علاقات العرب مع العالم وكيفية التأثير على القرار الأميركي

باحثون يتحدثون عن مستقبل العلاقات العربية مع أميركا والدول الأوروبية بشكل خاص

TT

يضم كتاب «العرب والعالم» الصادر عن «مؤسسة عبد الحميد شومان» الاردنية مداخلات احد عشر باحثا عربيا ألقوا بدعوة من المؤسسة تناولت علاقات العرب المستقبلية مع أقطار العالم، ماعدا العلاقة المستقبلية مع إسرائيل التي لم يتناولها أحد بالرغم من أهمية الموضوع ،وتأثيره على مصير المنطقة سلبا أم إيجابا. على مستوى العلاقات العربية ـ الاميركية، يرى الباحث عبد الرؤوف الريدي ان الوقت قد حان كي يبدأ العرب العمل على الساحة السياسية الداخلية في الولايات المتحدة الاميركية بعد ان انصبت جهودهم في الاساس على الامم المتحدة بغية استصدار القرارات المؤيدة للحق العربي وهي قرارات لم يكن لها صدى كبير على الساحة الداخلية الاميركية.

وما يساعد على تحقيق مهمة العرب هذه ـ يضيف الريدي ـ طبيعة تكوين المجتمع الاميركي حيث تستطيع اية دولة اجنبية ان تطرح قضاياها بسهولة على المؤسسات الداخلية والرأي العام الاميركي والدليل ان الولايات المتحدة تعج بمختلف اشكال اللوبيات منها اليهودي واليوناني والايرلندي والافريقي. ويعتقد الباحث ان الاهتمام بالساحة الداخلية الاميركية ممكن لان معظم الانظمة العربية متفقة اليوم على موقف واحد بالنسبة لمسيرة السلام كما ارتبط بعضها فعلياًَ باتفاقات سلام مع اسرائيل.

وهذا الدور تلعبه، برأي الريدي، المجالس النيابية العربية والجامعات ومراكز الابحاث وجمعيات رجال الاعمال والجمعيات الاهلية المهتمة بالشؤون الخارجية والمؤسسات الاعلامية شرط ان يكون هذا الدور متوازياً مع الدور الذي تقوم به المنظمات العربية الاميركية داخل الولايات المتحدة.

كما ينبغي ان يتعرف العرب على تاريخ الشعب الاميركي وتراثه وآبائه الاوائل الذين قادوا حرب الاستقلال واصدروا اول وثيقة لحقوق الانسان فضلاً عن دراسة الفنون والآداب الاميركية التي تساعد في معرفة الشخصية الاميركية التي تختلف كثيراً عن الصورة التي تقدمها افلام هوليوود ومسلسلات التلفزيون الاميركي.

ويخلص الى القول ان الدول العربية تواجه في الولايات المتحدة موقفاً غير تقليدي لان السياسة الخارجية الاميركية في الشرق الاوسط لا تتحكم فيها وزارة الخارجية بل ربما كان تأثير مجمل القوى غير الرسمية على الساحة السياسية الاميركية اكبر من ذلك بكثير ويعني ان كل القرارات تنبع من الاعتبارات الداخلية التي تسري على كل ما يتعلق بمنطقة الشرق الاوسط.

اما على الصعيد العربي ـ الاوروبي فيتحدث الدكتور برهان غليون عن مستقبل العلاقات بين القطبين ويقر بغياب التكافؤ وتكريس السيطرة الاوروبية في الوقت الراهن سواء في التوجه العام واتخاذ القرارات او من حيث طبيعة واتجاه المبادلات المادية والمعنوية في حين لا يلعب العرب الاَّ دوراً ثانوياً في صوغ نموذج هذه العلاقات بسبب التفاوت الكبير في القوة في الميادين العسكرية والاقتصادية والسياسية والثقافية.

ويعتقد غليون ان المشكلة وقبل ان تكون في اوروبا هي قائمة في العالم العربي نفسه لان هذا الاخير، لا يمكنه في اطار تمزقه وممارساته التشتتية ان ينال اكثر مما يناله اليوم الاّ اذا نجحت المجموعة العربية في التكون ككتلة فعلية ودخلت في مفاوضات جماعية بعد التغلب على النزاعات والحساسيات والمنافسات العربية ـ العربية وبلورة رؤية مشتركة لمصالح العرب، وبالتالي تكوين إرادة جيوسياسية عربية لدخول مسرح السياسة الدولية العولمية على قدم المساواة مع التكتلات الدولية والمشاركة بروح المسؤولية في بناء المستقبل العالمي.

ورغم شعور الكثيرين في الوطن العربي بالتعاطف مع روسيا وخصوصاً لدى تذكر الدعم السوفياتي السياسي والاقتصادي والعسكري للبلدان العربية خلال حركات تحررها وصدامها مع اميركا واسرائيل، يعتبر الدكتور طه عبد العليم ان عوامل انهيار الاتحاد السوفياتي اعمق من ان تتجاوزها روسيا وبالتالي هناك وهم من عودتها الى قائمة الدول العظمى، في المدى المنظور على الاقل.

كما ان روسيا، بحسب عبد العليم، لا تعوّل كثيراً على العالم العربي لا اقتصادياً ولا سياسياً ولا ثقافياً لان الموقف العربي يبدو في احيان كثيرة شديد التشوش فاقداً بوصلته في الوقت الذي تبقى فيه اسرائيل حريصة على زيادة تفاعلها مع روسيا ودعم اللوبي اليهودي هناك والذي تكاد قوته تعادل قوة اللوبي اليهودي في الولايات المتحدة الاميركية. وفي المقابل فإن روسيا، كما يقول الباحث، تملك الكثير مما يمكن الاستفادة منه عربياً وخصوصاً في مجال استيراد التكنولوجيات الاقل سعراً عن نظائرها في الغرب. ويؤكد عبد العليم في هذا المجال، السعي الى تفعيل الدور الروسي في المنطقة العربية لان روسيا لا تزال قادرة على التأثير في التوازن في المنطقة عبر علاقاتها مع ايران واسرائىل وان كانت لا تحل محل الدور الاميركي القادر على ممارسة نوعٍ من التأثير في مجلس الامن لصالح المواقف العربية.

ووسط التوقعات بانتقال مركز الثقل والمبادرة التاريخية من دائرة المحيط الاطلسي التي تهيمن عليها الولايات المتحدة الى دائرة آسيا الشرقية المتمثلة بالصين التي اضحت البلد الاكثر تحقيقاً لمعدلات النمو الاقتصادي في العالم واليابان التي تجاوزت كارثة القنبلة الذرية لتصبح ثاني اكبر قوة اقتصادية في العالم، يطالعنا الدكتور انور عبد الملك بتحديات تواجه العالم العربي وتستوجب منه صياغة مشروع حضاري عربي يكون على صلة عضوية بالمشروعات المواكبة في الشرق الحضاري (الصين، الدائرة الاسلامية، افريقيا، اميركا اللاتينية) ويتطلب اعداد هذا المشروع التخطيط لوضع استراتيجية حضارية يتعالى بموجبها شأن الحركات الوطنية والدول المستقلة بالنسبة لتعالي عنصرية هيمنة القطب الواحد.

ويدعو الدكتور احمد صدقي البجاني الى انتهاج استراتيجية عربية متكاملة تجاه دائرة حضارتنا الاسلامية تقوم على الشعور بالانتماء الى هذه الحضارة فضلاً عن الانتماءين الوطني والقومي والرؤية الكونية المؤمنة، واستحضار التاريخ المشترك.

ويؤكد البجاني ضرورة قراءة موضوعية منصفة للحاضرة الاسلامية ومختلفة عن الآراء المتحيزة في اوساط الحضارة الغربية التي تقدم الحضارة الاسلامية على انها كانت محكومة باستبداد الحكام شأن حضارات اخرى شرقية.

يؤكد على ضرورة عناية النظام الاسلامي بالتواصل مع ابناء الحضارة الاسلامية المقيمين في دائرة الحضارة الغربية ومتابعة التفاعلات الجارية في اوساطهم وتبادل التأثير بينهم وبين مجتمعاتهم الجديدة التي اكتسبوا مواطنتها. ويعتبر الباحث ان قضية القدس رمز لقضية فلسطين داعياً الى اعتمادها قضية مصيرية لدائرة الحضارة الاسلامية وضرورة وضع هدف تحريرها نصب عين النظام الاسلامي لكنه يرى ايضاً ان هذه الاستراتيجية العربية تجاه الحضارة الاسلامية تستوجب كي يتم اعتمادها ان تكون محل حوار اهل الفكر والحل والعقد ومحل بحث النظام العربي الرسمي كي يتوافر لها الاقتناع اللازم لتنفيذها.

اذاً فالعرب يدخلون قرناً جديداً مفعماً بالتحديات يتطلب بحسب، نوري نجم المرسومي مناخاً سياسياً وثقافياً واجتماعياً يساعد قوى المجتمع الحية على التأمل والتفكير والدراسة واستنباط الخطط والبرامج والسياسات الصائبة. اضافة الى تفعيل جميع سبل المواجهة لمختلف اشكال التحديات كتجسير الفجوة التقنية الناجمة عن استمرار حالة التخلف واسلوب التعامل الجاري وتوفير دعم خاص واستثنائي لعملية البحث العلمي.

ويضيف المرسومي: «العرب مطالبون بتبني استراتيجية جديدة تهدف الى افقاد الكيان الصهيوني مشروعية استمراره التاريخية لان هذا الكيان يعيش خارج العصر باعتباره كياناً عنصرياً ودينياً فضلا عن محاصرته على الارض الفلسطينية التي يحتلها وعدم السماح له بأن يتحول الى مركز اقتصادي وامني متقدم للغرب الاستعماري يهيمن بالنيابة عنه على اقتصاديات الاقطار العربية ولذلك فان النضال ضد التطبيع بكل اشكاله يفترض ان يكون شاملاً ومسؤولية الجميع».

=