بطل في الجودو أصبح رئيسا

كتاب روسي عن فلاديمير بوتين يكشف جوانب من حياته الشخصية أو المهنية وتطوره السياسي

TT

لكم سألنا أنفسنا: من هو هذا الرجل الغامض فلاديمير بوتين، الذي كان شبه مجهول قبل سنوات معدودات ثم صار ملء السمع والبصر وهو يقفز من منصب إلى منصب أعلى فإلى الذروة في سدة رئاسة الجمهورية بسرعة قياسية؟! يقول الكتاب الصادر عنه بهذا العنوان «حوار مع بوتين» انه كان في أواخر العهد السوفياتي موظفاً في جهاز الأمن المرعب الشهير باسم الـ «كي. جي. بي» منذ عام 1975 بعد تخرجه في كلية الحقوق الى عام 1991 الذي قدم فيه استقالته منه قبل ان تتوضح الأمور تماماً بعيد فشل حركة التمرد ضد غورباتشوف وصعود يلتسين السريع مكانه. وربما لهذا السبب خرج من وظيفته الكريهة بالنسبة لرجال العهد الجديد بسمعة نظيفة نسبيا، خاصة انه قضى معظم خدمته في فرع الاستخبارات المضادة ـ أي تجميع المعلومات المعادية ـ في ألمانيا الشرقية مما ساعد على عودته بسهولة إلى خدمة الدولة من جديد مشفوعا بعلاقات طيبة مع رؤسائه، وعلى ارتقائه المناصب سريعا.

هذا بعض مما يستخلصه القارئ، من هذا الكتاب، وهو تسجيل توثيقي لحوار طويل اجراه معه ثلاثة من الاعلاميين الروس مع بعض التعليقات لأصدقائه واقربائه.

صحيح انها شهادة من جانب واحد وتعليقات للمقربين مما يقلل من مصداقيتها، إلا انها معلومات لا تخلو من الفائدة والمغزى، فالرجل مثلا من أسرة فلاحية بسيطة، وقد كان منذ يفاعته نظامياً في دراسته دونما تفوق خارق إلا انه كان ناجحا لدى اساتذته باستمرار، كما كان رصينا في تعامله مع الآخرين، منطويا على نفسه بالرغم من علاقاته الاجتماعية الناجحة، كما كان في الوقت ذاته حالماً رومانسياً يطمح الى احتراف مهنة حافلة بالاثارة والمغامرة وكان يتصور ان انتسابه الى جهاز الـ «كي. جي. بي» يحقق له طموحاته هذه، فأقدم مبكراً على الانتساب اليه وانه لم يكن يسمع بأخبار الاضطهاد في بلاده لأنه لم يكن أحد يجرؤ على ذكرها أمامه وأنه لم يكتشفها إلا متأخرا.

كان يبدو من بين السطور ان الشاب كان نموذجاً مثاليا للتربية السوفياتية، إذ لم يكن يعبأ بغير أداء عمله على أكمل وجه، وحين اكتشف هشاشة النظام الذي آمن به ردحاً من الزمن لم يتأخر عن ترك الخدمة وهو غير واثق بعد من مصيره، أو مصير النظام الحاكم في بلاده. كما كان يبدو انه ذو نزعة قومية روسية، وصاحب وعي ديمقراطي اكتسبه مع توالي الزمن والمعاناة، ومع ذلك فهو كما ـ يظهر من الحوار ـ لا يخلو من بعض الميول «الذرائعية» ـ أو «الوصولية» كما نسميها نحن العرب، مثل معظم الشباب الطامحين إلى السلطة، ومن نزعة للتفرد باتخاذ القرارات شأنه في ذلك شأن معظم حكام روسيا عبر العصور الماضية بالرغم من وعيه الديمقراطي «الليبرالي»، وهذا ما جعله قادراً على المناورة بدهاء مع خصومه، وعقد التحالفات مع معارضيه كالحزب الشيوعي الذي يعترف به كحزب ذي قاعدة شعبية عريضة، ولكن على أسس جديدة لا مكان فيها لأساليب التأميم، والمصادرات الحكومية اعترافاً بالملكية الخاصة حقاً مقدساً.

وبوتين قبل كل هذا شاب رياضي ـ بطل في الجودو ـ متين البنيان بقدر ما هو قوي الشخصية ولطيف مع معارفه وقاس شديد مع من يهدد روسيا بالتجزئة والتفكك.

انه حاكم علمته التجارب اكثر مما علمته المدارس الحزبية أو النظريات الآيديولوجية. وقد لا يتمتع بوتين بكاريزما الزعماء الابطال الجذابين، غير انه حاكم ذكي يتفهم عصره ويعرف حدوده، بعيداً عن المزاودات والمغامرات الطائشة.

هذا هو أهم ما يقوله الكتاب، اما الحقيقة كاملة فهي محتاجة بالتأكيد الى حوارات أوسع مع أشخاص آخرين، عبر عهود متنوعة يكشف عنها الغد. ـ الكتاب من منشورات دار طلاس في دمشق 2002، ترجمه عن الروسية عبد الوهاب مدور ويقع في 188 صفحة من القطع المتوسط