فروع البحث العلمي ـ التمييز بين البحوث الأساسية والتطبيقية لا يعني انفصالهما عن بعض

TT

البحث العلمي هو جانب من جوانب النشاط الإنساني الموجه لدراسة وفهم وتفسير الظواهر، المختلفة التي تحيط بالإنسان ويمكن تصنيف البحث العلمي إلى فرعين حسب نتيجة البحث، وهذان الفرعان هما.

البحث العلمي الأساس أو البحت وغالبا ما يكون نطاقه في مجالات العلوم الطبيعية النظرية مثل الرياضيات، وأهم ما يميز هذا الفرع هو أن معظم نتائجه لا تكون محسوسة وملموسة للعامة إلا بعد فترة قد تزيد أحيانا عن جيل لأنه يتناول النظريات العلمية التي توصل إليها الإنسان والعلاقات بين ظواهر الكون المختلفة، ومعظمه يوجد في الجامعات وبعض مؤسسات البحث العلمي.

* البحث العلمي التطبيقي

* ويقوم على استخدام النظريات في مجال العلوم الطبيعية التطبيقية المختلفة مثل الهندسة والطب والزراعة، وأهم ما يميز هذا الفرع هو أنه بحث موجه لحل مشكلة قائمة أو إلى تطوير منتج أو خدمة جديدة وتظهر نتائج البحث العلمي التطبيقي بشكل سريع وملحوظ وخاصة في العقود الأخيرة من هذا القرن، ويتولى القيام به مؤسسات البحث والتطوير في القطاعين العام والخاص، ويمكن أن يوجد في الجامعات بعض من أوجه البحوث التطبيقية.

إن التفريق بين جانبي البحث العلمي الأساس والتطبيقي لا يعني عدم وجود قنوات بينهما، بل هناك تداخل بينهما يزداد يوما بعد يوم، وكمثال على ذلك يلاحظ أن تطبيقات الرياضيات، وهي تشكل العمود الفقري للبحث العلمي، قد ازدادت في العقدين الأخيرين زيادة كبيرة جداً أدت إلى التأثير في الفعاليات العلمية الأخرى. فالتقدم في علم الحاسب الآلي يعتمد بشكل حاسم على الرياضيات، كما أن بعض فروع الرياضيات والفيزياء النظرية بحاجة إلى حواسيب متزايدة القدرة للتثبت من بعض النظريات.

* أهمية البحوث العلمية في الدول النامية

* من الواضح أن الفجوة العلمية والتقنية بين الدول المتقدمة والدول الأخرى، وخصوصا دول العالم النامي، تزداد اتساعا على الرغم من الجهود الحثيثة من قبل دول العالم النامي لتضييقها. ومن أهم أسباب اتساع الفجوة هو أن الصناعة المحلية في دول العالم النامي يغلب عليها الطابع التجميعي وغالبا ما تكون الصناعة في تلك الدول موجهة للسوق المحلية وبترخيص من شركات في دول العالم المتقدم، كما أن الخدمات ذات الصبغة التقنية مثل الحاسبات والاتصالات تعتمد في صيانتها وتحديثها على مصادرها في دول العالم المتقدم أيضا، وهذا مما يزيد الفجوة التقنية اتساعا ومعها الفوارق الاقتصادية، وبالتالي تجد دول العالم النامي نفسها في دوامة. لذلك لا بد لهذه الدول من أن تتوجه إلى مؤسساتها البحثية والعلمية للنظر في حلول لمشاكلها الفنية ولتطوير تقنيات تركز على الاستفادة القصوى من خصوصيات تلك الدول ومن الموارد الطبيعية والبشرية لها ثم تبني على تلك التقنيات صناعات وخدمات لها ميزات تنافسية وعوائد اقتصادية واجتماعية إيجابية

* البيئة اللازمة لتنفيذ البحث العلمي

* إن توفر التمويل اللازم والأعداد الكافية من العاملين في مجالات ومواقع البحث العلمي لا يعني بالضرورة ازدهار البحث العلمي، ومع أن توفر وسلامة البنية التحتية لمرافق البحث العلمي من معامل ومعدات وقواعد معلومات ووسائل اتصال أمر ضروري لنجاح العملية البحثية إلا أنه لا يكفي لازدهار البحث العلمي، ولتحقيق ذلك لا بد من وجود بيئة أساسية تشمل أمورا كثيرة من أهمها ما يلي ـ وجود سياسات بعيدة ومتوسطة وقصيرة المدى، واضحة الأهداف، تبين الاتجاهات والأولويات البحثية وفقا للأهداف الوطنية للتنمية.

ـ توفير النظم الإدارية والمالية المرنة والمناسبة لمتطلبات ومتغيرات عملية البحث العلمي.

ـ إرساء نظام فعال لجذب وتوجيه الطاقات العلمية المتميزة للعمل في مواقع البحث العلمي.

ـ مراجعة مستمرة للبحوث وتقويمها وإعادة توجيه مساراتها حسب الأهداف الوطنية للتنمية.

ـ وجود قنوات مناسبة وفعالة لربط نتاج البحث العلمي، وخصوصا التطبيقي منه، مع البنية الاقتصادية والتنمية الوطنية.

ـ مشاركة القطاع الخاص في دعم البحث وتوجيهه والاستفادة من مخرجاته محليا وعالميا.

* دور القطاع الخاص

* من الملاحظ أن معظم جهات القطاع الخاص في دول العالم النامي وبعض جهات القطاع العام تتوجه إلى الخارج بحثا عن حلول لمشاكلها الفنية والتقنية. وعندما تصل تلك الحلول من الخارج نجدها ترتكز على معطيات اجتماعية وبيئية مختلفة عن موقع تطبيق الحل. ولكن عند توجيه تلك القطاعات وخصوصا القطاع الخاص نحو مؤسسات البحث والتطوير المحلية فإن الناتج سوف يكون حلولا أكثر مناسبة للواقع المحلى وإخصابا للقدرات والخبرات المحلية وزيادة لوعيها بالمشاكل التقنية المحلية، مما يطور قدراتها على الاستكشاف والإبداع إن من أهم عوامل نجاح مؤسسات البحث العلمي هو دعم القطاع الخاص لها بالاستشارة والمعلومات وبالتمويل عن طريق التعاقد مع هذه المؤسسات لإيجاد حلول للمشاكل الصناعية والتقنية وتطوير أساليب وتقنيات لتحسين الناتج الصناعي المحلي.

وبالمقابل لا بد لمؤسسات البحث العلمي، وخصوصا التطبيقي منها، العمل على خلق قنوات اتصال مع القطاعين العام والخاص لتلمس احتياجاتهما ووضع خطط قصيرة ومتوسطة المدى لبناء القدرات المناسبة لتلبية تلك الاحتياجات وكسب ثقة القطاع الخاص خصوصا لأنه يتطلع إلى الربحية السريعة، وفي نفس الوقت لا بد من التحذير هنا بأنه يجب على مؤسسات العلم أن لا تتخلى عن استقلاليتها العلمية نتيجة لبعض الضغوط من البيئة المحيطة.

وقد يكون من المناسب هنا التذكير بأنه في ظل إقرار قوانين واتفاقيات عالمية جديدة مثل التجارة الحرة والعولمة فإن مؤسسات القطاع الخاص لا بد أن تلزم نفسها بالبحث والتطوير للمحافظة على الاستمرارية والمنافسة مع الصناعات الأجنبية المماثلة وهذا ما يجعل اعتمادها على البحث العلمي وتأسيس نواة له ضمن المؤسسة الصناعية أو بالاعتماد على المؤسسات البحثية الوطنية أمرا في غاية الأهمية.

* نائب لرئيس معاهد البحوث ـ مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية