ما الذي تحقق من وثيقة الطائف بعد عشر سنوات؟

مجموعة من السياسيين والكتاب والإعلاميين يقدمون مراجعة نقدية لوثيقة الوفاق الوطني

TT

بعد مرور اكثر من عشر سنوات على إقرار «وثيقة الوفاق الوطني»، تحاول «جامعة البلمند» في الكتاب الذي اصدرته حول الوثيقة وضم مجموعة محاضرات لاساتذة جامعيين وسياسيين لبنانيين، تقويم مدى النجاح او الفشل الذي حققه تنفيذ بنود الاتفاق. ومن جملة المشاركين، ايلي سالم الذي كان وزيراً للخارجية بين عامي 1982 و.1984 وهو يرى في محاضرته ان الوثيقة حلّت مشكلة الهوية اللبنانية وحررتها من غموض الميثاق الوطني عام 1943، ولغة التردد السائدة في الاربعينات «لبنان ذو وجه عربي»، ولكنها وقعت، هي نفسها، في اشكال الهوية حين سميت «وثيقة الطائف» التي قد تعطي انطباعاً مغلوطاً انها فرضت من الخارج. كما ان الوثيقة واجهت، بحسب سالم، اتهامات كثيرة، عازياً ذلك الى اللاوعي السياسي عند اللبنانيين الذين اعتادوا، برأيه، التعاطي سلبياً مع كل وثيقة تعتمدها الحكمة، او تتفق عليها المجموعات السياسية الفاعلة على الارض، محملين، كعادتهم، الدول الاخرى مسؤولية كل ما يحدث على ارضهم وكأن لا وجود سياسياً لهم.

وهنا يقول سالم، ومن موقعه في المسؤولية، ان الوثيقة لبنانية صرفة لخصت الصيغ التي اقترحتها الاحزاب والطوائف والجمعيات والقيادات السياسية والمسؤولون الحكوميون، مشيراً الى انها كانت نتاج سنين من الحوار الوطني اللبناني، وحظيت بدعم اقليمي ودولي.

وإعتبر الوزير السابق ان مقولة «حرب الآخرين على ارضنا» لم تكن سوى شعار دبلوماسي بارع يهدف الى ذر التراب في العيون والتهرب من المسؤولية الوطنية.

غير ان الاعلامي رفيق خوري لا يوافقه الرأي اذ يعتبر ان العامل الاساسي الذي جعل الذهاب الى الطائف ممكناً هو انتهاء الوظيفة الاقليمية والدولية لحرب لبنان وتعب المقاتلين، كما ان الطائف جاء عشية تطور دراماتيكي في الافق الدولي، وهو نهاية الحرب الباردة، بانهيار الاتحاد السوفياتي، في ظل تطور آخر هو التوجه نحو حل الصراع العربي ـ الاسرائيلي ومواجهة التيارات «الاصولية» التي بدأت تكبر في المنطقة، على حد قوله. ويرى خوري ان الخطوط الاساسية كانت متحركة في اتجاهين. يتمثل الاتجاه الاول بالعمل على تنفيذ القرار 425 بإزالة الاحتلال الاسرائيلي ازالة تامة، ويقوم الثاني على بقاء القوات السورية لمساعدة قوات الشرعية اللبنانية لبسط سلطة الدولة في فترة أقصاها سنتان تبدأ بعد التصديق على وثيقة الطائف على ان تقرر الحكومتان اللبنانية والسورية في نهاية الفترة اعادة تمركز القوات السورية في البقاع ومدخل البقاع الغربي في ضهر البيدر حتى خط حمانا ـ المديرج ـ عين دارة. غير ان تأخر الانسحاب الاسرائيلي من الجنوب ـ يعلل خوري ـ وعملية السلام والعلاقات المميزة، اكدت الحاجة الى بقاء القوات السورية. ويختم: «لا السلام في لبنان مجرد وقف الحرب ولا السلام في المنطقة مجرد استعادة الارض واللعبة كانت ولا تزال تدور حول الادوار الجيوسياسية والجيواقتصادية».

ويتناول الدكتور احمد بيضون عروبة لبنان وتجسيدها في اتفاق الطائف معتبراً ان اشكالية التجاذب في هذا المجال تعود الى درجة الخلاف بين الجهات السياسية اللبنانية وما يليها ويلابسها من مرجعيات طائفية.

ويخلص بيضون الى القول ان العروبة انقلبت، لا منذ الطائف بالذات بل منذ سنوات الحرب، الى مادة للتزلف واداء فروض الطاعة التي تطالعنا بين مهرجان يسمى شعبياً وتصريح يدعى رسمياً، والهاتفون بحياتها لا يلتفتون الى ان تعليم الفصحى يتردى في حضيض مهين، علماً ان الفصحى لسان العروبة وعقلها وقلبها وقدماها اللتان بهما تسعى، على حد تعبير بيضون.

وعن المصالحة الوطنية بعد الطائف، يرى فريد الخازن ان اتفاق الطائف لم يلحظ آلية للمصالحة الوطنية بل قضى باتباع سياسات معينة تصب في اتجاه وطني توحيدي على اساس التقيد بالدستور وارساء دولة القانون من دون التنفيذ السليم للاتفاق.

ويدعو الخازن الى مصالحة وطنية مع الاتفاق نفسه واخرى بين اهل الحكم من قيادات شاركت في الحرب واخرى لم تشارك وبين الرئاسات الثلاث في زمن الترويكا وسجلها الحافل بالمعارضات والمخالفات والانكفاءات فضلاً عن مصالحة الناس التي تمت برأيه على نحو عفوي بعد ازالة الحواجز والمتاريس، لكنهامصالحة اجتماعية لا وطنية عشائرية في مضمونها او بتعبير آخر «حبية» على الطريقة الشرقية.

وشدد الدكتور عصام سليمان، في معرض حديثه عن دور رئيس الجمهورية بعد الطائف، على ضرورة ان لا يدخل الرئيس في صفقات سياسية مع اي من الاطراف لان ذلك يؤدي الى اقحامه في لعبة تسيء الى مقام الرئاسة، إضافة الى ضرورة عدم تصرفه كممثل للطائفة وضرورة الانسجام في النهج والرؤية بينه وبين رئيس الحكومة، الامر الذي يجب ان يراعيه النواب عند اجراء الاستشارات النيابية بغية تسمية رئيس الوزراء المكلف.

ويتطرق الدكتور نواف كبارة الى دور رئيس مجلس الوزراء، ومجلس الوزراء بعد الطائف فيجزم ان الاشكالية الاولى تكمن في ان حكومة الوفاق الوطني، كما ارادها الطائف، تفترض ان الطوائف يجب ان تكون ممثلة مناصفة داخل مجلس الوزراء وبالتالي لا بد ان يكون اختيار الوزراء لدخول الحكومة مرتبطاً بمدى تمثيلهم هذه الطوائف، مؤكداً ان غياب وجود نظام داخلي لمجلس الوزراء اخذ يتسبب بمعضلات سياسية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تحويل صلاحيات رئيس مجلس الوزراء الى صلاحيات مشكلية وادارية. ويعرض كبارة اشكالية توفيق رئيس مجلس الوزراء والوزراء بين الصلاحيات الدستورية والمطالب الشعبية السياسية للمذهب الذي يمثلون فالمذاهب والطوائف لا ترحم ممثليها اذا ما شعرت ان هناك تساهلاً في الدفاع عن حقوقها داخل السلطة كعدم الحفاظ على مصالحها في التعيينات الادارية او عدم الحفاظ على موقع اداري للمذهب في تركيبة الادارة اللبنانية.

* وثيقة الوفاق الوطني: مراجعة نقدية وطنية

* مجموعة مؤلفين

* الناشر: المركز اللبناني للدراسات