دور العلماء في تشييد القاعدة العلمية والتكنولوجية للمجتمع

TT

المثل الشائع يقول إن الحاجة أم الاختراع، والمعروف أن لكل مجتمع حاجات قد تزيد او تضيق بحسب حالة تقدم ورقي هذا المجتمع، والاختراع هو الكفيل بإيجاد الوسائل لسد واشباع هذه الحاجات.

وفي القديم كثيرا ما كان الاختراع يقوم على الالهام والعبقرية، ولكن اليوم أصبح الاختراع يقوم اكثر فأكثر على المعرفة والدراية، والمعرفة مادة العلم، والعلم ثمرة العلماء. ومن هنا، تأتي اهمية دور العلماء في بناء القاعدة العلمية والتكنولوجية التي يرتكز عليها المجتمع بغرض تحقيق الازدهار والرفاهية لأفراده، وتوفير اسباب المنعة والسيادة. ونظراً لهذا الدور الخطير والحساس للعلم في المجتمعات، فقد جعله الله عز وجل قرين الإيمان في التفاضل بين الناس وعلو الدرجات، «يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات» ـ الآية 11 من سورة المجادلة.

من قديم الزمان، كان دائما للعلم دور بارز في تمايز المجتمعات البشرية، وترجيح كفة هذا المجتمع على ذلك في العلاقات العامة وفي الحروب. لكن اللافت للانتباه، ان دور العلم وما ينتج عنه من تطبيقات تكنولوجية في مختلف ميادين حياة الناس، صار يتعاظم منذ منتصف القرن الماضي، حتى أصبح اليوم السمة المميزة للمجتمع الانساني، فالعلماء يتكلمون الآن عن «مجتمع المعرفة». ميزته الارتكاز على مؤسسات وتنظيمات معقدة تقوم على المعرفة والدراسات الدقيقة، والسرعة في التواصل ونقل المعلومات.

والاقتصاديون من جهتهم، يتكلمون عن «اقتصاد المعرفة»، مبينين ان العامل الأساسي في انتاج الثروة في هذا النوع من الاقتصاد هو عقل الانسان وابتكاراته التكنولوجية التي تزداد تعقيدا يوما بعد يوم.

ومن هنا فقد تدعم دور العلماء والباحثين في بناء المجتمعات وضمان تقدمها ومكانتها بين المجتمعات الأخرى، فالاحصائيات تفيد مثلاً بأن الأبحاث والابتكارات التكنولوجية تساهم فيما بين 25 إلى 50% من نمو الدول الأوروبية. كما أن أكبر نسب توفير مناصب الشغل في الدول المتقدمة تتيحها الشركات الكبرى العاملة في ميدان التكنولوجيات المتقدمة.

أمر آخر يؤكد دور العلم والتكنولوجيا في الوقت الراهن يكمن في ما تفرضه ظاهرة العولمة المتميزة بانفتاح الأسواق والتنقل الحر للمنتجات، مما افضى الى منافسة حادة بين هذه المنتجات على نطاق واسع. ولا يمكن ان تصمد في هذه المنافسة الا تلك المنتجات التي تتوفر على الجودة العالية والسعر المنافس، والجودة والسعر المنافس هي اليوم بغير منازع مهمة البحث العلمي في المختبرات.

حتى الحروب والصراعات بين الأمم أصبحت اليوم تحسم في مختبرات البحث قبل أن تحسم في ساحات المعارك.

كل ذلك يؤكد الأهمية القصوى لامتلاك الأمة لقاعدة علمية وتكنولوجية قوية، ويؤكد تبعا لذلك اهمية الدور الذي يرجع للعلماء والباحثين في بناء هذه القاعدة الضامنة للتطور والرقي والأمن والسيادة.

ومن هذا المنطلق، فإنه يتوجب على بلداننا العربية والإسلامية إيلاء العناية الكاملة للعلم والمعرفة والبحث العلمي، بجعلها في ذروة اهتمامات حكوماتها وفي سلم أولويات سياساتها، على غرار ما يجري في الدول المتقدمة وفي العديد من الدول النامية، علماً بأن مسألة نشر المعرفة والنهوض بالبحث العلمي لم تعد مسألة أفراد مهما انقطعوا لهذه المهمة النبيلة، بل مسألة مؤسسات تعبئ الآلاف من الكفاءات واعتمادات مالية ضخمة، حسب خطط مدروسة ومحددة الأهداف، وانماط عمل تعتمد مبدأ التعاقد الذي يحدد المطلوب والمقابل.

* الوزير المنتدب لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في الجزائر