سوداني يرأس تحرير صحيفة مغربية

طلحة جبريل رئيس تحرير «الجمهور» لـ«الشرق الأسط»: أصدرنا الصحيفة في وقت خطأ

TT

دخل طلحة جبريل، الصحافي السوداني المقيم في المغرب منذ السبعينات، تجربة صحافية جديدة من خلال اصدار صحيفة يومية مغربية بعنوان «الجمهور»، ناشرها هو عبد الكريم بن عتيق كاتب الدولة (وزير دولة) في التجارة الخارجية، وعضو اللجنة المركزية لحزب «الاتحاد الاشتراكي» الذي يقود الإئتلاف الحكومي.

ويأتي صدور هذه الصحيفة ليطرح من جديد سؤال سوق القراءة في المغرب. ذلك أنها جاءت في وقت تكاثرت فيه العناوين الصحافية، وفي ظرفية تدنى فيه عدد قراء الصحف اليومية في المغرب الى 165 الف قارئ يوميا.

«الشرق الأوسط» التقت جبريل الذي سبق له أن شغل منصب مدير مكتب «الشرق الأوسط» في المغرب لمدة 17 سنة، وتولى رئاسة تحرير العديد من الصحف المغربية كان اخرها صحيفة «الصباح»، قبل أن يخوض تجربة «الجمهور»، فكان معه الحوار التالي:

* لماذا إصدار صحيفة يومية جديدة في سوق مغربية تعرف طفرة في عدد الصحف، وتعاني كسادا من حيث عدد القراء؟

ـ أصدرنا صحيفة «الجمهور» في وقت خطأ، فسوق القراءة في المغرب وصل الى وضع كارثي، ومبيعات الصحف العربية والفرنسية لا تتجاوز 165 الف نسخة في اليوم، وهذا الرقم كانت تبيعه صحيفة واحدة فقط في وقت سابق، اما السؤال لماذا اصدار صحيفة في مثل هذه الظرفية؟ فأقول إن الامر يتعلق اولا وقبل كل شيء بمغامرة، فماذا تنتظر أن يفعل صحافي حينما يجد نفسه بلا عمل، وبالتالي لا بد له ان يغامر ويخلق منبرا خاصا به. فالصحافة هي المهنة الوحيدة التي لا تؤمن بشيء اسمه التقاعد.

* لماذا في نظـرك تدنى عدد قراء الصحف في المغرب؟

ـ تدني عدد القراء في المغرب لا علاقة له بانتشار وسائل الاتصال الحديثة من فضائيات وانترنت، كما انه لا علاقة له بالقارئ، لان القارئ المغربي ظل وفيا لصحف معينة تتميز بجديتها ورزانتها، وسأذكر على سبيل المثال وبدون مجاملة صحيفة «الشرق الأوسط» التي ظل القارئ المغربي وفيا لها، وينظر لها كصحيفة مغربية. واظن ان أرقام توزيعها اذا لم تكن قد تحسنت فهي على الاقل ظلت ثابتة ولم تعرف تراجعا، فهذه مسألة محيرة جدا، واقول ان القارئ الجاد ما زال موجودا في المغرب لكن ينبغي ان نعطي له المادة الجيدة. اما أسباب تدني القراءة فهذا ما نبحث عنه جميعا.

نحن الآن بصدد اعداد ملف حول القراء والقراءة في المغرب وآمل ان نصل الى سبب لشرح هذه الظاهرة، فالمستوى الذي وصلته سوق القراءة اليوم في المغرب اصبح مقلقا حتى لا اقول مخجلا، لان ما وصلته مبيعات الصحف اليومية مجتمعة كانت صحيفة واحدة مثل «الاتحاد الاشتركي» تبيعه يوميا.

* تنقلت بين عدة منابر صحافية في المغرب، فما هي الظروف التي فرضت عليك التنقل بين رئاسة تحرير العديد من الصحف المغربية؟

ـ فعلا تنقلت بين عدة منابر، وتجربة «الجمهور» هي الرابعة التي اخوضها، لكن اريد ان اوضح لك اني لا أتنقل برغبة مني، فهم من يستغنون عني أو أنا من يجعلهم يستغنون عن خدماتي، والسبب بسيط، لدي مقاييس مهنية احترمها ولست مستعدا للتنازل عنها، وحينما يطلب مني التنازل يقع ما يمكن ان اسميه خلافا، ولحسن الحظ ان هذا الخلاف دائما ما ينتهي بشكل ودي، ولم يحدث ان انتهى خلافي مع اصحاب المنابر الصحافية التي رأست تحريرها في المغرب بشكل غير ودي.

* قلت ان اصدار صحيفة «الجمهور» جاء في وقت خطأ، فماذا يمكن ان تضيفه مثل هذه التجربة الى السوق المغربية والى القارئ المغربي؟

ـ فكرت مع الصديقين عبد الكريم بنعتيق وعبد اللطيف وهبي، ووصلنا الى قناعة مفادها ان السوق المغربية ما زالت في حاجة الى صحيفة تتوجه الى النخبة التي تقرأ باللغة العربية، لان الاعتقاد السائد، وهذا خطأ، هو ان النخب المغربية لا تقرأ الا باللغة الفرنسية، وقلنا لنجرب هذه المبادرة، ونرى مدى حدود صبر هذه النخب وتقبلها لهذه التجربة، فاذا اتسع صدرهم لنا سنستمر وإلا فإننا سنندثر.

* قبل الاندثار، لا بد من توجيه السؤال الذي غالبا ما يرد على شكل اتهام، من يقف وراء هذا المشروع ومن يموله؟

ـ اتمنى ان تكون الاتهامات التي تقال وتكتب صحيحة حتى يستمر المشروع ونحن مطمئنون على مواصلة الصمود، فنحن نريد ان نؤسس مقاولة تقوم اساسا على الجرأة، اي الجرأة التي تقوم على عدم وجود موارد مادية ضخمة كما يشاع، وهذا يشكل بالنسبة لي ولاصدقائي حافزا مهما لمواصلة المغامرة .

وفي كل الاحوال فإن الارقام موجودة في البنك المغربي للتجارة والصناعة الكائن في شارع محمد الخامس بالرباط، لمن يرغب في معرفة مصادر تمويلنا، وكيف جاءت ومن اين جاءت.

إن المشروع يقوم على الشفافية، فبعد ان تداولت الفكرة مع الصديقين بنعتيق ووهبي، انظم الينا مغامر رابع يعشق هو الآخر عالم الصحافة، ويتعلق الامر برجل الاعمال المغربي عبد الناصر السنتيسي، وكانت الانطلاقة الاولى بدعم اساسي منه، واملنا ان تتحول هذه المقاولة الى شركة مساهمة، ونحن الآن نسير في هذا الاتجاه حتى نضمن استقلالية هذه التجربة وعدم سيطرة اية جهة على خطها التحريري.

* وكم بلغ رأس المال الذي انطلقتم به؟

ـ في حدود 3 ملايين درهم مغربي (الدولار يساوي نحو 11 درهما مغربيا).

* استعملت اكثر من مرة عبارتي «جرأة» و«مغامرة» عند الحديث عن ولادة هذه التجربة، ألا تخشى ان تتحول فعلا مغامرة قد لا تحمد عقباها؟

ـ وماذا يضير ان تتحول التجربة الى مغامرة، فهي اصلا مغامرة ونتمنى ان لا تنتهي بما قد لا يحمد عقباه، لا أعتقد ذلك، لاننا نتحسب بدقة خطواتنا، ومع ذلك اعود فأشدد على أن التجربة منذ انطلاقها كانت مغامرة، والحياة كلها مغامرة، هي مغامرة اخرى تنضاف الى مجموعة المغامرات التي يعج بها السوق المغربية، فاختيار مهنة الصحافة هي في حد ذاتها مغامرة، ولا أصفها بمهنة المتاعب، ومن يعتبرها كذلك فليرحل عنها، انا اعتبرها مهنة المتعة، والفرق كبير بين الكلمتين، والمتعة لا تكتمل الا إذا كان الوصول اليها يتطلب مغامرة.

* تحمل صحيفتكم شعار «صحيفة مستقلة» أليس هناك تناقض بين هذا الشعار ووجود مدير نشر هو في نفس الوقت عضو في الحكومة الحالية وعضو في الحزب الذي يقود التجربة الحكومية الحالية؟

ـ مرة أخرى سأكون مضطرا لاستعمال كلمة مغامرة، فالصديق عبد الكريم بنعتيق اراد ان يبرهن للذين يعرفونه وللذين لا يعرفونه، بان التفكير المستقل والموضوعية والنزاهة يمكن ان توفرها حتى لدى شخص ينتمي حزبيا، فهو عضو في الحكومة، وينتمي الى حزب «الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية» والحكم للقارئ ان كنا نجامل الحكومة او «الاتحاد الاشتراكي».

* هل ستكون الجرأة ان تنتقد عبد الكريم بنعتيق اذا تطلب منك الواجب المهني مثل ذلك؟

ـ سأقوم بذلك وانا مرتاح البال. اولا، لانني لا يمكنني أن أخون قناعاتي المهنية التي جعلتني أتنقل بين عدة منابر، فأنا صحافي رحال و بدوي. ثانيا، لأني أعرف مدى ما يتسم به بنعتيق من تسامح وتحضر يجعله يتقبل النقد حتى ولو كان موجها له في صحيفة هو مدير نشرها وأحد المساهمين الاساسيين فيها.

* أنت الاجنبي الوحيد الذي أتيحت له فرصة رئاسة تحرير العديد من المنابر الاعلامية في المغرب، كيف تنظر الى هذا الأمر؟

ـ لست فقط الاجنبي الوحيد الذي يرأس صحيفة مغربية، وانما قد أكون الصحافي الوحيد الذي يرأس صحيفة لا تصدر في بلده، وهذا ان دل على شيء، إنما يدل على أمرين، الامر الاول ان حجم التسامح في المغرب أكبر من ذلك الموجود في اية دولة عربية، فلا يمكن ان اتصور نفسي على رأس تحرير صحيفة مصرية او لبنانية، واخترت هذين النموذجين على اعتبار ان القاهرة وبيروت هما من ابرز عواصم الصحافة في العالم العربي، الامر الثاني وهو انه لم يحدث اطلاقا ان أشير إلي بأنني لست مواطنا لا يحمل اوراق المواطنة، ففي كثير من الاحيان يتحدثون عني كمغربي، وانا فخور بذلك واعتز به، وحتى عندما توجه الي انتقادات من بعض الزملاء فهم لا يتذكرون ما أشرت اليه، اي انتمائي وجنسيتي، بقدر ما يتذكرون اسلوبي في العمل، لم يسبق ان نعتت اني لست في الاصل مغربيا. أشعر بدون مزايدة اني مغربي الهوى وان كنت لست مغربي الهوية.

* رغم العلاقة الطيبة التي استطعت ان تنسجها مع الكثير من المغاربة من مشارب ومراكز مختلفة، لم تسلم من الانتقادات التي تطال تجربتك وعملك، كيف تنظر الى هذه الانتقادات وكيف تتعامل معها؟

ـ أرد على انتقادات منتقدي بعبارة الفيلسوف البريطاني برنارد شو: «انهم يقولون، ماذا يقولون، دعهم يقولون».

* عمودك في الصفحة الاخيرة من صحيفة «الجمهور» بعنوان «مشيناها خطى» يذكرني بعنوان لمذكرات مناضل شيوعي سوداني تاب عن انتمائه الى الشيوعية. أنت متى ستتوب عن ممارسة مهنة المتاعب؟

ـ مشيناها خطى هو شطر من بيت شعري يقول: مشيناها خطى ومن كتبت عليه خطى مشاها ولا أعرف من هو صاحب هذا البيت، فاختيار عنوان هذه الزاوية الغرض منه الايحاء انني سأظل على نفس الدرب، وطالما اخترت هذه المهنة فلن أمل من السير في دروبها، هي خطى مشيتها وسأظل أمشيها ما حييت.