الرقابة في الكويت اشتدت بعد تحريرها عام 1991

حمزة عليان يتتبع تاريخ «ممنوع من النشر» منذ ما قبل الاستقلال

غلاف الكتاب
TT

صحيح أن كتاب «ممنوع من النشر» الصادر حديثا عن «ذات السلاسل» لمؤلفه حمزة عليان يرصد تاريخ الرقابة في الكويت، إلا أنه أيضا ومن خلال هذه المتابعة، يرسم الصورة الرديفة، وبشكل غير مباشر، لمسيرة الصحافة والنشر في دولة الكويت، التي أعطت هذا البلد نكهة مضافة ومميزة لنظامه الديمقراطي، وتألقت مع تألقه حتى غدت منافسة لعاصمتي الثقافة العربية بيروت والقاهرة خلال فترة قصيرة.

المؤلف من خلال خبرته الصحافية الطويلة، وتحديدا في مجال التوثيق والبحث، أجاد في العرض والبحث والتبويب، فجاء الكتاب يسيرا على الباحث والقارئ معا، اللافت أيضا يمكن ملاحظته في حجم وتعدد الوثائق التي ضمها الكتاب توثيقا للوقائع وشرحا لها، وهو جهد لا يمكن إغفاله للمؤلف في رحلته المهنية الطويلة.

هو فعلا كتاب مرجعي يغطي جوانب مختلفة من أشكال الرقابة وما تعرضت إليه الصحافة الكويتية من «عقوبات» أدت إلى إيقاف بعضها عن الصدور أو سحبها من الأسواق وهو ما ينطبق على الكتاب الصادر في الداخل أو الوارد من خارج الحدود عبر الجمارك والمنافذ الشرعية.

يعود تاريخ الرقابة في الكويت إلى بداية القرن العشرين.. ففي عام 1907 أصدر صاحب جريدة «العمران» في مصر عبد المسيح الأنطاكي كتابه المعنون بـ«الآيات الصباح في مدائح مولانا صاحب السمو أمير الكويت الشيخ مبارك باشا ابن الصباح». وهو كتاب باللغتين العربية والتركية، فقد وصلت نسخ من الكتاب إلى جمرك الكويت واطلع الشيخ ناصر بن مبارك الصباح على نسخة منه عرضها على الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، وبحسب ما نقله عبد الله الخالد الحاتم مؤلف كتاب «من هنا بدأت الكويت» (ص365)، قال الشيخ يوسف عيسى للشيخ ناصر بن مبارك:

أنصح والدك أن يخفي هذا الكتاب، لأنه مجموعة مهازل وأكاذيب افتراها الأنطاكي، لا صحة لها بتاتا، وإن انتشر هذا الكتاب فسيكون أضحوكة الزمان عليكم بين أهل الكويت وغيرهم. فتكلم ناصر مع والده، وأمر بحبس الكتاب في دائرة الجمارك.

في هذا الصدد، يقول المؤرخ عبد العزيز الرشيد «إن كذب عبد المسيح فيما ينشر من أغرب الكذب الذي سمعناه وشاهدناه، فإنه لم يقصر كذبه على الأقوال بل جاءنا بنوع من الكذب غريب، رسم منارة في الكويت مرتفعة شاهقة يخيل لناظرها أنها من إحدى منارات مصر أو سوريا أو العراق، ورسم أمام مسجدها بستانا نضيرا ملتف الأشجار وليس في مساجد الكويت ما يشبه هذا المسجد ولا في بعض الوجوه».

الكتاب يجمع ثمانية فصول، الأول يتحدث عن البدايات ورقابة ما قبل الاستقلال، والثاني عن رقابة الخمسينات والستينات، والثالث يستعرض تاريخ المادة «35» وعلاقة الصحافة بالسلطة، والرابع يتوقف عند الرقابة المسبقة في المرحلة من 1986-1992، والخامس يروي قصة الرقابة على الكتب ومعرض الكتاب العربي، والسادس يختص بتعطيل المحاكم الذي طال الصحف والمجلات، والسابع يسلط الضوء على الرقابة الذاتية داخل الصحف، والأخير يتناول مشاهد ومحطات من الرقابة العربية والخليجية.

الصحافي اللبناني رياض طه، الذي أصبح في ما بعد نقيبا للصحافيين، كتب في مجلة «الكفاح العربي» تقريرا بعنوان «ماذا في الكويت؟» يذكر فيه أنها سمحت بإدخال جميع الصحف العربية والأجنبية دونما رقابة ويستشهد بمجلة «الأحد» التي لم تمنع مرة واحدة من الدخول بينما منعت خمس سنوات من دخول العراق في عهد نوري السعيد بسبب حملتها على الاستعمار البريطاني! ويتوقف عند انعقاد مؤتمر الأدباء العرب في الكويت بدعوة من حكومتها في عام 1958 وهو ما دفع حكومة عبد الكريم قاسم إلى الاحتجاج مما اضطرها إلى إغلاق جريدة «الفجر» الناطقة باسم النادي الثقافي القومي لمدة أسبوعين خلال فترة انعقاد المؤتمر.

تاريخيا، يمكن التوقف عند مفصلين بارزين في تاريخ الرقابة على الصحف والمطبوعات، الأول يبدأ من عام 1976 وتحديدا يوم 29 أغسطس (آب) وهو تاريخ حل مجلس الأمة حلا غير دستوري، الذي استمر إلى عام 1981، علما أنه جرى تعطيل صحيفة «السياسة» أكثر من أربع مرات خلال عامي 1972-1973 واتهامها بتعكير صفو العلاقات بين الكويت ومصر، أما المفصل الثاني فيبدأ من 3 يوليو (تموز) 1986 وهو تاريخ حل مجلس الأمة للمرة الثانية وينتهي عام 1992.

مرحلة 1976 تمثلت في أكثر من وجه، على المستوى الإجرائي أصدر أمير البلاد الشيخ صباح السالم الصباح أمرا أميريا يوم 29 أغسطس 1976 بقانون، بإضافة مادة جديدة إلى قانون المطبوعات والنشر تخول مجلس الوزراء سلطة تعطيل الصحف إذا تعارضت سياستها مع المصلحة الوطنية أو ثبت أنها تخدم مصالح دولة أو هيئة أجنبية.

وفي جردة سريعة لصخب عام 1976 وما تلاه نجد أن خمس صحف ومجلات جرى إيقافها عن الصدور لفترات تتراوح بين عشرة أيام كحد أدنى وثلاثة أشهر كحد أقصى، وهناك ستة قرارات إيقاف مماثلة في 1977، واثنا عشر قرارا بالإيقاف في عام 1978، وأحد عشر في عام 1979، وستة قرارات في عام 1980، وخمسة في عام 1981، وآخرها قرار واحد في عام 1982، مع الإشارة إلى أن سيف الرقابة لم يقتصر على المنشورات المحلية وإنما على مختلف الصحف والكتب الوافدة من خارج الكويت.

الدور الاستئصالي للرقابة ظهر بشكل بارز في مرحلة ما بعد تحرير دولة الكويت عام 1991، وإن كان حاضرا منذ زمن على مدى سنوات طويلة.

استمرت عمليات المصادرة في السنوات اللاحقة بل تفاقمت إلى الأسوأ نتيجة الضغوط التي مارستها التيارات الدينية والتهديد باستجواب أي وزير يتساهل مع الرقابة والمنع، بحسب التقارير التي نشرها عدد من الصحف الكويتية.

عندما تتصفح هذا الكتاب/ الوثيقة يمكنك تلمس الجهد والمتابعة الطويلة من مؤلف صاحب اختصاص، عايش غالبية ما جرى ذكره بالممارسة والمتابعة المهنية المباشرة.