وجهة نظر أميركية في كتاب برنارد لويس

روث ووكر*

TT

* نشر الزميل أمير طاهري قراءة في كتاب برنارد لويس: «ما الاخفاق، تأثير الغرب ورد فعل الشرق الأوسط» في «عالم النشر والكتابة» ليوم 26/3.

وهنا رأي آخر في هذا الكتاب المثير للجدل.

أطلق بيرنارد لويس كتابا انتظره المهتمون طويلا بعد مرحلة تحضير استغرقت زمنا، انعشتها احداث خارجية بالنسبة له، تمثلت في هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) الارهابية والاهتمام الملحوظ في أوساط الاميركيين بتعلم المزيد عن الثقافة الاسلامية والعربية. ومع تهافت الجمهور على متاجر بيع الكتب والمكتبات بحثا عن اجابات لسؤال الرئيس جورج بوش «لماذا يكرهوننا؟»، سيكون كتاب لويس واحدا من المصادر التي سيلجأون اليها. لكن هذا الكتاب الرقيق الذي يضم المحاضرات التي القاها الاستاذ المتقاعد في جامعة برينسيون والذي وصفه البعض احيانا اهم الباحثين في شؤون الشرق الاوسط، قد يثير اسئلة اكثر من طرحه لاجابات.

قد تكون هناك عناوين فرعية عديدة مثل: «اين المشكلة في ما حدث؟» و«متى سيتوقفون عن ضرب زوجاتهم؟». وذلك على افتراض ان هناك بالفعل شيئا ما خطأ في منطقة الشرق الاوسط، ليس خلال الاشهر او السنوات التي أدت الى الحادي عشر من سبتمبر عام 2001، بل بدءا من اواخر العصور الوسطى، بحيث يبدو ان التطور في مجالات العلوم والتكنولوجيا، بما فيها التكنولوجيا العسكرية، قد توقف. وهذا، بالاضافة الى الحد الملحوظ من الافتقار لحب الاستطلاع بشأن ما كان يحدث في اراضي «الكفر» في الغرب، ابقى الحضارة الاسلامية في الهامش خلال معظم سنوات الالفية الماضية، حسب الكاتب.

وحسب ما طرحه لويس، فان من بين الابتكارات التي كان يتوجب على العالم الاسلامي تبنيها عاجلا، ساعات الحائط والتقاويم ومقاييس الاوزان وآلات الطباعة (كذا). لقد اتحف العرب الاوروبيين بالقهوة والسكر ـ وفي ما بعد تعلم الاوروبيون كيفية زراعة كل منهما بشكل اكثر فاعلية في مستعمرات عالمهم الجديد.

ويشير الكتاب الى ان المجتمعات الاسلامية ظلت ايضا متخلفة بسبب تعاملها مع النساء، كما يطرح لويس، مشيرا الى ان «المرأة المسلمة تمتعت بحق التملك بشكل تفوق على الغرب المتطور حتى اوقات معاصرة». ثم يذكر جملة نقلها عن مبعوث تركي في فيينا عام 1665، كتب تقريرا عن «المشهد العجيب» لامبراطور النمسا وهو يخلع قبعته عندما يلتقي بامرأة امام الملا.

ويقدم لويس في كتابه لمحة عن تعدد الالحان: حيث يؤدي العديد من العازفين ادوارهم ليكونوا لحنا متناسقا. وهي كما تبدو موسيقى غربية، بطبيعة الحال، لكن لويس يربط المسألة بالطرق الحديدية وبالرياضات الجماعية، والشؤون البرلمانية، اضافة الى غيرها من الظواهر الاوروبية. واثناء تفصيله لما اعتقد ان العالم الاسلامي كان يفتقد اليه، فانه يمد ايضا مفهومه لاشكال من الادب مثل الرواية (حيث يجمع بين شخصيات متعددة وفرعيات، كما هو الحال في بناء رواية بسيطة) والتاريخ (الذي يجمع بين مصادر متعددة).

يتحدث لويس عن اشكال الفكر التي تعيقنا، افرادا وجماعات، عن المضي قدما وتحقيق كل طموحاتنا الممكنة، اذ يقول ان الاشخاص العقلاء لا يحبذون اصدار الاحكام حول معتقدات الناس. لكن يجب ان يظل السؤال قائما اذا ما اردنا فهم بعضنا البعض في اطار مجتمعنا المحلي او العالمي.

ويشير لويس الى صعوبة الربط بين التعليم الديني والممارسة الثقافية، حيث يرصد محاولة الفصل بين الكنيسة والدولة ـ التي يبدو عليه انه يؤيدها بشدة.

ثم يتساءل: ولكن كيف يمكن للمرء على سبيل المثال ان يستفيد مما قاله المسيح: «لا تنشغل كثيرا بحياتك لانك ستحصل على طعامك». اذا ما كان هناك شيء ما في اطار العقيدة نفسها جعل الحضارة الاسلامية تبلغ اوجها في العلوم والرياضيات وفي الطب خلال القرون الاولى منها، فهل تغير ذلك الشيء، أم انه الى حد ما فقد بريقه؟

في ختام كتابه يكتب لويس: «اذا ما استمر الناس في منطقة الشرق الاوسط باتباع مسيرتهم الراهنة، فان الانتحاري الذي يفجر نفسه قد يصبح المحرك لسائر المنطقة، وقد لا يكون هناك مفر من تدهور موجة الكراهية والضغينة والغضب والاشفاق على الذات.. ولو تمكنوا من التخلي عن مواساة انفسهم والشعور بانهم ضحايا، وحلوا مشاكلهم، وحشدوا مواهبهم وطاقاتهم ومواردهم بأسلوب خلاق ومشترك، فحينها سيكون بامكانهم مرة اخرى ان يجعلوا من الشرق الاوسط، في العصور الحديثة، كما كان حاله في العصور الوسطى، مركزا رئيسيا لحضارة. ولبعض الوقت، يبدو ان الخيار بأيديهم». وفي الوقت نفسه سيكون البعض منا ممن يظهرون اهتماما افضل بهذه المنطقة المضطربة قد حصلوا على مقدمة لبعض القضايا الهامة ـ وعلى الكثير من الغذاء الفكري.

* خدمة «كريستيان ساينس مونيتور» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»