مطبخ غزة في كتاب بريطاني

التأثيرات الاجتماعية والسياسية على المطبخ الفلسطيني

غلاف الكتاب
TT

ليس كتاب «مطبخ غزة» كتاب طهي عاديا، بل هو مزيج لا يضاهى من وصفات الأطعمة الشهية من مكان يعرف بقلة صادراته، مع الاحتفاظ بنفسه كنص راسخ وتثقيفي يجسد التأثيرات الاجتماعية والسياسية على الطعام وطرق تحضيره. ومن خلال تعمقهما في التاريخ والاقتصاد والمساعدات الصناعية والعلاقات الحدودية والتحولات الثقافية، تعرض المؤلفتان ليلى الحداد وماغي شميت، نظرة جيدة التنظيم على مشهد المذاقات المتغير في قطاع غزة.

بداية من صيف عام 2010 تنقلت الحداد وشميت عبر غزة وتحدثتا إلى الناس، بمن فيهم الرجال والنساء ورجال الأعمال ومديرات المنازل، عن تحضير الطعام والوصول إلى المكونات. جمعت المؤلفتان قصصهما وقامتا بتصوير رحلتهما بأكملها. أعلنا ذلك من بداية الكتاب: «ليست الوصفات التي تمت مشاركتها عبر صفحات الكتاب هي وصفات لأطعمة شرق أوسطية تباع في الشارع، مثل الحمص والفلافل والكباب، التي حققت رواجا الآن عبر مختلف أنحاء العالم». بدلا من هذا، يركز الكتاب على الأطباق التي تعد في المنزل، والتي نادرا ما يتم العثور عليها في مطعم عام، وبصورة أقل أيضا من المسار المستكشف.

وتتمثل الأطباق الخاصة المميزة لغزة، التي تشتمل على أكثر العناصر المفاجئة، في تلك التي تضم البطيخ، وهناك اثنان منها. فيما عادة ما تضم أكلات البحر المتوسط الفواكه في سلطات الليمون، و«سلطة البطيخ المحمر المتبلة» الغزاوية، وهي عبارة عن بطيخ غير مكتمل النضج مشوي على النار ممزوج بالطماطم والفلفل الحار وزيت الزيتون، لينتج مزيجا لا مثيل له. وعلى نحو أكثر تفردا، وربما أكثر غرابة، يأتي البطيخ المخلل، الذي فيه توضع قطع البطيخ الصغيرة في برطمان مملوء بالخل والسكر والماء المملح، وتقدم هنا بين «الوصفات الأساسية» في قسم يحمل عنوان «الكتل البانية للمطبخ الغزاوي».

فيما تتميز الوصفات بأنها معجزات فردية قائمة بذاتها، فإن القراءة عن الأطعمة في سياقاتها المعروضة تطلع القارئ على مدى الخلل الرئيسي الذي يلحقه التداخل بينها وبين الثقافة والاقتصاد والصناعة بإرادة الشعب الغزاوي واستقلاليته. وفي القصص المعروضة لحياة الناس الذين التقتهم المؤلفتان في جولتهما، ومنهم أم إبراهيم، التي تحدثت عن بساتين الفواكه والخضراوات في قريتها بيت تينا.

وهي تشير إلى أن فكرتها عن «الأطعمة الحقيقية» انتهت في عام 1948 عندما طردت من منزلها وأجبرت على العيش في مخيم دير البلح معتمدة على الحصص التي توفرها الأمم المتحدة من الحبوب، مثل الدقيق والسكر والفول. ورغم ذلك، فإنها شرحت وصفة واحدة لطبق «اعتادوا تناوله في الماضي»، على حد قولها. «كشك بيت تينا»، الذي يعد من المرق والكشك (وهما المكونان اللذان يحتلان صفحتين خاصتين كاملتين داخل الكتاب) مع لحم الحمل وحمص الشام والشبت وملح بحري خشن وفلفل أحمر مجفف. تقول: «كان واحدة من أطعمتي المفضلة. رائع».

ومع كل الأوصاف للأرض والحياة النباتية والفقدان هناك، فإن التأثير الواضح للزراعة على الطعام تتم مناقشته بشكل جيد على مدار الكتاب. يشير الكتاب إلى أنه قد تم اقتلاع 20 ألف شجرة زيتون في غزة خلال السنوات العشر الماضية، بحسب وزارة الزراعة، مما أدى إلى انخفاض حاد في كم الزيتون المتاح وفي استخدام زيت الزيتون وظهور زيت الخضراوات المتوفر في السوبر ماركت نتيجة لذلك. ولكن في مقابل هذا، هناك قصص عن الابتكار. وتتمثل واحدة من هذه القصص في عمل المزارع عبد المنعم أحمد في جمعية الزراعة الآمنة بغزة. ورغم أن هذه الأساليب في الزراعة ليس من السهل ترويجها دائما بالنسبة للمزارعين الآخرين، فإن منتجات مزرعته رائجة بين المستهلكين المحليين. إضافة إلى ذلك، فإنه كان هناك إقبال كبير على السماد في الفترات التي منع فيها الإسرائيليون دخول المخصبات إلى غزة، سامحين لمزارعين آخرين بانتهاج وسائل سرية للاستمرار في زيادة إنتاجهم.

فضلا عن ذلك، فإن للحظر المفروض من قبل إسرائيل على السلع تأثير أكبر على وسائل إعداد الطعام والثقافات المرتبطة به. في مصنع «المنار» للطحينة، يشرح يوسف الديراوي تقلب سعر حبات السمسم اعتمادا على سماح إسرائيل باستيراد السمسم من السودان والصومال والهند من عدمه. حينما تفرض إسرائيل حظرا على الحدود، يجبر المصنع على استيراد السمسم عبر الأنفاق، مما يؤدي إلى ارتفاع هائل في أسعاره. في الفترات التي لم يكن مسموحا فيها بدخول السمسم إلى غزة، كان يتم استيراد الطحينة الجاهزة، مما قلص من حجم الصناعة المحلية الصغيرة بالأساس لهذا المنتج المحلي. ويتبع تلك القصة شرح لوصفة «سلطة مليحة»، التي تستخدم في إعدادها طحينة غزة «الحمراء» (مع أنه خارج غزة، يمكن أيضا استخدام الطحينة «البيضاء» المعروفة).

لقد شهد الفلسطينيون مخاطر استحواذ الإسرائيليين على ثقافة الطهي الخاصة بهم، وادعاء انتسابها إليهم، مثلما شهدنا مع الفلافل، كوسيلة لاقتلاع الأجزاء الفلسطينية من الحياة اليومية. تزعم مؤلفتا هذا الكتاب أنهما تعرضان أطعمة وطنية مباشرة من المطابخ الغزاوية كوسيلة لتوثيق هذه الوصفات باعتبارها خاصة بشعب فلسطين.

تستعرض الصفحات الأولى من كتاب «مطبخ غزة» أفكارا عن «المزاج العام» للفلسطينيين، وتشير إلى أنه نادرا ما نجد قصصا سعيدة من غزة. واستجابة لذلك، يبدو الكتاب ناجحا في التأكيد على تلك الصورة، بعرضه قصة تلو الأخرى تمتلئ بحس إنساني وتمييز قوي عبر أفعال بسيطة من الاعتماد على الذات. شعور لا يتزعزع بالكرامة الوطنية ومقدمة شهية لمطبخ غزة المميز.