تقلبات الرأي العام الإسرائيلي من عملية السلام خلال عقدين

43 إحصائية وخريطة تتناول التغيرات تجاه الدولة الفلسطينية والمستوطنات وحق العودة واتفاقية أوسلو

TT

اعتمادا على معطيات إسرائيلية حديثة من عشرات استطلاعات رأي تعود الى سنوات 1996حتى عام 2001 قام الباحث الفلسطيني خليل الشقاقي باجراء مسح للرأي العام الاسرائيلي خلال العقدين الماضيين. وشمل هذا المسح مواقف الإسرائيليين من قضايا ذات صلة بعملية السلام مثل اعادة أراض فلسطينية وقيام دولة فلسطين وطبيعة التسوية المفضلة واخلاء المستوطنات في الضفة الغربية وقطاع غزة وحق العودة للاجئين الفلسطينيين وحقوق الفلسطينيين في القدس، وكذلك المواقف تجاه منظمة التحرير الفلسطينية واتفاق أوسلو وحجم التأييد لتوجهات اليمين واليسار في اسرائيل.

وقد صدرت الدراسة التي اعتمدت على 43 احصائية وخريطة بيانية في كتاب بعنوان «مسيرة التردد نحو الاعتدال: مواقف الرأي العام اليهودي في اسرائيل من عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية» عن مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية.

يتضمن الكتاب أربعة أجزاء. يركز الأول على التطورات في البيئة الي يتشكل منها الرأي العام الاسرائيلي ويتابع الثاني التغيرات التي طرأت على الرأي العام الاسرائيلي تجاه القضايا الرئيسية في عملية السلام خلال الفترة التي يدرسها الكتاب، أما الثالث فيحلل فيه المؤلف العوامل والظروف المسببة لتلك التغييرات، ويستعرض الرابع ردة فعل الشارع الاسرائيلي على انتفاضة الأقصى.

ويشير الباحث د.خليل الشقاقي في دراسته الى عمليات التبدل الديمغرافي في التشكيلة السكانية لاسرائيل، التي شهدت صعودا لليهود السفارديم «الشرقيين» وتأثير اليهود الروس ودورهم المتنامي في الخريطة السياسية الداخلية وأثر انتقال السلطة في اسرائيل على الإئتلافات الحكومية اليمينية خلال العقدين الماضيين مركزا على التحولات الاقتصادية والاجتماعية التي شهدتها الدولة الصهيونية من منتصف الثمانينيات، رابطاً ذلك بالتغيرات المتسارعة في الاتصالات العربية الاسرائيلية وما شابها من مواجهات مسلحة دفعت الرأي العام الاسرائيلي الى انتهاج سياسة متشددة مع الفلسطينيين.

ويذكر المؤلف أن نسبة تأييد الرأي العام الاسرائيلي لحق العودة كانت تتراوح بين 9 في المائة عام 1990، 13 في المائة في 1999، وهذه القضية هي التي عصفت بباراك رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق واقصته عن السلطة، حسب الكتاب، بعد أن أظهر بعض المرونة في خطته التي قدمها في كامب ديفيد الثانية في يوليو (تموز) 2000 التي لم تزد نسبة التأييد لها على 33 في المائة، لأنها تعرضت لبعض المحرمات الاسرائيلية مثل تقسيم القدس والسماح بعودة بعض عشرات الآلاف من لاجئي فلسطين.

من ناحية أخرى تشير استطلاعات الدراسة كما حللها الباحث الى تراجع نسبة المطالبين بضم المناطق الفلسطينية المحتلة من 54 في المائة في عام 1984الى 39 في المائة في عام 1993قبل التوصل لاتفاقيات أوسلو فيما ارتفعت نسبة تأييد اعادة الأرض مقابل السلام من 6% في عام 1984 الى 57% في عام 2000، لكن نسبة اعادة مناطق تدعي اسرائيل أهميتها لها كانت طفيفة. فمثلا بالنسبة لاعادة القدس الشرقية أظهرت الدراسة انها ارتفعت من 10% عام 1994الى 23% عام 2000، وكانت الزيادة بالنسبة لاعادة الاغوار من 18% الى 32% فيما ارتفعت نسبة تأييد اعادة المناطق الاستيطانية غرب نابلس من 30% الى 51%.

ووجدت الدراسة فيما يخص إنشاء دولة فلسطينية ان الرأي العام الاسرائيلي حتى عام 2000 كان مؤيداً لإنشائها بنسبة 55% و كانت هذه النسبة خلال الثمانينيات لا تتجاوز 10%.

وأيد الرأي العام الاسرائيلي اخلاء بعض المستوطنات بنسبة 59% عام 2000، وكانت في 1996لا تتجاوز 53%. أما موقف الرأي العام الاسرائيلي من منظمة التحرير الفلسطينية فقد ارتفعت نسبة تأييده للتفاوض معها من 20% خلال الثمانينيات الى 89% في عام 1997وقد جعله هذا يؤيد اتفاقات أوسلو ويدعم وجود اليسار الاسرائيلي في الحكم طيلة عقد التسعينيات والتي وصلت الى 42% في عام 2000، بينما كانت 25% عام .1990 وتشير الدراسة الى أن تأييد قيام دولة فلسطينية بين مؤيدي اليسار بلغت نسبته في عام 2000، 80 في المائة فيما كانت هذه النسبة 30% لدى مؤيدي اليمين، أما نسبة مؤيدي اعادة الأرض لدى اليسار فوصلت في نفس العام الى 84% فيما كانت لدى اليمين 28%. وتقاربت وجهات نظر المعسكرين فيما يخص قضية القدس واللاجئين، وبعد انتفاضة الأقصى حصلت تحولات كبيرة لصالح اليمين، إذ ارتفعت نسبة تأييدهم الى 52% بعد اندلاع الانتفاضة بأشهر قليلة وكانت قبلها 39%، بينما هبطت شعبية اليسار الى 30% بينما كانت قبلها 42% . ويذكر الباحث ان الاحصائيات الاسرائيلية أظـهرت ان الرأي العام في اسرائيل أيد اتخاذ سياسة متشددة تجاه الفلسطينيين وباستخدام القوة العسكرية، وعارض اجراء أي مفاوضات طالما استمرت الانتفاضة، وهذا ما تشير له نسبة تأييده للاغتيالات السياسية ضد القادة الفلسطينيين التي وصلت خلال عام 2001 الى حوالي 90%، فيما ايد 70% من الرأي العام استخدام الدبابات في الحرب ضد المدن والقرى الفلسطينية و51% الى دفع السلطة الفلسطينية الى الانهيار. وفي المقابل انخفض تأييد الرأي العام الاسرائيلي لاتفاقية أوسلو الى أدنى مستوى له منذ 1994 إذ وصل الى 33% بعد مرور حوالي سنة على اندلاع الانتفاضة، فيما ارتفعت نسبة معارضة الاتفاقية الى 67%.

وقد أدت الانتفاضة رغم تحولات الرأي العام الاسرائيلي السلبية ضد القضية الفلسطينية الى زيادة نسبة التأييد للانسحاب من الاحياء العربية في القدس الشرقية فقد كانت النسبة 23%، ووصلت الى 51% في مايو (ايار) 2001، كما ارتفعت نسبة تأييد الرأي العام الاسرائيلي لجعل القدس عاصمة للدولة الفلسطينية من 11% الى 31% بينما بلغت نسبة الموافقة على وضع الحرم الشريف تحت سيادة فلسطينية و«حائط المبكى» تحت سيادة اسرائيلية 33% في مايو أيضا.

وهناك انعكاسات إيجابية للانتفاضة على قضية المستوطنات أيضاً، إذ بلغت نسبة تأييد اخلاء كل المستوطنات عدا الكتل الاستيطانية في مايو 2001 حوالي 55% فيما ايدت الاستطلاعات في يونيو (حزيران) 2001 بنسبة 44% ازالة كل المستوطنات اذا كانت آخر العقبات أمام التوصل لاتفاق سلام. وفي نفس السياق أيد الرأي العام الاسرائيلي اخلاء مستوطنات قطاع غزة بنسبة 47% في نوفمبر (تشرين الثاني) 2000، ارتفعت الى 62% في اكتوبر (تشرين الأول) 2001، وبعد صدور تقرير ميتشل أيد بنسبة 67% من الرأي العام الاسرائيلي تجميد المستوطنات وذلك حسب الاستطلاع الذي أجري في يوليو .2001 كما قام د.خليل الشقاقي بدراسة تأثير عوامل التدين والهوية ومنظومة القيم والأولويات وعوامل أخرى ديمغرافية على التغيرات في الرأي العام الاسرائيلي من أجل تفسيرها، واشار الى انه كلما زادت عوامل التدين لدى الإسرائيلي ازداد التشدد ضد الفلسطينيين، وهو ما أوضحته نسبة الـ 12% من بين المعتدلين الملتزمين بالتعاليم اليهودية التي أيدت قيام الدولة الفلسطينية، وهو ما يعني ان نسبة 88% من بين اليهود الأصوليين ترفض قيام هذه الدولة، وفي جانب غير الملتزمين بتلك التعاليم ترتفع النسبة المؤيدة لقيام الدولة الى 70%، أما قضية اعادة الأرض الى الفلسطينيين فيؤيدها 27% من بين اليهود المتشددين فيما ترتفع بين غير الملتزمين الى 69%، وقد ايد اتفاق أوسلو 20% من الحريديم الأكثر تشددا، مقابل 69% من العلمانيين.

ويشير د.الشقاقي ان نسبة تأييد الذين يعرفون انفسهم بانهم اسرائيليون لعملية السلام وقيام الدولة الفلسطينية وصلت الى 64%، بينما تصل الى 38% بين الذين يصفون انفسهم بانهم يهود وذلك في الفترة ما بين 1997وحتى 2000، وينطبق الامر ذاته على موقفهم من اعادة الأرض الى الفلسطينيين. ويذكر الباحث ان نسبة 69% بين الذين يضعون الديمقراطية على رأس أولوياتهم يؤيدون قيام دولة فلسطينية فيما تتراجع هذه النسبة الى 60% بين الذين يضعون قيمة سلام وأمن اسرائيل على رأس أولوياتهم و 35% من الذين يضعون قيمة الاغلبية اليهودية أولا، بينما تتراجع النسبة الى 24% بين الذين يرون أن قيمة أرض اسرائيل الكبرى هي الأولى وفوق أي اعتبار.

* الكتاب: مسيرة التردد نحو الاعتدال: مواقف الرأي العام اليهودي في اسرائيل من عملية السلام الفلسطينية ـ الاسرائيلية

* المؤلف: خليل الشقاقي

* الناشر: مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة بالتعاون مع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسيحية.