حوارات عن تحولات المثقف اللبناني منذ ستينات القرن الماضي

TT

للكاتبة اللبنانية ثناء عطوي صدر كتاب «حوارات في المسارات المتعاكسة» عن دار «بيسان» النشر. وتضمن الكتاب حوارات مع حازم صاغية، وروجيه عساف، وفواز طرابلسي، ود. دلال البزري، وعباس بيضون، والسيد هاني فحص، والفضل شلق، وتوفيق هندي، ومحمد عبد الحميد بيضون.

جاء في مقدمة الكتاب:

غادر الكثير من المثقفين مواقفهم المعارضة إلى ملاعب السلطة، أو الأحزاب أو المنظمات الثورية، انزلقوا إلى تموضعات وإلى عصب وجماعات غالبة. استدرجتهم محاولة اختبار فعالية الانتماء إلى النظام الطائفي والكيانية اللبنانية وقضايا إقليمية عدة، وقدم بعضهم المسألة الطائفية على قضايا الوطن، وقدم كل مثقف أطروحته على أنها «تطور»، أو «تراكم»، أو «صيرورة» أو «انكفاء» أو «ضرورات»، أملتها الحرب وظروف السلم، أو الهزائم والانتصارات، أو الذوبان في الكيان الحزبي الشامل.

هي تجارب مثقفين جدليين، مصحوبة بتساؤلات فرضتها ديناميات هذا التحول، وتفاعل المثقف مع الشكل الثقافي الجديد، في زمن التحولات الكبرى والتكنولوجيا المعاصرة والحداثة وما بعدها. هي حركة انتقال وعبور ذات بعد جماعي، تحققت عبر عملية البناء والانهدام ثم الانبناء من جديد، وحرضت المثقف على الاستدارة، وعقد تفاهمات مع أنماط من الحكم والسلطة، لم تكن تمثله أو كان في خندق المواجهة معها.

لا يمكننا أن نفهم مغزى هذه التحولات إلا في سياق التطور السياسي الذي مرت به المنطقة في النصف الأخير من القرن الماضي. إذ تغيرت خلال العقود الخمسة الأخيرة، بنية المجتمع العربي نفسه، وواكب ذلك ظاهرة تنقل المثقفين من موقع إلى آخر ومن فكر إلى نقيضه ومن آيديولوجيات سياسية إلى مواقع دينية وغيرها. تغير فهمنا لدور المثقف، من المثقف الملتزم والعضوي والعقائدي، إلى المثقف الخبير والمثقف المستشار والاحترافي. تغيرت هذه الشريحة ذاتها، وتغيرت وظيفتها وجمهورها، جراء تغير ما يحيط بها، وأصبحت أكثر ارتباطا بالسياسة والنفوذ والمال.

نتحدث هنا عن شريحة، خرج معظمها من رحم الحركات القومية العربية والناصرية والبعثية واليسارية. كانت التيارات السياسية عبارة عن حركات مثقفين ومناضلين، عبروا مراحل زمنية خصبة، وصاغوا أفكارهم من منطلقات أممية وقومية وماركسية. كان المنحى الذي استقطب مسالك المثقفين الثوريين عموما، هو المشترك في هذه التحولات، وذلك على الرغم من تنوع التجارب وتناقضها، بمعنى انتماء غالبية المثقفين إلى حركات اليسار في ذروة صعودها منذ الخمسينات وحتى السبعينات. إذ اعتبرت الماركسية من أهم المشروعات الآيديولوجية التي قدمت فهما مختلفا للتاريخ والأفكار، وربطت بين المثقفين ووحدت أحلامهم بمجتمعات أفضل، وأسست، كفلسفة، لاتجاهات نظرية لا تزال جزءا من تفكير العصر.