دور شبكات المعرفة في البحث العلمي والتطوير التكنولوجي في العالم العربي

TT

* رئيس شركة نولدج فيو

* في هذه المرحلة التاريخية الفريدة من نوعها يجد العالم العربي نفسه وسط صراع حاد متعدد الجوانب، أحد أقطابه قوّة عالمية واحدة كبرى، وجوانب تفاعله سياسية وثقافية واقتصادية. عالمنا في نفس الوقت عالم متعدد الأقطاب اقتصادياً بدرجة لم تكن موجودة في أي من الحقبات التاريخية الماضية، فمثلاً انخفضت نسبة الناتج المحلي الاميركي من كونه أكثر من 50% من الناتج العالمي إلى حوالي 35% خلال العشرين السنة الماضية. وفي نفس الوقت فأن ظاهرة العولمة التي نمر بها تعبر عن نفسها بأشكال لم نكن نتوقعها مطلقاً، وهي بالتأكيد توفر للوطن العربي والإسلامي فرصاً تاريخية للتقدم لو تم اتباع استراتيجية تطوير تقني واقتصادي وسياسي تعتمد على تقوية الذات ولكن بنفس الوقت التفاعل الحي مع القوى المحركة للمجتمعات الكبرى العالمية الأوروبية والاميركية والصينية والهندية.

العلماء والتقنيون العرب لهم دور كبير في عملية تقوية الذات هذه، فهم بحكم حضورهم في مؤسسات البحوث والتعليم يمكنهم المساهمة في إعداد جيل من مئات الالوف من الشباب في عملية الأبداع العلمي والثقافي والاستثمار الصناعي، وهم بحكم تفاعلهم ووجودهم مع نظائرهم من علماء العالم الغربي أقدر على التفاعل والتأثير وفهم ما يحرك المجتمعات الغربية.

وباختصار، فأن ما نسعى له هو إنشاءمجتمع علمي وتقني عربي قويٌ ذاتياً ومتفاعل عالمياً. وشبكات المعرفة ستكون الأساس الحقيقي لخلق مجتمعات المعرفة التي نسعى لها. فنحن نعيش الآن في خضم ثورة تقنية كبرى تفوق بمراحل شاسعة الثورة الصناعية الأولى في القرن التاسع عشر. إن هذه الثورة هي بالأخص ثورة معلومات طابعها الأساسي التبادل الكبير لها في شبكة الانترنت وشبكات أخرى لمجتمعات علمية واقتصادية وترفيهية وغيرها. إن هدف شبكات المعرفة العلمية هو المساهمة في إنشاء مجتمع معلوماتي مكرس لدعم الجهود الرامية لبناء اقتصاديات عربية قوية كجزء من الصحوة السياسية والاجتماعية التي نسعى لها.

فما أعنيه بشبكات المعرفة العلمية؟

أنها مخازن الكترونية وقواعد معلومات موزعة في مؤسسات البحوث العربية تحتوي على جميع المعلومات المتعلقة بالأنشطة العلمية والتقنية العربية ومعتمدة على تقنية الإنترنت. إنها قادرة على تصنيف المعلومات وإيجاد الروابط بينها بشكل ذكي، هدفها تسهيل وتشجيع التفاعل الحي بين العلماء العرب ودفع عملية التطور العلمي والتقني في العالم العربي.

إنها تفاعل بين شبكات مختلفة منها شبكات الاكتشاف «Discovery» لمجتمعات علمية متخصصة في مواضيع محددة مثل الطاقة، الإلكترونيات، علم الإدارة وغيرها، وشبكات التطوير «Innovation» التي تربط الصناعيين والمستثمرين والعلماء على نطاق محلي وعالمي لاستغلال الاكتشافات العلمية وشبكات النشر العلمي ـ الشعبي التي تقوم بتسهيل عملية توعية المجتمع ككل ومنهم الشباب ومديرو المجتمع بماهية الاكتشافات العلمية العربية والعالمية وآفاقها.

ومن الممكن أن يكون لهذه الشبكات الأقطاب التالية، كما في الرسم المرفق:

* الجامعات ومؤسسات الأبحاث العربية: التي ستوفر الهيكل التقني لخزانات المعلومات المركزية المتوفرة ليس فقط لطلابها وباحثيها وإنما للأقطاب الأخرى الثلاثة للشبكة: المؤسسات الصناعية، المؤسسات الحكومية، الصحافة والنشر العلمي. كما ستستخدم أحدث تقنيات التعليم عن بعد في غرف تعليم افتراضية تقنيتها متوفرة الآن حتى على أجهزة الهاتف الجوالة الحديثة.

* المؤسسات الصناعية وشركات الاستثمار: حيث توفر لها الشبكة إمكانيات التعرف على الاكتشافات العلمية والحصول على المهارات العلمية والإدارية من مؤسسات الأبحاث والجامعات. ويمكن دفع عملية التفاعل هذه بخطوات كبيرة عن طريق استخدام المجمعات التقنية المحلية مثل مدينة دبي للإنترنت التي توفر السوق الإلكتروني لتبادل الخدمات وواسطة الاتصال والتعاون مع الجامعات.

* المؤسسات الحكومية: حيث تلعب الدولة هنا دوراً رئيسيا باعتبارها المحرك لتشجيع الأستثمار في اتجاهات استراتيجية (صناعة النفط والطاقة الشمسية وتنقية المياه مثلاً) إلا انها في نفس الوقت تستخدم خدمات الشبكة مثلها مثل أي مؤسسة أخرى تسعى لتطوير كفاءتها التقنية والإدارية.

* دورالنشر العلمي: لا يمكن تحقيق التقدم التكنولوجي بحصر النشر الإلكتروني في أروقة البحث العلمي للمؤسسات الأكاديمية وإنما يجب خلق الاهتمام بها من قبل أوسق قطاعات المجتمع، ولهذا ينبغي ان يكون أحد روافد شبكة المعرفة العلمية هذه دور النشر العلمي للجماهير التي تسعى لتعريف المجتمع ككل بخلاصة النشاط العلمي العربي والعالمي، وكذلك إيصال أخبار النشاط العلمي العربي عالمياً للتفاعل مع المؤسسات العلمية والمجتمعات الغربية وغيرها.

بناء هذه الشبكات يجب أن يقوم على أساس تحويل المعرفة إلى فعل. إلى خطوات ملموسة تنتهي بمشاريع ناجحة تساهم في الاقتصاد المحلي وتشجع الاستثمار. يجب أن تسهم في توفير الدعم للمخترعين العرب، سواء كانوا الأكاديميين في مراكز الأبحاث أو العاملين في ورش الصناعة والحقول، ومكافأة ابداعاتهم، كما في المقولة الشهيرة «إعطني أرضاً أقف عليها وسأستطيع أن أغير العالم»!