بن لادن يفقد حظوته عند القراء الأفغان

المسؤولون الحاليون في أفغانستان: إنهم يريدون كتبا في الرياضيات خالية من صور البنادق والطلقات

TT

يبدو أن أسامة بن لادن قد بدأ يفقد حظوته في هذه المدينة الحدودية الخشنة، التي ظلت ولفترة طويلة مركزا لشراء الأسلحة وانتقاء المقاتلين، على الأقل بالنسبة لصناعة عرفت في الفترة الأخيرة ازدهارا غير مألوف.

يقول الناشر نافيد أخضر معلقا، وسط فوضى المكائن القديمة والأوراق، المنتشرة في غرفة يعتبرها مكتبه الشخصي: «عملي يزدهر حاليا». لم يقع هذا التحول المفاجئ الا قبل ستة اسابيع فقط. آنذاك كان عمل مالك المحل نافيد أخضر جد محدود، ووقع هذا التحول بعد تسلمه طلبا من افغانستان بطبع 250 ألف كتاب مدرسي. ولمواجهة هذه الزيادة المفاجئة في الطلب اضطر ان يضاعف عدد عماله إلى الضعف ليصلوا إلى 12 شخصا، وأصبح العمل يؤدى بدفعتين تستغرق كل منها 12 ساعة. ويتوقع الناشر أخضر أن ترتفع أرباحه من 30 ألف روبية في الشهر إلى 150 ألف روبية، وهذا يعادل ما يقارب 2500 دولار شهريا. وفي الوقت نفسه اتصل به عدد من رجال الأعمال الأفغان حيث طلبوا منه أن يقوم بعمليات طبع واسعة هناك.

خلال فترة حكم حركة طالبان كانت الطلبات من افغانستان مقتصرة على الكتب الدينية. لكن الوضع تغير الآن حسب ما يقوله المسؤولون الحاليون في افغانستان إذ انهم يريدون كتبا في الرياضيات خالية من صور البنادق والطلقات التي كانت تستخدم كوسائل إيضاح تساعد الصغار على تعلم مبادئ الحساب.

ومع الأموال المتدفقة للحكومة الأفغانية وتوظيف جزء مهم منها على التعليم، تحسنت حظوظ الناشر الصغير نافيد أخضر المقيم في مدينة بيشاور الحدودية والواقع محله في سوق المدينة القديم. لقد ازداد هناك عدد المطابع ودور النشر بشكل كبير، ليصل عددها إلى 500 شركة طباعة. وبامكان الفرد أن يشاهد وسط ذلك السوق العربات الخشبية الصغيرة المسحوبة بالحمير حيث تتقاطع حركتها البطيئة بالسيارات والشاحنات.

كان أخضر غارقا في عمله على الرغم من ان اليوم هو عطلة، وفي حجرة من البيت القديم، كان هناك 3 رجال يقومون بتشغيل ماكنة قديمة متخصصة بتجليد الكتب، وعلى أرضية خشنة وتحت ضوء مصباح عار ومشدود إلى سلك متآكل كان هناك صبي يطوي صفحات مخططة من الوسط ليضغط من بعد على الخط بمسطرة تساعده على الحفاظ على مكان طية الورقة. هذا العمل يساعد على تحويل أوراق الملاحظات إلى دفاتر للواجبات المدرسية، مع فراغات على الأغلفة تساعد التلاميذ على كتابة أسمائهم وأسماء آبائهم واسم كل موضوع.

مع ذلك، ليس كل من يعمل في السوق القديم يشارك الناشر أخضر ابتهاجه بانتهاء حكم طالبان. يقول صاحب المكتبة محمد سعيد أحمد: «العمل سييء جدا الآن»، ويبدو ان اختصاص مكتبته ببيع الكتب الدينية بالعربية والفارسية، ومع سقوط نظام طالبان اختفى الكثير من زبائنه.

لا تزيد مكتبة سعيد عن 6 أقدام، مع ذلك فان كتبه محفوظة على رفوف ترتفع إلى 10 أقدام وتغطي ثلاثة جدران المكتبة، التي تطل على شارع جانغي. ويتميز هذا الشارع الضيق بتكاثر الفضلات والأوساخ فوقه إضافة إلى تشبع الهواء بالعفن القادم من مجارير التصريف الصحي المفتوحة. لمحمد سعيد لحية طويلة ويرتدي قلنسوة رأس بيضاء. أشار بيده إلى مكتبة أخرى ذات باب أزرق مغلق بقفل، قال متحسرا إن صاحب المكتبة قد باع مكتبته لينتقل إلى مدينة كويتا. فعلى المكتبات، كي تصمد في هذه الحرفة ، أن تنتقل من بيع الكتب العربية والفارسية إلى تلك المكتوبة بالاوردو، لغة باكستان الأساسية.

وضمن هذا السياق يمكن للمرء أن يشاهد تراجع الإقبال على الكتب التي تدور حول أسامة بن لادن. على الرغم من وجودها باعداد ضخمة داخل بعض المكتبات. ولعل هذا تأكيد على الفرضية القائلة إن القراءة محكومة بالسياسة.

قال عزيز خان، الجالس على الأرض في مكتبة محمد سعيد، متذكرا: «كانت هذه الكتب تباع مثل الحلويات الساخنة.. والمشترون لا يقايضون في سعر أي كتاب عن بن لادن». أضاف متحسرا، وهو يسحب كتابا قريبا منه: «لو طلبنا 100 روبية في كتاب كهذا سيعطون سعرا لا يتجاوز 50 روبية.. أما إذا كان الكتاب عن أسامة بن لادن فانهم كانوا يدفعون 100 ليرة اذا طلبنا 100». لكن سعيد قاطع زميل مهنته: «الناس ما عادوا يطلبون هذه الكتب».

بالمقابل، عّبر الطاف حسين، 36 سنة، عن ارتياحه لمسار تجارته، وهو صاحب مكتبة تقع على الطرف الآخر من الشارع. وما أثار انتباهي في ملابسه تلك السترة البيضاء اللماعة وذلك السروال الخفيف. ورأيت في مكتبته نسخا من القرآن الكريم لكن الكتب التي كانت تستعمل في المدارس الدينية مفقودة من الرفوف. وكانت تلك المدارس، كما هو معروف، الوحيدة المسموح بها من قبل طالبان.

ويبلغ ربح ألطاف حسين الصافي الآن حوالي 10 آلاف روبية في الشهر وهذا يعادل 165 دولارا.

ينتمي سعيد وزملاؤه إلى البشتون الذين يشكلون الأغلبية في مدينة بيشاور، وحالهم حال ابناء قوميتهم المعروفين بكرمهم المفرط، وهم لا يترددون في الكشف عن تأييدهم الكبير لحركة طالبان، التي جلبت لافغانستان القانون والنظام كما يقولون. ويتناقلون دائماً أخبار مقاتلي طالبان الذين تمكنوا من الهروب وراحوا يتجمعون ثانية. وعبر أغلبهم عن قناعته بعودة طالبان إلى الحكم في كابل، وهذا بالتأكيد سيساعد على تحسن أعمالهم في طباعة الكتب. قال سعيد بثقة عالية: «بالتأكيد سيعودون إلى أفغانستان».

مع ذلك لم يعبروا عن أي مشاعر عداء لأي زائر أميركي، فهم يميزون بين الشعب الأميركي والحكومة الأميركية التي يناصبونها العداء. من جانب آخر، هم يساندون البرامج الأميركية الهادفة لإعادة بناء افغانستان.

قال سعيد بنبرة براغماتية: «إذا ساعدوا على تطوير أفغانستان فهو أمر جيد». إذ ستساعد سيادة السلم في أفغانستان على تطور البلد واغتنائه، وهذا في نهاية المطاف سيكون (حتى بدون طالبان) جيدا لتجارة الكتب في بيشاور.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»