اللحظات الأخيرة لماري كولفن قبل مقتلها في حمص

المصور الفوتوغرافي الحربي بول كونروي يروي قصة زميلته البريطانية

كولفن في ميدان التحرير اثناء انتفاضة 25 يناير
TT

مضت ماري محل ميري كولفن إلى مدى أبعد وبقيت لفترة أطول من المراسلين الأجانب الآخرين في الساحات الساخنة، مما ساعدها في الفوز بلقب «أعظم مراسلة حرب من جيلها». كان هذا أيضا هو سبب مقتلها في هجوم صاروخي في فبراير (شباط) 2012، أثناء تغطيتها الصحافية للمعاناة المضنية للمدنيين داخل حمص المحاصرة في سوريا.

كانت معروفة ليس فقط بكونها صحافية شجاعة حائزة على عدة جوائز، بل أيضا بفقدانها إحدى عينيها وشهرتها بارتداء عصابة عين أنيقة. كانت ميري كولفن مغامرة وكاتبة متفانية، فضلا عن كونها امرأة عاشت حياتها إلى أقصى حد ممكن. كانت ترتدي دائما اللآلئ التي منحها إياها ياسر عرفات كهدية على الرغم من الانتقادات التي كانت توجه لها بهذا الخصوص. وعرف عنها أيضا أنها كانت تتجنب راحة الفنادق مفضلة عليها الإقامة في أماكن خطيرة جدا لم يكن أي مراسل آخر يجرؤ على الذهاب إليها. كانت عناصر الرفاهية الوحيدة بالنسبة لها ممثلة في علبة سجائر وملابس حريرية و«برطمان» صغير من النسكافيه.

على مر السنين، اقتربت من الموت عدة مرات: الاختفاء من الروس مع ثوار شيشانيين، أو الكشف عن فظائع وحشية في سريلانكا، أو تصوير حصار مصراتة في الأيام الأخيرة للعقيد معمر القذافي.

كان المصور الفوتوغرافي الذي عمل عن قرب مع كولفن هو بول كونروي، الذي وطد علاقة وثيقة معها، وعرضا حياتيهما معا للخطر مرارا لنقل وتصوير أخبار من مناطق النزاع في العالم، وكان بصحبتها عندما أصيبت بجراح قاتلة.

كان كونروي ضابطا سابقا بالمدفعية الملكية. ونما لديه اهتمام، ثم ولع، بالتصوير الفوتوغرافي خلال فترة وجوده في البلقان. وحاول عدة مرات ترك الجيش بعدة وسائل، ولكن لم يسمح له بذلك. فقام بزرع مخدرات في خزانته وأبلغ عن نفسه، ومن ثم تم فصله. استمر يعمل في مناطق الحرب بمختلف أنحاء العالم، ملتقطا صورا فوتوغرافية، ومنتجا أفلاما لمحطتي «بي بي سي» و«سكاي تي في» وصحيفة «صانداي تايمز»، على سبيل المثال لا الحصر. وقد عمل في مناطق حرب بمختلف أنحاء العالم، عاكفا على إعداد تقارير عن النزاعات في العراق والكونغو وكوسوفو وليبيا وسوريا.

إن كتاب «في اللحظة الأخيرة» هو رواية بول الجذابة المليئة بالعنف والحية أيضا عن صداقته مع ميري كولفن والسنة الأخيرة التي قضاها بجانبها. حينما تم تهريب ماري وبول إلى سوريا على يد قوات الثوار، وجدا نفسيهما عالقين في إحدى أكثر الضواحي الشيطانية على الأرض. انهمر وابل من رصاص الأسلحة الثقيلة على المباني المحيطة بهما، مما تسبب في مقتل وتشويه مئات المدنيين. وقتلت ماري جراء صاروخ أحدث ثقبا كبيرا أيضا في فخذ بول بدرجة تكفي لأن يدخل يده فيه! تحمل بول، الذي كان ينزف بغزارة ويعاني من نقص في الغذاء والماء ويشعر بألم شديد، خمسة أيام من القصف الحاد قبل أن يتم ترحيله في هروب جريء سار فيه بدراجة نارية عبر نفق، وزحف عبر تضاريس العدو، ثم في النهاية تسلق جدارا ارتفاعه 12 قدما.

يروي بول كونروي قصة ميري كولفن بتفصيل شديد، يفوق روايته لقصته، ويتضح من كتابه احترامه الجم وحبه الشديد لماري كولفن. ولكن الأهم من ذلك، أنه يروي قصة الشعب السوري.. المقاتلين الذين قاتلوا وقتلوا في الثورة المستمرة، والصراعات اليومية التي لا نعرف عنها الكثير، والخطر المميت الممثل في محاولة إيجاد طعام أو مياه، والموت الذي ينتظر المتهورين والبطيئين. إن قصص هؤلاء الذين «اختفت» أسرهم وقصص التعذيب والوحشية، تعطينا فكرة شديدة الوضوح عن كل ما يجري في تلك الأرض المعذبة، سوريا.

قد ينظر لكتاب «في اللحظة الأخيرة» بكونه أقرب إلى سيرة ذاتية للمؤلف، وأيضا أنشودة شكر لمراسلة صحافية، لكن الكتاب هو أكثر بكثير من مجرد مجموع أجزائه. إنه نظرة على نماذج حية كانت - ولا تزال - تتحطم كل يوم، إن لم يكن كل ساعة.

وبغض النظر عن أوجه القصور التحليلية لكونروي والنمط المتسارع الذي أحيانا ما يقترب من الكليشه، إلا أن كتاب «في اللحظات الأخيرة» يقترب من أجواء رواية حية جذابة، على الرغم من مسحة من الكوميديا السوداء، عن الشجاعة الفائقة للمراسلين والمصورين الفوتوغرافيين الحربيين، الذين ينقلون فظائع وتبعات الحروب إلى طاولات إفطارنا. إن قصتهما هي قصة شخصين شجاعين يجمعهما دافع مشترك في حمل شهادة باسم الضعفاء، وتذكرة واضحة بما يعنيه أن تكون مراسل حرب في القرن الحادي والعشرين.