«بلاد العم سام»كما صورها رحالة عرب

كتاب يحاول أن يقارب صورة أميركا في قسم من الكتابات العربية القديمة والجديدة

TT

شاعت صور كثيرة عن الانسان الاميركي في الرحلات العربية حيث جاء البعض منها مثقلا بصور المقت والتحقير والتشنيع على الاميركي، والبعض الآخر محملا بصور الامتداح له. وهي في مجملها صور متباينة يطبعها قالب السخرية والفكاهة والانتقاد الغيري الذي قام في جزء كبير منه على الموازنة بين المشاهدة والذكرى معبرا عن الاتصال والانفصال بين عالمين ثقافيين مغايرين. كيف يمكن، إذاً، قراءة هذا المتن السردي العربي في أدب الرحلات؟

يحاول الكاتب المغربي عبد النبي ذاكر المتخصص في الأدب المقارن وفي أدب الرحلات في كتابه الأخير الصادر ضمن «منشورات الزمن» بالرباط تحت عنوان «صورة اميركا» في متخيل الرحالين العرب «الكشف عن ملامح الصورة التي ارتسمت في مخيلة الرحالين العرب عن «بلاد العم سام»، وذلك من خلال تحليل آليات النص الرحلي العربي الى اميركا بما فيها كتابات وشهادات كل من الكتاب العرب: محمد ثابت وعبد الله حمد الحقيل وزكي نجيب محمود ومصطفى أمين وأنيس منصور وأبو بكر القادري وعبد الكريم غلاب وليلى أبوزيد. وأغلب الشهادات التي أوردها الكاتب من تلك الرحلات تكشف بسخرية لاذعة جهل الاميركيين بالجغرافيا وباللغات الانسانية ومعرفتهم المحدودة التي تقتصر على الاعلانات والقصص والأفلام التي تقدمها شركات البطاطس وأمواس الحلاقة حسب تعبير أنيس منصور. أما الكاتبة المغربية ليلى أبوزيد فلم تجد «من لا يعرف لا قليلا ولا كثيرا عن المغرب أو يهمه أن يعرف». وهذه النماذج من الشهادات تكشف بعضا من مطبات الصور التي تحملها الشعوب عن بعضها البعض، والتي قد تحملها على التقارب والتفاهم أو التباعد والنفور واللامبالاة.

إن الآخر في الرحلات العربية حديثها ومعاصرها ـ كما يقول الكاتب ـ هو كما احتاجت الذات أن يكونه، بمعنى أن تحديد الغير يتوقف على عالم الأنا . وهذا يفيد أن رحالينا كانوا يفهمون ـ أو على الأصح يؤولون الواقع الأجنبي الاميركي ـ ويفتحون مغاليق رموزه ، في ضوء تجربتهم الجمعية داخل مجتمعاتهم. ولعل ما ميز الرحلات العربية الحديثة والمعاصرة هو أنها لم ترفض القيم الثقافية الأخرى، ولم تر فيها عامل تغيير للقيم الخاصة، بل ترسيخا لها ـ عبر التكييف والتنسيب ـ ومقاومة لضغط الخارج واكراهاته. بمعنى أنها رأت أن جرعة الغيرية ضرورية لانعاش جسد الهوية والمحافظة على توازنه واتساقه وحسن تواصله. «لقد عمدت الرحلات العربية الحديثة والمعاصرة الى فضح التناقضات الذاتية عبر سيناريو ذي طبيعة متنوعة: (فكاهة، نقد ذاتي، الخ). وهذا التنوع يحمل في العمق طرحا ايديولوجياً موحداً يتوخى تعويض نقص (أخلاقي، اجتماعي، مادي، ثقافي). ولذلك امتزج فيه الخطاب التاريخي بالسياسي وبالفكري. وهي تستجيب في هذا كله الى ضرورات حاسمة أهمها حسب الكاتب:

* بنية الزمن العربي.

* اعادة تحديد الذات والمراهنة على مستفيد نهضوي قابل للتغيير.

* الوقوف على السلبيات والمراهنة على الايجابي والممكن، وتعرية العوائق الحائلة دون تحقيق الذات.

ومن خلال المعالجة الأدبية الجادة للمتن الرحلي العربي الحديث والمعاصر والقراءة التفكيكية للرحلات نحو اميركا، يعد هذا الكتاب ـ الذي يتوزع الى تقديم وثمانية فصول أو أجزاء هي: (تسخير السخرية، استراتيجيات الفكاهة، استراتيجية الانتقاد الغيري، قناع النقد الذاتي، استراتيجيات الايهام بتبديد الميث، ميث المألوف أو قناع الألفة، بلاغة التواضع أو احتمال اللاكفاية الوصفية ومكر المقالب) وخلاصات عامة ـ مساهمة جادة في دراسة الصور الثقافية للشعوب وكيفية حضور بعضها في متخيل البعض. خصوصا أن دراسة صورة اميركا لدى العرب في سياقنا التاريخي والسياسي، تحمل أكثر من دلالة، إذ أنها تكشف عن بذور الموقف الذي يتشكل لدينا حيال اميركا وعن المضمرات التي تتحكم في قبولنا أو رفضنا لهذا الآخر.

* صورة اميركا في متخيل الرحالين العرب

* الكاتب: عبد النبي ذاكر

* الناشر: منشورات الزمن بالرباط (2002)