مدحة عكاش: مجلتي صارت معلما من معالم دمشق

صاحب «الثقافة» لـ«الشرق الأوسط»: الظروف السياسية والمادية حالت دون وصول المجلة إلى سائر أقطار الوطن العربي

TT

في عام 1958 أصدر مدحة عكاش مجلته «الثقافة» الشهرية، ثم اخرى اسبوعية في ما بعد والمستمرتين بالصدور حتى اليوم، كما اسس دار نشر اهتمت بشكل خاص بنشر كتب الشباب في سورية والعالم العربي. وقد بدأ عكاش شاعرا وباحثا ومحققا للتراث، حيث صدرت له مجموعة شعرية يتيمة وهي (يا ليل) وله عدة مؤلفات منها: «ابن الرومي» دراسة و«رسائل الجاحظ» و«بدوي الجبل دراسة ومختارات» وغيرها.

لكنه تخلى عن الكتابة الشعرية والنقدية ليتفرغ لمجلته ودار النشر. وفي الحوار يتحدث «مدحة عكاش» لـ «الشرق الأوسط»:

ليس من السهل أن تستمر مجلة اكثر من اربعين عاما.

* كيف كانت البداية؟ وهل بدأت وحدك؟ ـ في عام 1958م خلت الساحة في سورية من مجلة تحتضن اقلام السوريين بعد ان توقفت عدة مجلات كانت تصدر من قبل كمجلة «الحديث»، و«عصا الجنة» و«الصباح» و«النقاد» وغيرها كثير، وقد اغتربت هذه الاقلام وتوزعت بين مصر والاردن والعراق ولبنان.

في هذه الظروف وجدت ان الفرصة ملائمة لتحقيق حلمي الكبير الذي عشته سنوات عديدة وأصدرت العدد الاول في مايو (ايار) عام 1958 وبقيت المجلة سبع سنوات تصدر شهريا في مواعيدها ثم تحولت الى مجلة اسبوعية تصدر صباح كل يوم سبت. وفي مطلع عام 1975 أعدت اصدار المجلة الشهرية الى جانب الاسبوعية وما زالتا تصدران حتى اليوم بموعديهما.

وهنا تعاودني الذكريات للسنة الاولى لصدور المجلة، فما كاد العدد الاول يصدر حتى انهالت على ادارة المجلة المواد العديدة بجميع الوان الادب ولكبار الكتاب العرب واستقبلت المجلة بكثير من الترحاب والتأييد.

وعلى سبيل المثال لا الحصر فقد اسهم في تحرير الاعداد الأولى كبار الكتاب المعروفين في سورية امثال شفيق جبري وشاكر مصطفى وعبد الله عبد الدائم وأمجد طرابلسي وحكمت هاشم وزكي الارسوزي وسعد صائب وألفة الادلبي وطلعت الرفاعي وعزيزة هارون ومطاع الصفدي وزكريا تامر ومحيي الدين الصبحي وغادة السمان، وكانت في بداياتها، وعبد المعين الملوحي ونزار قباني وابراهيم الكيلاني وجان الكسان وكوليت الخوري وياسين رفاعية وعبد الله الشيتي وصبحي ابو غنيمة وغيرهم الكثير. هؤلاء الادباء والدكاترة كانوا سندا للمجلة وعونا لها في اكثر مراحل حياتها ومنهم من لقي وجه ربه ومنهم من لا يزال على قيد الحياة.

* ماذا عن التوزيع وتمويل المجلة طوال هذه الفترة؟

ـ ان كل وسيلة اعلام ادبية قد تمر بمراحل صعود وهبوط سواء كانت هذه الوسيلة مرئية او مقروءة او مسموعة، ومجلة الثقافة شأنها شأن غيرها مرت بمثل هذه المراحل، فهي قوية حينا وضعيفة حينا آخر الا ان ذلك لم يمنعها من الاستمرار والديمومة، ومرد ذلك هو ايماني المطلق بأني سأصل الى الافضل. هذا بالاضافة الى الظروف السياسية والمادية التي حالت في كثير من الاحيان دون وصول المجلة الى اقطار الوطن العربي كلها، وكذلك فقد كان للناحية المادية الاثر الكبير في اعداد المجلة الاعداد اللازم والمرضي للقراء كافة. ولعل هذا الصبر المتواصل قرابة اربعة واربعين عاما قد زاد في ثقة القراء بالمجلة وزاد في عدد اصدقائها ممن يعتبرون المجلة اليوم معلماً من معالم دمشق.

* من المعروف أنكم اسستم ايضا دارا للنشر، ما الدافع وراء ذلك؟

ـ لم تكن دار النشر التي انشأناها ترمي الى الكسب المادي وانما كانت رديفا لهدف المجلة الكبير للكشف عن المواهب لذلك كانت اكثر المنشورات التي صدرت عن دار مجلة الثقافة، خاصة الشباب بالاضافة الى ما نشرته الدار لكبار الكتاب والشعراء امثال الدكتور عبد السلام العجيلي والشعراء: نديم محمد وحامد حسن وجابر خير بك وخضر الحمصي وغيرهم الكثير. ولا أخفي ان هذه المنشورات كانت خير مشجع للشباب والناشئين على الاستمرار والتقدم في حياتهم الادبية.

* هناك من يقول: ان الناشر العربي يأكل اتعاب المؤلف «بعكس الناشر الغربي» ما رأيك بذلك؟

ـ لقد نشأت دور النشر في الوطن العربي وقامت على اساس مادي بحت. ولا يمكنني التعميم في ذلك فهناك دور تحاول جاهدة ان تخدم المؤلف سواء في تعاملها معه او في توسيع المجال في نشر مؤلفاته، وهذه الفئة باعتقادي تقدس الفكر والمؤلفين وتعمل جاهدة على رفع المستوى الثقافي في الوطن العربي. أما الفئة الثانية فإن حرمانها من الثقافة والعلم جعل الفكرة المادية تسيطر عليها، وفي مثل هذه الدور يضيع حقا كما قلت حق الكاتب والمؤلف ولا يتقاضى في بعض الاحيان حتى قيمة الورق الذي كتب عليه مخطوطه، ولا اظن ان فئة كهذه يكتب لها الاستمرار في العمل اكثر من سنوات معدودة.