير لهذه الأعداد عن طريق إضافة عدد أساتذة الجامعات الحاصلين على درجة الدكتوراه إلى عدد نظرائهم العاملين بشكل دائم في مراكز البحوث. وهذا يفترض أن كل أستاذ جامعي هو أساساً باحث. فإذا أضفنا عدد الأساتذة الحاصلين على درجة الدكتوراه في المجالات العلمية والتكنولوجية والعاملين في الجامعات ومراكز البحث والتطوير الحكومية والمستقلة لعام 1996 (حسب آخر إحصائية متوفرة) فإن لدينا 50 ألف «باحث مفترض» (مع استبعاد الباحثين بدرجة الماجستير في العلوم). وهذه الأرقام تشمل كل المجالات الأساسية والتطبيقية.

وحيث ان معدل الزيادة السنوية لعدد الأساتذة الحاصلين على الدكتوراه في الفترة من 90/1991 إلى 95/1996 هي 2500، فإن عدد هذه الفئة من القوة البشرية العلمية لا بد أن يكون حوالي 160 ألفاً عام .2001ويمكن تقدير عدد الباحثين العرب خارج العالم العربي، إلا أنه للأسف لم يقم أحد بجمع أية إحصائيات أساسية منذ عام .1977 وقد وجد د. حافظ قبيسي أن عدد المطبوعات التي قام بتأليفها عرب خارج العالم العربي كانت 4500 تقريباً، وهي في وقتها كانت تعادل ثلاثة أضعاف ما ينشر داخل العالم العربي.

وإذا كان لنا أن نفترض أن عدد العلماء والباحثين العرب في الخارج كان يتضاعف كل سبع سنوات منذ 1977، فإن عددهم يكون قد ازداد ثماني مرات ليصل إلى 36 ألفاً عام .2000 وبذلك يمكننا أن نقدر أن يكون العدد الإجمالي للباحثين المفترضين المتوفرين للعالم العربي عام 2002 حوالي 100 ألف. وبعبارة أخرى فإن التحدي الماثل أمام الدول العربية اليوم ليس في أن تقوم بتعليم المزيد من العلماء وإنما في أن تستطيع الاستفادة من الأعداد الكبيرة المتاحة.

كان ناتج البحث العلمي في العالم العربي عام 2000 أكثر من 8695 مطبوعة. وأكبر منتج عربي هو مصر (2481)، تليها المملكة العربية السعودية (1614)، وتأتي المغرب (1111) في المرتبة الثالثة.

في عام 1990 تساوى إنتاج دول مجلس التعاون الخليجي مع الناتج المصري، وفي عام 2000 زاد ناتج دول المجلس عن الناتج المصري بفارق 10%. والاتجاه العام يميل إلى اتساع تلك الفجوة حيث المملكة العربية السعودية والكويت في المقدمة. وقد تباطأ نمو مخرجات البحث العلمي تباطؤاً كبيراً منذ عام .1988 وقد حافظ على معدل نمو ثابت في الفترة من 1967 إلى 1987، بعدها انحدر معدل النمو البالغ من 7% إلى 10% ليصل إلى صفر بين عامي 1988 و1993، لكنه استأنف الازدياد ببطء منذ ذلك الوقت.

* القاعدة المؤسسية للبحث العلمي في العالم العربي

* أنشطة البحث والتطوير في العالم العربي تتم في الجامعات. وتقوم المستشفيات ومحطات البحوث الزراعية بغالبية ما تبقى من مخرجات بحثية.

ويوفر نظام التعليم العالي المدعوم من الحكومة أساس النشاط البحثي الحالي. وفي ما عدا القليل من الاستثناءات فإن الشركات الصناعية لم تصل بعد الى المرحلة التي تجد فيها أنه من الضروري أن تضطلع بأنشطة البحث والتطوير، أو حتى تقوم برعايتها. وهذا ما يجعل من أوضاع الأستاذ الجامعي المحدد الرئيس لمخرجات البحث العلمي.

وهناك عاملان يؤثران في إنتاجية أساتذة الجامعات وهما: عبء العمل وتوفر المرافق (المكتبات والمختبرات). ونجد أن 95% من جميع أنشطة البحث والتطوير تقع في نطاق المجالات التطبيقية. ويتصدر الطب السريري قائمة مجالات البحث والتطوير (40%). وتستحوذ علوم الحياة والعلوم الزراعية والطبية والكيميائية على 80% من مخرجات البحث والتطوير. وتوضح هذه الأرقام الفرص المحدودة للبحث في العلوم الأساسية. أما الجامعات الخاصة فهي أقل دعماً للبحث العلمي من الجامعات الحكومية.

* مقارنة أداء البحث والتطوير في العالم العربي بغيره من دول العالم

* توفر مقارنة ناتج المطبوعات بالنسبة للفرد مؤشراً على أداء الأمم. ففي عام 1981، كانت الصين تنتج نصف ناتج العالم العربي، وبحلول عام 1987 تساوت الصين مع العرب، أما الآن فهي تنتج ضعف ما ينتجه العرب. وكانت كوريا الجنوبية تنتج 10% من الناتج العربي عام 1981، فأصبحت في عام 1995 تنتج نفس المقدار تقريباً. ولم تتغير الهند كثيراً خلال الفترة ما بين 1981 و.1995 إلا أنه على أساس حساب الإنتاج لكل مليون من السكان (الأرقام بين الأقواس) نلاحظ أن العالم العربي (26) ما زال ضمن مجموعة أكبر منتجي البحث والتطوير في العالم الثالث وهي: البرازيل (42) والهند (19) والصين (11). وفي داخل العالم العربي يتخطى أداء دول مجلس التعاون الخليجي كل ما عداها، فهي تنتج ما يقرب من 100 مطبوعة لكل مليون من السكان مقارنة بمصر التي تنتج 33 لكل مليون. ويقترب أداء دول المغرب العربي من أداء الهند، والفارق بين ناتج البحوث بالنسبة للفرد بين الدول الصناعية والدول النامية هو تقريباً 50 إلى .1 وهذا مؤشر على ضخامة معدل اتساع «الفجوة التكنولوجية». وإذا أخذنا كوريا الشمالية كمثال، يتبين أنه يلزم حوالي 30 عاماً من العمل الجاد لسد تلك الفجوة.

* ملاحظات ختامية

* تظهر حقيقة أن للدول العربية أداء جيداً مقارنة بالصين والهند والبرازيل وأنه حتى مع المستوى المتدني لمخرجات البحث والتطوير في العالم العربي فإنه يمكن إنجاز ما هو أكثر مما يتم إنجازه حالياً. ولا شك أن معدل اكتساب التكنولوجيا وعامل التضاعف المرتبط بالبنية العامة لرأس المال الثابت ودرجة الاستقلال التكنولوجي أكثر بكثير في كل من هذه الدول الثلاث منها في أية دولة عربية. والواقع أن الاستغلال السيئ للقدرات القائمة هو نتيجة لهشاشة التواصل والترابط بين المهنيين والاقتصاد القومي ومن أجل الاستفادة من الموارد البشرية المتاحة يتعين على الحكومات العربية تبني سياسات اقتصادية وعلمية بهدف توجيه الاقتصاد القومي والإقليمي للتوسع في التعاقد المحلي وتوجيه المشتريات نحو المنتج المحلي والتنمية الصناعية.