مذكرات أفغاني أمريكي توحد بين كابل ونيويورك

تميم الأنصاري حقق امنيته المؤجلة وتصالح اخيراً مع ماضيه بعد غربة طويلة في امريكا

TT

في 12 سبتمبر (ايلول) الماضي كان تمام أنصاري وهو أفغاني اميركي يعيش في منطقة «باي آريا» يستمع فزعا لبرنامج إذاعي ينادي فيه بعض الرجال والنساء بضرورة الضربة الاميركية لافغانستان واعادتها للعصر الحجري، وعلى الفور بعث الانصاري الذي يعيش بأميركا منذ نحو 40 عاما برسالة على البريد الالكتروني لعشرين من اصدقائه يشرح لهم فيها أنه لا داع لكل ذلك فبعد الغزو السوفياتي والحرب الاهلية وحكم طالبان عادت افغانستان بالفعل للعصر الحجري. وحظيت رسالة الانصاري باهتمام الاصدقاء العشرين حتى أنهم أعادوا ارسالها لاشخاص آخرين، وفي المساء كان الانصاري قد تسلم في بريده الالكتروني مئات من رسائل الدعم، وفي اليوم التالي وصل عددها إلى الآلاف واصبحت حديث العالم. واصبح الانصاري نفسه في بؤرة الضوء مما دفعه بعد ستة اشهر لتقديم كتابه «غرب كابل وشرق نيويورك» الذي سرد فيه قصة نشأته في افغانستان. والكتاب يتحدث عن زمن مفقود من حياة رجل قضى عقودا طويلة من حياته في حداد بسبب تلك الايام. والاحداث تعود لعام 1948 عندما ولد الانصاري لأب من علية الموظفين وأم اميركية. وكما يصف صاحب القصة تلك الايام فقد كانت كابل معزولة تماما عن الغرب، وكانت العائلات الافغانية تعيش في مجتمعات مختلطة وتتناول وجباتها بشكل جماعي، وفي المساء كانت تقضي الليل تتسامر بحكايات الاعراق والسلالات. وبطريقة تخلو من أي عاطفة يصف الانصاري طفولته قائلا: كانت الصلاة هي النظام الروحي الذي كان يجمع تلك المنازل ولم نكن نمعن التفكير في الاسلام لأنه كان يتغلغل في كل تفاصيل الحياة. والانصاري ترك حياته هذه ليتنقل الى حياة جديدة عندما وقع والده مشروعا طموحا للري بدعم من الولايات المتحدة في الوادي الاوسط، فانتقلت العائلة الى «لاش خاراج» وهي قرية بعيدة تسكنها عائلات الجنود الاميركيين. وهناك كان الانصاري يلعب مع الاولاد ذوي العيون الزرقاء ويدخن معهم الكوكايين ويستمع لاغاني آلفيس بريسلي، لكنه لم يدخل مدارسهم أبداً. وهناك ايضا سبب نمط الحياة الاميركية حالة حماس عنده لدرجة جعلته يتحمس عندما أخبره أحد اصدقائه عن مدرسة اعدادية في كلورادو مستعدة لدفع تكاليف تعليمه، وبالفعل قدم الانصاري أوراقه وتم قبوله وانتقل للعيش في الولايات المتحدة ولحقت به العائلة عندما عزل والده من منصبه. وفي اميركا على الرغم من نجاح الانصاري الا ان رد فعل عائلته كان مختلفا. فقد عاد والده لافغانستان تاركا وراءه زوجته فيما انضم الاخ للاسلاميين المتشددين، ولانه تأثر بالتغيير المفاجىء الذي اصاب عائلته فقد قرر صاحب المذكرات أن يعيد التواصل مع ماضيه. فقام في أواخر السبعينات برحلة للشرق الاوسط وكان يفترض بهذه الرحلة أن تكون محاولة للعودة للاوطان، ولكن المنطقة قد تغيرت كثيرا عما تركها من قبل. وكان الطلبة الايرانيون قد فرضوا سيطرتهم على السفارة الاميركية في طهران وبدأت ترتفع حدة الكراهية لكل ما هو أميركي. وعلى الرغم من أن تلك الاحداث كانت الصحف تفرد لها صفحات كاملة ألا أن الانصاري خلال زياراته للعالم الاسلامي كان قد كون انطباعات شخصية جعلته يدرك حجم الالم الذي يعانيه شخص فقد الصلة مع الماضي، فقد اصطدم بالمتشددين وغير المتسامحين الاسلاميين الذين كان الشغل الشاغل لهم هو صب اللعنات على تنورات النساء القصيرة التي تظهر كعوب اقدامهن. وعندما شعر الانصاري بالغربة حاول الذهاب لافغانستان عن طريق تركيا، لكنه لم يتمكن من ذلك فقد حملق مسؤولو السفارة الايرانية في جواز سفره الاميركي وطردوه من المكان. وبمنتهى الاحباط والافلاس عاد الانصاري للولايات المتحدة وربما لو كان يمتلك الخيار وقتها لنسي تماما كل شيء عن افغانستان. ولكن يبدو أن الانصاري حقق امنيته اخيرا في التواصل مع ماضيه من خلال «غرب كابل وشرق نيويورك» فقد قدم كتاباً من الممكن ان يصبح جسرا يربط ماضيه بحاضره ويصل بين ذاته الافغانية وحقيقته الاميركية. ورغم اننا، خلال قراءتنا لمذكرات الانصاري، نشعر باستحالة هذه المهمة الا اننا في النهاية ندرك ان هذه الخطوات يمكنها ان تكشف الطريق للآخرين.

* خدمة: كريستيان ساينس مونيتورالكتاب: غرب كابل وشرق نيويورك

* المؤلف: تميم الانصاري